وَالصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ عُلَمَاءُ الْبَيَانِ أَنَّ التَّمْثِيلَيْنِ مِنْ جُمْلَةِ التَّمْثِيلَاتِ الْمُرَكَّبَةِ الْمُقَرِّبَةِ لَا يُتَكَلَّفُ لِكُلِّ وَاحِدٍ شَيْءٌ بِقَدْرِ شَبَهِهِ بِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعَرَبَ تَأْخُذُ أَشْيَاءَ فُرَادَى مَعْزُولًا بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ تُشَبِّهُهَا بِنَظَائِرِهَا كَمَا جَاءَ فِي بَعْضِ الْآيَاتِ مِنَ الْقُرْآنِ وَقَدْ تُشَبِّهُ أَشْيَاءَ قَدْ تَضَامَّتْ وَتَلَاحَقَتْ حَتَّى عَادَتْ شَيْئًا وَاحِدًا بِأُخْرَى مِثْلِهَا وَذَلِكَ كَقَوْلِهِ:تَعَالَى: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا} فَإِنَّ الْغَرَضَ تَشْبِيهُ حَالِ الْيَهُودِ فِي جَهْلِهَا بِمَا مَعَهَا مِنَ التَّوْرَاةِ وَآيَاتِهَا الْبَاهِرَةِ بِحَالِ الْحِمَارِ الَّذِي يَحْمِلُ أَسْفَارَ الْحِكْمَةِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ حَمْلِهَا إِلَّا الثِّقَلُ وَالتَّعَبُ مِنْ غَيْرِ فَائِدَةٍ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ من السماء} الْمُرَادُ قِلَّةُ ثَبَاتِ زَهْرَةِ الدُّنْيَا كَقِلَّةِ بَقَاءِ الْخُضْرَةِ
وَقَدْ ضَرَبَ اللَّهُ تَعَالَى لِمَا أَنْزَلَهُ مِنَ الْإِيمَانِ وَالْقُرْآنِ مَثَلَيْنِ مَثَّلَهُ بِالْمَاءِ وَمَثَّلَهُ بِالنَّارِ فَمَثَّلَهُ بِالْمَاءِ لِمَا فِيهِ مِنَ الْحَيَاةِ وَبِالنَّارِ لِمَا فِيهِ مِنَ النُّورِ وَالْبَيَانِ وَلِهَذَا سَمَّاهُ اللَّهُ رُوحًا لِمَا فِيهِ مِنَ الْحَيَاةِ وَسَمَّاهُ نُورًا لِمَا فِيهِ مِنَ الْإِنَارَةِ فَفِي سُورَةِ الرَّعْدِ قَدْ مَثَّلَهُ بِالْمَاءِ فَقَالَ: {أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا} الْآيَةَ فَضَرَبَ اللَّهُ الْمَاءَ الَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ فَتَسِيلُ الْأَوْدِيَةُ بِقَدَرِهَا كَذَلِكَ مَا يُنْزِلُهُ مِنَ الْعِلْمِ وَالْإِيمَانِ فَتَأْخُذُهُ الْقُلُوبُ كُلُّ قَلْبٍ بِقَدْرِهِ وَالسَّيْلُ يَحْتَمِلُ زَبَدًا رَابِيًا كَذَلِكَ مَا فِي الْقُلُوبِ يَحْتَمِلُ شُبَهَاتٍ وَشَهَوَاتٍ ثُمَّ قَالَ: {وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ متاع زبد مثله} وَهَذَا الْمَثَلُ بِالنَّارِ الَّتِي تُوقَدُ عَلَى الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالرَّصَاصِ وَالنُّحَاسِ فَيَخْتَلِطُ بِذَلِكَ زَبَدٌ أَيْضًا كَالزَّبَدِ الَّذِي يَعْلُو السَّيْلَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ الناس فيمكث في الأرض} كَذَلِكَ الْعِلْمُ النَّافِعُ يَمْكُثُ فِي الْقُلُوبِ بِالتَّوْحِيدِ وَعِبَادَةِ اللَّهِ وَحْدَهُ
رَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ هَذِهِ ثَلَاثَةُ أَمْثَالٍ ضَرَبَهَا اللَّهُ فِي مَثَلٍ وَاحِدٍ
يَقُولُ كَمَا اضْمَحَلَّ هَذَا الزَّبَدُ فَصَارَ جُفَاءً لَا يُنْتَفَعُ بِهِ وَلَا تُرْجَى بَرَكَتُهُ وَكَذَلِكَ يَضْمَحِلُّ الْبَاطِلُ عَنْ أَهْلِهِ
وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: "إِنَّ مَثَلَ مَا بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ مِنَ الْهُدَى وَالْعِلْمِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَصَابَ أَرْضًا فَكَانَ مِنْهَا طَائِفَةٌ قَبِلَتِ الْمَاءَ فَأَنْبَتَتِ الْكَلَأَ وَالْعُشْبَ الْكَثِيرَ وَكَانَ مِنْهَا طَائِفَةٌ أَمْسَكَتِ الْمَاءَ فَشَرِبَ النَّاسُ وَاسْتَقَوْا وَزَرَعُوا وَكَانَتْ مِنْهَا طَائِفَةٌ إِنَّمَا هِيَ قِيعَانٌ لَا تُمْسِكُ مَاءً وَلَا تُنْبِتُ كَلَأً وَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ فَقُهَ فِي دِينِ اللَّهِ فَنَفَعَهُ مَا بَعَثَنِيَ اللَّهُ بِهِ مِنَ الْهُدَى وَالْعِلْمِ وَمَثَلُ مَنْ لَمْ يَرْفَعْ بِذَلِكَ رَأْسًا وَلَمْ يَقْبَلْ هُدَى اللَّهِ الَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ"
وَقَدْ ضَرَبَ اللَّهُ لِلْمُنَافِقِينَ مَثَلَيْنِ مَثَلًا بِالنَّارِ وَمَثَلًا بِالْمَطَرِ فَقَالَ: {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي استوقد نارا} الْآيَةَ يُقَالُ أَضَاءَ الشَّيْءُ وَأَضَاءَهُ غَيْرُهُ فَيُسْتَعْمَلُ لازما متعديا فقوله: {أضاءت ما حوله} هُوَ مُتَعَدٍّ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ أَنْ تُضِيءَ النَّارُ مَا حَوْلَ مَنْ يُرِيدُهَا حَتَّى يَرَاهَا وَفِي قوله في البرق: {كلما أضاء لهم} ذِكْرُ اللَّازِمِ لِأَنَّ الْبَرْقَ بِنَفْسِهِ يُضِيءُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِ الْإِنْسَانِ فَإِذَا أَضَاءَ الْبَرْقُ سَارَ وَقَدْ لَا يُضِيءُ مَا حَوْلَ الْإِنْسَانِ إِذْ يَكُونُ الْبَرْقُ وَصَلَ إِلَى مَكَانٍ دُونَ مَكَانٍ فَجَعَلَ سُبْحَانَهُ الْمُنَافِقِينَ كَالَّذِي أَوْقَدَ نَارًا فَأَضَاءَتْ ثُمَّ ذَهَبَ ضَوْءُهَا وَلَمْ يَقُلِ انْطَفَأَتْ بَلْ قَالَ ذهب الله بنورهم وَقَدْ يَبْقَى مَعَ ذَهَابِ النُّورِ حَرَارَتُهَا فَتَضُرُّ وَهَذَا الْمَثَلُ يَقْتَضِي أَنَّ الْمُنَافِقَ حَصَلَ لَهُ نور ثم
http://vb.mediu.edu.my/showthread.php?t=43263
وَقَدْ ضَرَبَ اللَّهُ تَعَالَى لِمَا أَنْزَلَهُ مِنَ الْإِيمَانِ وَالْقُرْآنِ مَثَلَيْنِ مَثَّلَهُ بِالْمَاءِ وَمَثَّلَهُ بِالنَّارِ فَمَثَّلَهُ بِالْمَاءِ لِمَا فِيهِ مِنَ الْحَيَاةِ وَبِالنَّارِ لِمَا فِيهِ مِنَ النُّورِ وَالْبَيَانِ وَلِهَذَا سَمَّاهُ اللَّهُ رُوحًا لِمَا فِيهِ مِنَ الْحَيَاةِ وَسَمَّاهُ نُورًا لِمَا فِيهِ مِنَ الْإِنَارَةِ فَفِي سُورَةِ الرَّعْدِ قَدْ مَثَّلَهُ بِالْمَاءِ فَقَالَ: {أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا} الْآيَةَ فَضَرَبَ اللَّهُ الْمَاءَ الَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ فَتَسِيلُ الْأَوْدِيَةُ بِقَدَرِهَا كَذَلِكَ مَا يُنْزِلُهُ مِنَ الْعِلْمِ وَالْإِيمَانِ فَتَأْخُذُهُ الْقُلُوبُ كُلُّ قَلْبٍ بِقَدْرِهِ وَالسَّيْلُ يَحْتَمِلُ زَبَدًا رَابِيًا كَذَلِكَ مَا فِي الْقُلُوبِ يَحْتَمِلُ شُبَهَاتٍ وَشَهَوَاتٍ ثُمَّ قَالَ: {وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ متاع زبد مثله} وَهَذَا الْمَثَلُ بِالنَّارِ الَّتِي تُوقَدُ عَلَى الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالرَّصَاصِ وَالنُّحَاسِ فَيَخْتَلِطُ بِذَلِكَ زَبَدٌ أَيْضًا كَالزَّبَدِ الَّذِي يَعْلُو السَّيْلَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ الناس فيمكث في الأرض} كَذَلِكَ الْعِلْمُ النَّافِعُ يَمْكُثُ فِي الْقُلُوبِ بِالتَّوْحِيدِ وَعِبَادَةِ اللَّهِ وَحْدَهُ
رَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ هَذِهِ ثَلَاثَةُ أَمْثَالٍ ضَرَبَهَا اللَّهُ فِي مَثَلٍ وَاحِدٍ
يَقُولُ كَمَا اضْمَحَلَّ هَذَا الزَّبَدُ فَصَارَ جُفَاءً لَا يُنْتَفَعُ بِهِ وَلَا تُرْجَى بَرَكَتُهُ وَكَذَلِكَ يَضْمَحِلُّ الْبَاطِلُ عَنْ أَهْلِهِ
وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: "إِنَّ مَثَلَ مَا بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ مِنَ الْهُدَى وَالْعِلْمِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَصَابَ أَرْضًا فَكَانَ مِنْهَا طَائِفَةٌ قَبِلَتِ الْمَاءَ فَأَنْبَتَتِ الْكَلَأَ وَالْعُشْبَ الْكَثِيرَ وَكَانَ مِنْهَا طَائِفَةٌ أَمْسَكَتِ الْمَاءَ فَشَرِبَ النَّاسُ وَاسْتَقَوْا وَزَرَعُوا وَكَانَتْ مِنْهَا طَائِفَةٌ إِنَّمَا هِيَ قِيعَانٌ لَا تُمْسِكُ مَاءً وَلَا تُنْبِتُ كَلَأً وَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ فَقُهَ فِي دِينِ اللَّهِ فَنَفَعَهُ مَا بَعَثَنِيَ اللَّهُ بِهِ مِنَ الْهُدَى وَالْعِلْمِ وَمَثَلُ مَنْ لَمْ يَرْفَعْ بِذَلِكَ رَأْسًا وَلَمْ يَقْبَلْ هُدَى اللَّهِ الَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ"
وَقَدْ ضَرَبَ اللَّهُ لِلْمُنَافِقِينَ مَثَلَيْنِ مَثَلًا بِالنَّارِ وَمَثَلًا بِالْمَطَرِ فَقَالَ: {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي استوقد نارا} الْآيَةَ يُقَالُ أَضَاءَ الشَّيْءُ وَأَضَاءَهُ غَيْرُهُ فَيُسْتَعْمَلُ لازما متعديا فقوله: {أضاءت ما حوله} هُوَ مُتَعَدٍّ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ أَنْ تُضِيءَ النَّارُ مَا حَوْلَ مَنْ يُرِيدُهَا حَتَّى يَرَاهَا وَفِي قوله في البرق: {كلما أضاء لهم} ذِكْرُ اللَّازِمِ لِأَنَّ الْبَرْقَ بِنَفْسِهِ يُضِيءُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِ الْإِنْسَانِ فَإِذَا أَضَاءَ الْبَرْقُ سَارَ وَقَدْ لَا يُضِيءُ مَا حَوْلَ الْإِنْسَانِ إِذْ يَكُونُ الْبَرْقُ وَصَلَ إِلَى مَكَانٍ دُونَ مَكَانٍ فَجَعَلَ سُبْحَانَهُ الْمُنَافِقِينَ كَالَّذِي أَوْقَدَ نَارًا فَأَضَاءَتْ ثُمَّ ذَهَبَ ضَوْءُهَا وَلَمْ يَقُلِ انْطَفَأَتْ بَلْ قَالَ ذهب الله بنورهم وَقَدْ يَبْقَى مَعَ ذَهَابِ النُّورِ حَرَارَتُهَا فَتَضُرُّ وَهَذَا الْمَثَلُ يَقْتَضِي أَنَّ الْمُنَافِقَ حَصَلَ لَهُ نور ثم
http://vb.mediu.edu.my/showthread.php?t=43263
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق