الأحد، 9 يونيو 2013

الثَّالِثُ: تَجَنُّبُ لَفْظِ الزَّائِدِ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى

تَجَنُّبُ لَفْظِ الزَّائِدِ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى أَوِ التَّكْرَارِ وَلَا يَجُوزُ إِطْلَاقُهُ إِلَّا بِتَأْوِيلٍ كَقَوْلِهِمْ الْبَاءُ زَائِدَةٌ وَنَحْوِهِ مُرَادُهُمْ أَنَّ الْكَلَامَ لَا يَخْتَلُّ مَعْنَاهُ بِحَذْفِهَا لَا أَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِيهِ أَصْلًا فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُحْتَمَلُ مِنْ مُتَكَلِّمٍ فَضْلًا عَنْ كَلَامِ الْحَكِيمِ
وَقَالَ ابْنُ الْخَشَّابِ فِي الْمُعْتَمَدِ اخْتُلِفَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَذَهَبَ الْأَكْثَرُونَ إِلَى جَوَازِ إِطْلَاقِ الزَّائِدِ فِي الْقُرْآنِ نَظَرًا إِلَى أَنَّهُ نَزَلَ بِلِسَانِ الْقَوْمِ وَمُتَعَارَفِهِمْ وَهُوَ كَثِيرٌ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ بِإِزَاءِ الْحَذْفِ هَذَا لِلِاخْتِصَارِ وَالتَّخْفِيفِ وَهَذَا لِلتَّوْكِيدِ وَالتَّوْطِئَةِ وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَرَى الزِّيَادَةَ فِي شَيْءٍ مِنَ الْكَلَامِ وَيَقُولُ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ الْمَحْمُولَةُ عَلَى الزِّيَادَةِ جَاءَتْ لِفَوَائِدَ وَمَعَانٍ تَخُصُّهَا فَلَا أَقْضِي عَلَيْهَا بِالزِّيَادَةِ وَنَقَلَهُ عَنِ ابْنِ دُرُسْتُوَيْهِ قَالَ وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُ إِنْ أُرِيدَ بِالزِّيَادَةِ إِثْبَاتُ مَعْنًى لَا حَاجَةَ إِلَيْهِ فَبَاطِلٌ لِأَنَّهُ عَبَثٌ فَتَعَيَّنَ أَنَّ إِلَيْنَا بِهِ حَاجَةً لَكِنَّ الْحَاجَاتِ إِلَى الْأَشْيَاءِ قَدْ تَخْتَلِفُ بِحَسَبِ الْمَقَاصِدِ فليست الحاجة إلى اللفظ الذي زيد عندها ولا زيادة كالحاجة إلى الألفاظ التي رأوها مزيدة عَلَيْهِ وَبِهِ يَرْتَفِعُ الْخِلَافُ
وَكَثِيرٌ مِنَ الْقُدَمَاءِ يُسَمُّونَ الزَّائِدَ صِلَةً وَبَعْضُهُمْ يُسَمِّيهِ مُقْحَمًا وَيَقَعُ ذلك في عبارة مستوية
الرَّابِعُ: تُجَنُّبُ الْأَعَارِيبِ الَّتِي هِيَ خِلَافُ الظَّاهِرِ وَالْمُنَافِيَةُ لِنَظْمِ الْكَلَامِ كَتَجْوِيزِ الزَّمَخْشَرِيِّ فِي {لِلْفُقَرَاءِ} في سورة الحشر أَنْ يَكُونَ بَدَلًا مِنْ قَوْلِهِ: {وَلِذِي الْقُرْبَى} وَهَذَا فَصْلٌ كَبِيرٌ وَإِنَّمَا حَمَلَهُ عَلَيْهِ لِأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ يَقُولُ إِنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْقَرِيبُ بِقَرَابَتِهِ بَلْ لِكَوْنِهِ فَقِيرًا وَالشَّافِعِيُّ يُخَالِفُهُ وَنَظِيرُهُ إعراب بعضهم {الذين ظلموا. . . . .} بَدَلًا مِنَ الْمَجْرُورِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {اقْتَرَبَ للناس حسابهم}
الْخَامِسُ: تَجَنُّبُ التَّقَادِيرِ الْبَعِيدَةِ وَالْمَجَازَاتِ الْمُعَقَّدَةِ وَلَا يَجُوزُ فِيهِ جَمِيعُ مَا يُجَوِّزُهُ النُّحَاةُ فِي شعر امرئ القيس وغيره وأن نقول في نحو: {اغفر لنا} و: {اهدنا} فعلي دعاء أو سؤال ولا نقول فِعْلَيْ أَمْرٍ تَأَدُّبًا مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْأَمْرَ يَسْتَلْزِمُ الْعُلُوَّ وَالِاسْتِعْلَاءَ عَلَى الْخِلَافِ فِيهِ
وَقَالَ أَبُو حَيَّانَ التَّوْحِيدِيُّ فِي الْبَصَائِرِ سَأَلْتُ السِّيرَافِيَّ عن قوله تعالى: {قائما بالقسط} بِمَ انْتَصَبَ قَالَ بِالْحَالِ قُلْتُ لِمَنِ الْحَالُ قَالَ لِلَّهِ تَعَالَى قُلْتُ فَيُقَالُ لِلَّهِ حَالٌ قَالَ إِنَّ الْحَالَ فِي اللَّفْظِ لَا لِمَنْ يُلْفَظُ بِالْحَالِ عَنْهُ وَلَكِنَّ التَّرْجَمَةَ لَا تَسْتَوْفِي حَقِيقَةَ الْمَعْنَى فِي النَّفْسِ إِلَّا بَعْدَ أَنْ يَصُوغَ الْوَهْمُ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ صِيَاغَةً تَسْكُنُ إِلَيْهَا النَّفْسُ وَيَنْتَفِعُ بِهَا الْقَلْبُ ثُمَّ تَكُونُ حَقَائِقُ الْأَلْفَاظِ فِي مُفَادِهَا غَيْرَ مَعْلُومَةٍ وَلَا مَنْقُوضَةٍ بِاعْتِقَادٍ وَكَمَا أَنَّ الْمَعْنَى عَلَى بُعْدٍ مِنَ اللَّفْظِ كَذَلِكَ الْحَقِيقَةُ عَلَى بُعْدٍ مِنَ الْوَهْمِ


اسم الكتاب:
المستطرف في كل فن مستظرف
المؤلف:
شهاب الدين محمد بن أحمد الأبشيهي أبو الفتح
الفن:
الأدب والبلاغة
عدد المجلدات:
1
للاطلاع على الكتاب إليكم الرابط:
http://elibrary.mediu.edu.my/books/DRM2622.pdf

السَّادِسُ: الْبَحْثُ عَنِ الْأَصْلِيِّ وَالزَّائِدِ

السَّادِسُ: الْبَحْثُ عَنِ الْأَصْلِيِّ وَالزَّائِدِ وَمِنْ هَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الذي بيده عقدة النكاح} فَإِنَّهُ قَدْ نَتَوَهَّمُ الْوَاوَ فِي الْأُولَى ضَمِيرَ الْجَمْعِ فَيُشْكِلُ ثُبُوتُ النُّونِ مَعَ أَنْ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلِ الْوَاوُ هُنَا لَامُ الْكَلِمَةِ وَالنُّونُ ضَمِيرُ جَمْعِ الْمُؤَنَّثِ فَبَنَى الْفِعْلَ مَعَهَا عَلَى السُّكُونِ فَإِذَا وُصِلَ النَّاصِبُ أَوِ الْجَازِمُ لَا تُحْذَفُ النُّونُ وَمِثْلُهُ النِّسَاءُ يَرْجُونَ بِخِلَافِ الرِّجَالُ يَرْجُونَ فَإِنَّ الْوَاوَ فِيهِ ضَمِيرُ الْجَمْعِ وَالنُّونُ حِرَفُ عَلَامَةٍ لِلرَّفْعِ وَأَصْلُهُ يَرْجُوُونَ أُعِلَّتْ لَامُ الْكَلِمَةِ بِمَا يَقْتَضِيهِ التَّصْرِيفُ فَإِذَا دَخَلَ الْجَازِمُ حُذِفَ النُّونُ وَهَذَا مِمَّا اتَّفَقَ فِيهِ اللَّفْظُ وَاخْتَلَفَ فِي التَّقْدِيرِ وَكَذَلِكَ يُبْحَثُ عَمَّا تَقْتَضِيهِ الصِّنَاعَةُ فِي التَّقْدِيرِ وَلَا يُؤْخَذُ بِالظَّاهِرِ فَفِي نحو قوله تعالى: {لا مرحبا بهم} يَتَبَادَرُ إِلَى الذِّهْنِ أَنَّ: {مَرْحَبًا} نَصَبَ اسْمَ لَا وَهُوَ فَاسِدٌ لِأَنَّ شَرْطَ عَمَلِهَا فِي الِاسْمِ أَلَّا يَكُونَ مَعْمُولًا لِغَيْرِهَا وَإِنَّمَا نُصِبَ بفعل مضمر يجب إضماره {لَا} دُعَاءٌ، وَ {بِهِمْ} بَيَانٌ لِلْمَدْعُوِّ عَلَيْهِمْ وَأَجَازَ أَبُو الْبَقَاءِ أَنْ يُنْصَبَ عَلَى الْمَفْعُولِ بِهِ أَيْ لَا يَسْمَعُونَ مَرْحَبًا وَأَجَازَ فِي جُمْلَةِ: {لَا مَرْحَبًا} أَنْ تَكُونَ مُسْتَأْنَفَةً وَأَنْ تَكُونَ حَالًا أَيْ هَذَا فَوْجٌ مَقُولًا لَهُ: {لَا مَرْحَبًا} وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ قَدَّرَ مَقُولًا فَمَقُولًا هُوَ الْحَالُ وَ: {لَا مَرْحَبًا} مَحْكِيَّةٌ بِالْقَوْلِ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {واعلموا أن فيكم رسول الله} يَتَبَادَرُ إِلَى الذِّهْنِ أَنَّ الظَّرْفَ قَبْلَهُ خَبَرُ أَنَّ عَلَى التَّقْدِيمِ وَهُوَ فَاسِدٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ الْإِخْبَارَ بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم فِيهِمْ وَإِنَّمَا الْغَرَضُ أَنَّهُ لَوْ أَطَاعَكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَإِنَّمَا: {فِيكُمْ} حَالٌ وَالْمَعْنَى وَاعْلَمُوا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ فِي حَالِ كَوْنِهِ فِيكُمْ لَوْ أَطَاعَكُمْ لَكَانَ كَذَا وَمِنْهُ قوله تعالى: {لا يقضى عليهم فيموتوا} وقوله: {ولا يؤذن لهم فيعتذرون} فَإِنَّ الْجَوَابَ وَقَعَ فِيهِمَا بَعْدَ النَّفْيِ مَقْرُونًا بِالْفَاءِ وَفِي الْأُولَى حُذِفَتِ النُّونُ وَفِي الثَّانِيَةِ أَثْبَتَهَا فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَجَوَابُهُ أَنَّ حَذْفَ النون جوابا للنفي هو على أحد معنى نَصْبٍ مَا تَأْتِينَا فَتُحَدِّثَنَا أَيْ مَا يَكُونُ إِتْيَانٌ وَلَا حَدِيثٌ وَالْمَعْنَى الثَّانِي إِثْبَاتُ الْإِتْيَانِ وَنَفْيُ الْحَدِيثِ أَيْ مَا تَأْتِينَا مُحَدِّثًا أَيْ تَأْتِينَا غَيْرَ مُحَدِّثٍ وَهَذَا لَا يَجُوزُ فِي الْآيَةِ وَأَمَّا إِثْبَاتُ النُّونِ فَعَلَى الْعَطْفِ وَقَرِيبٌ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نتبعه} وقوله: {أبشر يهدوننا} حَيْثُ انْتَصَبَ بَشَرًا فِي الْأَوَّلِ وَارْتَفَعَ فِي الثَّانِي فَيُقَالُ مَا الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا؟ وَالْجَوَابُ أَنَّ نَصْبَ بَشَرًا عَلَى الِاشْتِغَالِ وَالشَّاغِلُ لِلْعَامِلِ مَنْصُوبٌ فَصَحَّ لِعَامِلِهِ أَنْ يُفَسِّرَ نَاصِبًا وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَالشَّاغِلُ مَرْفُوعٌ مُفَسِّرٌ رَافِعًا وَهَذَا كَمَا تَقُولُ أَزَيْدٌ قَامَ؟ فَزَيْدٌ مَرْفُوعٌ عَلَى الْفَاعِلِيَّةِ لطلب أداء الْفِعْلِ فَهَذَا فِي الِاشْتِغَالِ وَالشَّاغِلُ مَرْفُوعٌ وَتَقُولُ فِيمَا الشَّاغِلُ فِيهِ مَنْصُوبٌ أَزَيْدًا ضَرَبْتَهُ؟ وَقَرِيبٌ مِنْهُ إِجْمَاعُ الْقُرَّاءِ عَلَى نَصْبِ قَلِيلٍ فِي: {فشربوا منه إلا قليلا} اختلفوا في: {ما فعلوه إلا قليل} وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ لِأَنَّ: {قَلِيلًا} الْأَوَّلُ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ مُوجَبٍ وَالثَّانِي اسْتِثْنَاءٌ مِنْ مَنْفِيٍّ

فَإِنْ قِيلَ: فَلِمَ أَجْمَعُوا عَلَى النَّصْبِ فِي: {فلا يؤمنون إلا قليلا}

فَإِنْ قِيلَ: فَلِمَ أَجْمَعُوا عَلَى النَّصْبِ فِي: {فلا يؤمنون إلا قليلا} مَعَ أَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ غَيْرِ مُوجَبٍ؟ قِيلَ لِأَنَّ هَذَا اسْتِثْنَاءٌ مُفَرَّغٌ وَهُوَ نَعْتٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ فَالتَّقْدِيرُ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا إِيمَانًا قَلِيلًا وَمِثْلُهُ: {وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} فِي سُورَةِ الحديد قَرَأَهَا ابْنُ عَامِرٍ بِرَفْعِ: {كَلٍّ} وَوَافَقَ الْجَمَاعَةَ على النصب في النساء وَالْفَرْقُ أَنَّ الَّذِي فِي سُورَةِ الْحَدِيدِ شُغِلَ الْخَبَرُ بِهَاءٍ مُضْمَرَةٍ وَلَيْسَ قَبْلَ هَذِهِ الْجُمْلَةِ جُمْلَةٌ فِعْلِيَّةٌ فَيُخْتَارُ لِأَجْلِهَا النَّصْبُ فَرُفِعَ بِالِابْتِدَاءِ وَأَمَّا الَّتِي فِي سُورَةِ النِّسَاءِ فَإِنَّمَا اخْتِيرَ فِيهَا النَّصْبُ لِأَنَّ قَبْلَهُ جُمْلَةٌ فِعْلِيَّةٌ وَهِيَ قوله: {وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ} تَنْبِيهٌ قَدْ يَتَجَاذَبُ الْإِعْرَابُ وَالْمَعْنَى الشَّيْءَ الْوَاحِدَ وَكَانَ أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ يُلِمُّ بِهِ كَثِيرًا وَذَلِكَ أَنَّهُ يُوجَدُ فِي الْكَلَامِ أَنَّ الْمَعْنَى يَدْعُو إِلَى أَمْرٍ وَالْإِعْرَابَ يمنع منه قالوا والتمسك بصحة المعنى يؤول لِصِحَّةِ الْإِعْرَابِ وَذَلِكَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّهُ عَلَى رجعه لقادر يوم تبلى السرائر} فَالظَّرْفُ الَّذِي هُوَ {يَوْمٌ} يَقْتَضِي الْمَعْنَى أَنْ يَتَعَلَّقَ بِالْمَصْدَرِ الَّذِي هُوَ رَجْعٌ أَيْ أَنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ لَقَادِرٌ لَكِنَّ الْإِعْرَابَ يَمْنَعُ مِنْهُ لِعَدَمِ جَوَازِ الْفَصْلِ بَيْنَ الْمَصْدَرِ وَمَعْمُولِهِ بِأَجْنَبِيٍّ يُجْعَلُ الْعَامِلُ فِيهِ فِعْلًا مُقَدَّرًا دَلَّ عَلَيْهِ الْمَصْدَرُ وَكَذَا قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: {لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تدعون إلى الأيمان فتكفرون} فَالْمَعْنَى يَقْتَضِي تَعَلُّقَ إِذْ بِالْمَقْتِ وَالْإِعْرَابُ يَمْنَعُهُ لِلْفَصْلِ بَيْنَ الْمَصْدَرِ وَمَعْمُولِهِ بِالْخَبَرِ فَيُقَدَّرُ لَهُ فِعْلٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ الْمَقْتُ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ إن ربهم بهم يومئذ لخبير} فالمعنى أن العامل في إذا خبير والإعراب يمنعه لأن ما بعد إِنَّ لَا يَعْمَلُ فِيمَا قَبْلَهَا فَاقْتَضَى أَنْ يُقَدَّرَ لَهُ الْعَامِلُ تَنْبِيهٌ عَلَى النَّحْوِيِّ بَيَانُ مَرَاتِبِ الْكَلَامِ فَإِنَّ مَرْتَبَةَ الْعُمْدَةِ قَبْلَ مَرْتَبَةِ الْفَضْلَةِ وَمَرْتَبَةَ الْمُبْتَدَأِ قَبْلَ مَرْتَبَةِ الْخَبَرِ وَمَرْتَبَةَ مَا يَصِلُ إِلَيْهِ بِنَفْسِهِ قَبْلَ مَرْتَبَةِ مَا يَصِلُ إِلَيْهِ بِحَرْفِ الْجَرِّ وَإِنْ كَانَا فَضْلَتَيْنِ وَمَرْتَبَةَ الْمَفْعُولِ الْأَوَّلِ قَبْلَ مَرْتَبَةِ الْمَفْعُولِ الثَّانِي وَإِذَا اتَّصَلَ الضَّمِيرُ بِمَا مَرْتَبَتُهُ التَّقْدِيمُ وَهُوَ يَعُودُ عَلَى مَا مَرْتَبَتُهُ التَّأْخِيرُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَقَدَّمَ لِأَنَّهُ يَكُونُ مُتَقَدِّمًا لَفْظًا وَمَرْتَبَةً وَإِذَا اتَّصَلَ الضَّمِيرُ بِمَا مَرْتَبَتُهُ التَّأْخِيرُ وَهُوَ يَعُودُ عَلَى مَا مَرْتَبَتُهُ التَّقْدِيمُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَقَدَّمَ لِأَنَّهُ يَكُونُ مُقَدَّمًا لَفْظًا مُؤَخَّرًا رُتْبَةً فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ فِي دَارِهِ زَيْدٌ لِاتِّصَالِ الضَّمِيرِ بِالْخَبَرِ وَمَرْتَبَتُهُ التَّأْخِيرُ وَلَا يَجُوزُ صَاحِبُهَا فِي الدَّارِ لِاتِّصَالِ الضَّمِيرِ بِالْمُبْتَدَأِ وَمَرْتَبَتُهُ التقديم

النوع الحادي والعشرون: مَعْرِفَةُ كَوْنِ اللَّفْظِ وَالتَّرْكِيبِ أَحْسَنَ وَأَفْصَحَ

النوع الحادي والعشرون: مَعْرِفَةُ كَوْنِ اللَّفْظِ وَالتَّرْكِيبِ أَحْسَنَ وَأَفْصَحَ وَيُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْ عِلْمِ الْبَيَانِ وَالْبَدِيعِ وَقَدْ صَنَّفَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ تَصَانِيفَ كَثِيرَةً وَأَجْمَعُهَا مَا جَمَعَهُ الشَّيْخُ شَمْسُ الدِّينِ مُحَمَّدُ بْنُ النَّقِيبِ مُجَلَّدَيْنِ قَدَّمَهُمَا أَمَامَ تَفْسِيرِهِ وَمَا وَضَعَهُ حَازِمٌ الأندلسي المسمى بمنهاج الْبُلَغَاءِ وَسِرَاجِ الْأُدَبَاءِ وَهَذَا الْعِلْمُ أَعْظَمُ أَرْكَانِ الْمُفَسِّرِ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ مُرَاعَاةِ مَا يَقْتَضِيهِ الْإِعْجَازُ مِنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ وَتَأْلِيفِ النَّظْمِ وَأَنْ يُوَاخِي بَيْنَ الْمَوَارِدِ وَيَعْتَمِدَ مَا سِيقَ لَهُ الْكَلَامُ حَتَّى لَا يَتَنَافَرَ وَغَيْرُ ذَلِكَ وَأَمْلَأُ النَّاسِ بِهَذَا صَاحِبُ الْكَشَّافِ قَالَ السَّكَّاكِيُّ وَاعْلَمْ أَنَّ شَأْنَ الْإِعْجَازِ عَجِيبٌ يُدْرَكُ وَلَا يُمْكِنُ وَصْفُهُ كَاسْتِقَامَةِ الْوَزْنِ تُدْرَكُ وَلَا يُمْكِنُ وَصْفُهَا وَكَالْمَلَاحَةِ وَلَا طَرِيقَ إِلَى تَحْصِيلِهِ لِذَوِي الْفِطَرِ السَّلِيمَةِ إِلَّا إِتْقَانُ عِلْمَيِ الْمَعَانِي وَالْبَيَانِ وَالتَّمَرُّنُ فِيهِمَا وَقَالَ: الزَّمَخْشَرِيُّ مِنْ حَقِّ مُفَسِّرِ كِتَابِ اللَّهِ الْبَاهِرِ وَكَلَامِهِ الْمُعْجِزِ أَنْ يَتَعَاهَدَ فِي مَذَاهِبِهِ بَقَاءَ النَّظْمِ عَلَى حُسْنِهِ وَالْبَلَاغَةِ عَلَى كَمَالِهَا وَمَا وَقَعَ بِهِ التَّحَدِّي سَلِيمًا مِنَ الْقَادِحِ وَإِذَا لَمْ يَتَعَاهَدْ أَوْضَاعَ اللُّغَةِ فَهُوَ مِنْ تَعَاهُدِ النَّظْمِ وَالْبَلَاغَةِ عَلَى مَرَاحِلَ وَادَّعَى الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبُ فِي كِتَابِ إِعْجَازِ الْقُرْآنِ أَنَّ كَثِيرًا مِنْ مَحَاسِنِ هَذَا الْعِلْمِ لَا يُعَدُّ مِنَ الْبَلَاغَةِ الْقُرْآنِيَّةِ بِنَاءً عَلَى اخْتِيَارِهِ فِي أَنَّ الْقُرْآنَ نَزَلَ عَلَى خِلَافِ أَسَالِيبِهِمْ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ فِي ذَلِكَ فَإِنْ قُلْتَ: كَيْفَ عَدَدْتَ هَذَا مِنْ أَنْوَاعِ عُلُومِهِ مَعَ أَنَّ سَلَفَ الْمُفَسِّرِينَ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَمْ يَخُوضُوا فِيهِ وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُمْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَإِنَّمَا هَذَا أَحْدَثَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ؟ قُلْتُ: إِنَّمَا سَكَتَ الْأَوَّلُونَ عَنْهُ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْ إِنْزَالِ الْقُرْآنِ تَعْلِيمُ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ وَتَعْرِيفُ شَرَائِعِ الْإِسْلَامِ وَقَوَاعِدِ الْإِيمَانِ وَلَمْ يُقْصَدْ مِنْهُ تَعْلِيمُ طُرُقِ الْفَصَاحَةِ وَإِنَّمَا جَاءَتْ لِتَكُونَ مُعْجِزَةً وَمَا قُصِدَ بِهِ الْإِعْجَازُ لَا سَبِيلَ إِلَى مَعْرِفَةِ طَرِيقِهِ فَلَمْ يَكُنِ الْخَوْضُ فِيهِ مُسَوَّغًا إِذِ الْبَلَاغَةُ لَيْسَتْ مَقْصُودَةً فِيهِ أَصْلًا لِأَنَّهُ موجود في الصحف الأولى لامع هَذِهِ الْبَلَاغَةِ الْمُعَيَّنَةِ وَإِنَّمَا كَانَ بَلِيغًا بِحَسَبِ كَمَالِ الْمُتَكَلِّمِ فَلِهَذَا لَمْ يَتَكَلَّمِ السَّلَفُ فِي ذَلِكَ وَكَانَ مَعْرِفَتُهُمْ بِأَسَالِيبِ الْبَلَاغَةِ مِمَّا لَا يُحْتَاجُ فِيهِ إِلَى بَيَانٍ بِخِلَافِ اسْتِنْبَاطِ الْأَحْكَامِ فَلِهَذَا تَكَلَّمُوا فِي الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ

..مَعْرِفَةَ هَذِهِ الصِّنَاعَةِ بِأَوْضَاعِهَا هِيَ عُمْدَةُ التَّفْسِيرِ

وَاعْلَمْ أَنَّ مَعْرِفَةَ هَذِهِ الصِّنَاعَةِ بِأَوْضَاعِهَا هِيَ عُمْدَةُ التَّفْسِيرِ الْمُطْلِعِ عَلَى عَجَائِبِ كَلَامِ اللَّهِ وَهِيَ قَاعِدَةُ الْفَصَاحَةِ وَوَاسِطَةُ عِقْدِ الْبَلَاغَةِ وَلَوْ لَمْ يُحَبِّبِ الْفَصَاحَةَ إِلَّا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {الرَّحْمَنُ علم القرآن خلق الأنسان علمه البيان} لَكَفَى وَالْمَعْلُومَاتُ كَثِيرَةٌ وَمِنَنُ اللَّهِ تَعَالَى جَمَّةٌ وَلَمْ يُخَصِّصِ اللَّهُ مِنْ نِعَمِهِ عَلَى الْعَبْدِ إِلَّا تَعْلِيمَ الْبَيَانِ وَقَالَ تَعَالَى: {هَذَا بَيَانٌ للناس} وقال تعالى: {تبيانا لكل شيء} وَلِحَذْفِ الْوَاوِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {عَلَّمَهُ الْبَيَانَ} نُكْتَةٌ عِلْمِيَّةٌ فَإِنَّهُ جَعَلَ تَعْلِيمَ الْبَيَانِ فِي وِزَانِ خَلْقِهِ وَكَالْبَدَلِ مِنْ قَوْلِهِ: {خَلَقَ الْإِنْسَانَ} لِأَنَّهُ حَيٌّ نَاطِقٌ وَكَأَنَّهُ إِلَى نَحْوِهِ أَشَارَ أَهْلُ الْمَنْطِقِ بِقَوْلِهِمْ فِي حَدِّ الْإِنْسَانِ حَيَوَانٌ نَاطِقٌ وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذِهِ الصِّنَاعَةَ تُفِيدُ قُوَّةَ الْإِفْهَامِ عَلَى مَا يُرِيدُ الْإِنْسَانُ وَيُرَادُ مِنْهُ لِيَتَمَكَّنَ بِهَا مِنِ اتِّبَاعِ التَّصْدِيقِ بِهِ وَإِذْعَانِ النَّفْسِ لَهُ وَيَنْبَغِي الِاعْتِنَاءُ بِمَا يُمْكِنُ إِحْصَاؤُهُ مِنَ الْمَعَانِي الَّتِي تَكَلَّمَ فِيهَا الْبَلِيغُ مثبتا ونافيافَمِنْهَا تَحْقِيقُ الْعَقَائِدِ الْإِلَهِيَّةِ كَقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: {أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى} بَعْدَ ذِكْرِهِ النُّطْفَةَ وَمُتَعَلَّقَهَا فِي مَرَاتِبِ الْوُجُودِ وَكَقَوْلِهِ: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} فَمَنْ يَقْرَعُ سَمْعَهُ هَذَا الْكَلَامُ الْمُعْجِزُ اسْتَشْعَرَ مِنْ رَوْعَةِ النَّفْسِ وَاقْشِعْرَارِ الْجِلْدِ مَا يُمَكِّنُ خشية الله وعظمته من قبله وَمِنْهَا بَيَانُ الْحَقِّ فِيمَا يُشْكِلُ مِنَ الْأُمُورِ غَيْرِ الْعَقَائِدِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فاجنح لها وتوكل على الله} وَكَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فَمِنْ أَيْنَ يَكُونُ الشَّبَهُ" فَانْظُرْ كَيْفَ أَعْطَى فِي هَذِهِ الْأَحْرُفِ الْيَسِيرَةِ الْحُجَّةَ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ احْتِلَامَ الْمَرْأَةِ فَلَا أَبْيَنَ مِنْ هَذَا الْبَيَانِ وَلَا أَشْفَى لِلْمُرْتَابِ مِنْ هَذَا الْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَرَى إِحْدَى الْمُقَدِّمَتَيْنِ عِيَانًا وَهُوَ شِبْهُ الْوَلَدِ بِأُمِّهِ وَيَعْلَمُ قَطْعًا أَنَّهُ لَيْسَ هُنَاكَ سَبَبٌ يُحَالُ الشَّبَهُ عَلَيْهِ غَيْرَ الَّذِي أَنْكَرَ وَمِنْهَا تَمْكِينُ الِانْفِعَالَاتِ النَّفْسَانِيَّةِ مِنَ النُّفُوسِ مِثْلَ الِاسْتِعْطَافِ وَالْإِعْرَاضِ وَالْإِرْضَاءِ وَالْإِغْضَابِ وَالتَّشْجِيعِ وَالتَّخْوِيفِ وَيَكُونُ فِي مَدْحٍ وَذَمٍّ وَشِكَايَةٍ وَاعْتِذَارٍ وَإِذْنٍ وَمَنْعٍ وَيَنْضَمُّ إِلَى قُوَّةِ الْقَوْلِ الْبَلَاغِيِّ مَعْنًى مُتَّصِلٌ إِعَانَةً لَهَا مِثْلَ فَضِيلَةِ الْقَائِلِ وَحَمِيَّةِ النَّازِعِ وَقُوَّةِ الْبَلِيغِ عَلَى إِطْرَاءِ نَفْسِهِ وَتَحْسِينِ رَأْيِهِ وَمِنْ ذَلِكَ اسْتِدْعَاءُ الْمُخَاطَبِ إِلَى فَضْلِ تَأَمُّلٍ وَزِيَادَةِ تَفَهُّمٍ قَالَ تَعَالَى: {قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وفرادى ثم تتفكروا} وكذلك قوله: {وما يعقلها إلا العالمون} وَسِرُّ هَذَا أَنَّ السَّامِعَ يَحْرِصُ عَلَى أَنْ يَكُونَ مِنْ هَؤُلَاءِ الْمُثْنَى عَلَيْهِمْ فَيُسَارِعُ إِلَى التَّصْدِيقِ وَيُلْقَى فِي نَفْسِهِ نُورٌ مِنَ التَّوْفِيقِ وَيَكُونُ هَذَا الْقَوْلُ الْبَلَاغِيُّ مَا يُسَمَّى الضَّمِيرَ وَيُسَمَّى التَّمْثِيلَ وَأَعْنِي بِالضَّمِيرِ أن يضمر بالقول المجادل به البيان أَحَدِ حَرْفَيْهِ كَقَوْلِ الْفَقِيهِ النَّبِيذُ مُسْكِرٌ فَهُوَ حَرَامٌ وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا} وَقَدْ يَكُونُ هَذَا الْإِضْمَارُ فِي الْقِيَاسِ الِاسْتِثْنَائِيِّ أَيْضًا كَقَوْلِكَ لَوْ كَانَ فُلَانٌ عَزِيزًا لَمَنَعَ بِأَعِنَّةِ الْخَيْلِ جَارَهُ أَوْ جَوَادًا لَشَبَّ لِسَارِي اللَّيْلِ نَارَهُ مُعَوِّلًا عَلَى أَنَّهُ قَدْ عُلِمَ أَنَّهُ مَا مَنَعَ وَلَا شَبَّ فَيَثْبُتُ بِذَلِكَ مُقَابِلُهُ وَهُوَ الْبُخْلُ وَالذِّلَّةُ وَمِنْ هَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حولك} وَقَدْ شَهِدَ الْحِسُّ وَالْعِيَانُ أَنَّهُمْ مَا انْفَضُّوا مِنْ حَوْلِهِ وَهِيَ الْمُضْمَرَةُ فَانْتَفَى عَنْهُ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ فَظٌّ غَلِيظُ الْقَلْبِ وَمِنْ أَحْسَنِ مَا أُبْرِزَ فِيهِ هَذَا الْمُضْمَرُ قَوْلُ الشَّاعِرِ: وَلَوْ كَانَ عَبْدُ اللَّهِ مَوْلًى هَجَوْتُهُ وَلَكِنَّ عَبْدَ اللَّهِ مَوْلَى مَوَالِيَا

وَمِثَالُ الِاسْتِمَالَةِ وَالِاسْتِعْطَافِ..

وَمِثَالُ الِاسْتِمَالَةِ وَالِاسْتِعْطَافِ قَوْلُهُ تَعَالَى عَنْ آدَمَ: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ من الخاسرين} وَحَسْبُكَ إِمَامُ الْمُتَّقِينَ حِينَ سَمِعَ شِعْرَ الْقَائِلَةِ: مَا كَانَ ضَرَّكَ لَوْ مَنَنْتَ وَرُبَّمَا مَنَّ الْفَتَى وَهُوَ الْمَغِيظُ الْمُحْنَقُ قَالَ: لَوْ بَلَغَنِي شِعْرُهَا قَبْلَ أَنْ أَقْتُلَهُ لَمَا قَتَلْتُهُ وَقَالَ الْآخَرُ: وَنَحْنُ الْكَاتِبُونَ وَقَدْ أَسَأْنَا فَهَبْنَا لِلْكِرَامِ الكاتبيناوَمِنَ الِاسْتِمَالَةِ وَالِاسْتِرْضَاءِ مَا لَا يَخْرِقُ السَّمْعَ أَنْفَذُ مِنْهُ إِلَى الْقُلُوبِ وَأَوْقَعُ عَلَى الْمَطْلُوبِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْأَنْصَارِ وَقَدْ وَجَدُوا فِي نُفُوسِهِمْ قِسْمَةَ الْغَنَائِمِ فِي غَيْرِهِمْ: "يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ أَلَمْ أَجِدْكُمْ كَذَا أَلَمْ أَجِدْكُمْ كَذَا ثُمَّ قَالَ أَجِيبُونِي فَمَا زَادُوا عَلَى قَوْلِهِمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمَنُّ فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَمَا إِنَّكُمْ إِنْ شِئْتُمْ لَقُلْتُمْ فلصدقتم وَلَصَدَقْتُمْ جِئْتَنَا بِحَالِ كَذَا وَكَذَا" فَانْظُرْ مَا أَعْجَبَ هَذَا اسْتَشْعَرَ مِنْهُمْ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّ إِمْسَاكَهُمْ عَنِ الْجَوَابِ أَدَبٌ مَعَهُ لَا عَجْزٌ عَنْهُ فَأَعْلَمَهُمْ بِأَنَّهُمْ لَوْ قَالُوا صُدِّقُوا وَلَمْ يَكُنْ هُوَ بِالَّذِي يَغْضَبُ مِنْ سَمَاعِهِ ثُمَّ زَادَهُمْ تَكْرِيمًا بِقَوْلِهِ: "أَمَا تَرْضَوْنَ أَنْ يَذْهَبَ الناس بالشاة وَالْبَعِيرِ وَتَنْصَرِفُوا بِرَسُولِ اللَّهِ إِلَى رِحَالِكُمْ" ثُمَّ زَادَ يَمِينَهُ الْمُبَارَكَةَ الْبَرَّةَ عَلَى فَضْلِ مَا يَنْصَرِفُونَ بِهِ اللَّهُمَّ انْفَعْنَا بِمَحَبَّتِهِ وَتَفَضَّلْ عَلَيْنَا بِشَفَاعَتِهِ وَمِمَّا تَجِدُ مِنْ هَذَا الطِّرَازِ قَوْلُ بَعْضِهِمْ: أُنَاسٌ أَعْرَضُوا عَنَّا بِلَا جُرْمٍ وَلَا مَعْنَى أَسَاءُوا ظَنَّهُمْ فِينَا فَهَلَّا أَحْسَنُوا الظَّنَّا فَإِنْ عَادُوا لَنَا عُدْنَا وَإِنْ خَانُوا فَمَا خُنَّا وَإِنْ كَانُوا قَدِ اسْتَغْنَوْا فَإِنَّا عَنْهُمْ أغنى وإن قالوا ادن منا بعد بَاعَدْنَا مَنِ اسْتَدْنَى

وَمِنَ الْإِغْضَابِ الْعَجِيبِ..

وَمِنَ الْإِغْضَابِ الْعَجِيبِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْفأولئك هم الظالمون} وقوله تعالى: {يا أيها الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ} وقوله: {أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلا} وَلِلَّهِ دَرُّ الْقَائِلِ: إِذَا وَالَى صَدِيقُكَ مَنْ تُعَادِي فَقَدْ عَادَاكَ وَانْقَطَعَ الْكَلَامُ وَمِنْ قِسْمِ التَّشْجِيعِ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ} وَكَفَى بِحُبِّ اللَّهِ مُشَجِّعًا عَلَى مُنَازَلَةِ الْأَقْرَانِ وَمُبَاشَرَةِ الطِّعَانِ وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بخمسة آلاف من الملائكة مسومين} ، وَكَيْفَ لَا يَكُونُ وَالْقَوْمُ صَبَرُوا وَالْمَلِكُ الْحَقُّ جَلَّ جَلَالُهُ وَعَدَهُمْ بِالْمَدَدِ الْكَثِيرِ ثُمَّ قَالَ: {وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الحكيم} وَقَوْلُهُ: {وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ} وَفِي مُقَابَلَةِ هَذَا الْقِسْمِ مَا يُرَادُ بِهِ الْأَخْذُ بِالْحَزْمِ وَالثَّانِي بِالْحَرْبِ وَالِاسْتِظْهَارِ عَلَيْهَا بِالْعُدَّةِ وَالِاسْتِشْهَادُ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تُلْقُوا بأيديكم إلى التهلكة} {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة} وَمِنْهُ الْإِبَانَةُ بِالْمَدْحِ وَرُبَّمَا مُدِحَ الْكَرِيمُ بِالتَّغَافُلِ عَنِ الزِّلَّةِ وَالتَّهَاوُنِ بِالذَّنْبِ كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ الْقُرْآنُ فِيمَا أَسَرَّ سَيِّدُ الْبَشَرِ لِبَعْضِ نِسَائِهِ مِمَّنْ أَظْهَرَهُ عَلَى إِفْشَائِهِ فَأَخْبَرَ سُبْحَانَهُ أَنَّهُ عرف بعضه وأعرض عن بعض ولذلك قيل: ليس الغي بِسَيِّدٍ فِي قَوْمِهِ لَكِنَّ سَيِّدَ قَوْمِهِ الْمُتَغَابِي وَمِنْهُ التَّمْثِيلُ وَإِنَّمَا يَكُونُ بِأَمْرٍ ظَاهِرٍ يُسَلِّمُهُ السَّامِعُ وَيُقَوِّيهِ مَا فِي الْقُرْآنِ مِنْ قَصَصِ الْأَشْقِيَاءِ تَحْذِيرًا لِمَا نَزَلَ بِهِمْ مِنَ الْعَذَابِ وَأَخْبَارِ السُّعَدَاءِ تَرْغِيبًا لِمَا صَارُوا إِلَيْهِ مِنَ الثواب وفي الحديث "أرأيت لو مضضت أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ عَلَى أَبِيكَ دَيْنٌ " كَيْفَ ظَهَرَ إِمْكَانُ نَقْلِ الْحُكْمِ مِنْ شَبَهٍ إِلَى شَبَهٍ وَمِنْهُ أَنْ يَذْكُرَ التَّرْغِيبَ مَعَ التَّرْهِيبِ وَيُشْفِعَ الْبِشَارَةَ بِالْإِنْذَارِ قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ وَسِرُّهُ إِرَادَةُ التَّسْلِيطِ لِاكْتِسَابِ مَا يُزْلِفُ وَالتَّثْبِيطُ عَنِ اقْتِرَافِ مَا يُتْلِفُ فَلَمَّا ذَكَرَ الْكُفَّارَ وَأَعْمَالَهُمْ وَأَوْعَدَهُمْ بِالْعَذَابِ ثَنَّاهُ بِبِشَارَةِ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ

تَنْبِيهٌ >لِيَكُنْ مَحَطُّ نَظَرِ الْمُفَسِّرِ مُرَاعَاةَ نَظْمِ الْكَلَامِ

مُرَاعَاةَ نَظْمِ الْكَلَامِ الَّذِي سِيقَ لَهُ وَإِنْ خَالَفَ أَصْلَ الْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ لِثُبُوتِ التَّجَوُّزِ وَلِهَذَا تَرَى صَاحِبَ الْكَشَّافِ يَجْعَلُ الَّذِي سِيقَ لَهُ الْكَلَامُ مُعْتَمَدًا حَتَّى كَأَنَّ غيره مطروحالنوع الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ: مَعْرِفَةُ اخْتِلَافِ الْأَلْفَاظِ بِزِيَادَةٍ أَوْ نقص أو تغييرحركة أَوْ إِثْبَاتِ لَفْظٍ بَدَلَ آخَرَ وَذَلِكَ مُتَوَاتِرٌ وَآحَادٌ وَيُوجَدُ هَذَا الْوَجْهُ مِنْ عِلْمِ الْقِرَاءَةِ وَأَحْسَنُ الْمَوْضُوعِ لِلْقِرَاءَاتِ السَّبْعِ كِتَابُ التَّيْسِيرِ لِأَبِي عَمْرٍو الدَّانِيِّ وَقَدْ نَظَمَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْقَاسِمُ الشَّاطِبِيُّ فِي لَامِيَّتِهِ الَّتِي عَمَّ النَّفْعُ بِهَا وَكِتَابُ الْإِقْنَاعِ لِأَبِي جَعْفَرِ بْنِ الْبَاذِشِ وَفِي الْقِرَاءَاتِ الْعَشْرِ كِتَابُ الْمِصْبَاحِ لِأَبِي الْكَرَمِ الشَّهْرُزُورِيِّ وَاعْلَمْ أَنَّ الْقُرْآنَ وَالْقِرَاءَاتِ حَقِيقَتَانِ مُتَغَايِرَتَانِ فَالْقُرْآنُ هُوَ الْوَحْيُ الْمُنَزَّلُ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْبَيَانِ وَالْإِعْجَازِ وَالْقِرَاءَاتُ هِيَ اخْتِلَافُ أَلْفَاظِ الْوَحْيِ الْمَذْكُورِ فِي كَتَبَةِ الْحُرُوفِ أَوْ كَيْفِيِّتِهَا مِنْ تَخْفِيفٍ وَتَثْقِيلٍ وَغَيْرِهِمَا ثُمَّ هَاهُنَا أُمُورٌ: أَحَدُهَا: أَنَّ الْقِرَاءَاتِ السَّبْعَ مُتَوَاتِرَةٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَقِيلَ بَلْ مَشْهُورَةٌ وَلَا عِبْرَةَ بِإِنْكَارِ المبرد قراءة حمزة {والأرحام} و {مصرخي} وَلَا بِإِنْكَارِ مَغَارِبَةِ النُّحَاةِ كَابْنِ عُصْفُورٍ قِرَاءَةَ ابْنِ عَامِرٍ {قَتْلُ أَوْلَادَهُمْ شركائهم} وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهَا مُتَوَاتِرَةٌ عَنِ الْأَئِمَّةِ السَّبْعَةِ أَمَّا تَوَاتُرُهَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ إِسْنَادَ الْأَئِمَّةِ السَّبْعَةِ بِهَذِهِ الْقِرَاءَاتِ السَّبْعَةِ مَوْجُودٌ فِي كُتُبِ الْقِرَاءَاتِ وَهِيَ نَقْلُ الْوَاحِدِ عَنِ الْوَاحِدِ لَمْ تُكْمِلْ شُرُوطَ التَّوَاتُرِ فِي اسْتِوَاءِ الطَّرَفَيْنِ وَالْوَاسِطَةِ وَهَذَا شَيْءٌ مَوْجُودٌ فِي كُتُبِهِمْ وَقَدْ أَشَارَ الشَّيْخُ شِهَابُ الدِّينِ أَبُو شَامَةَ فِي كِتَابِهِ الْمُرْشِدِ الْوَجِيزِ إِلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ الثَّانِي: اسْتَثْنَى الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الْحَاجِبِ قَوْلَنَا إِنَّ الْقِرَاءَاتِ السَّبْعَ مُتَوَاتِرَةٌ مَا لَيْسَ مِنْ قَبِيلِ الْأَدَاءِ وَمَثَّلَهُ بِالْمَدِّ وَالْإِمَالَةِ وَتَخْفِيفِ الْهَمْزَةِ يَعْنِي فَإِنَّهَا لَيْسَتْ مُتَوَاتِرَةً وَهَذَا ضَعِيفٌ وَالْحَقُّ أَنَّ الْمَدَّ وَالْإِمَالَةَ لَا شَكَّ فِي تَوَاتُرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُمَا وَهُوَ الْمَدُّ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَدٌّ وَالْإِمَالَةُ مِنْ حَيْثُ إِنَّهَا إِمَالَةٌ وَلَكِنِ اخْتَلَفَ الْقُرَّاءُ فِي تَقْدِيرِ الْمَدِّ فَمِنْهُمْ مَنْ رَآهُ طَوِيلًا وَمِنْهُمْ مَنْ رَآهُ قَصِيرًا وَمِنْهُمْ مَنْ بَالَغَ فِي الْقَصْرِ وَمِنْهُمْ مَنْ تَزَايَدَ فَحَمْزَةُ وَوَرْشٌ بِمِقْدَارِ سِتِّ لُغَاتٍ وَقِيلَ خَمْسٌ وَقِيلَ أَرْبَعٌ وَعَنْ عَاصِمٍ ثَلَاثٌ وَعَنِ الْكِسَائِيِّ أَلِفَانِ وَنِصْفٌ وَقَالُونَ أَلِفَانِ وَالسُّوسِيِّ أَلِفٌ وَنِصْفٌ قَالَ الدَّانِيُّ في التيسير أطوالهم مَدًّا فِي الضَّرْبَيْنِ جَمِيعًا يَعْنِي الْمُتَّصِلَ وَالْمُنْفَصِلَ وَرْشٌ وَحَمْزَةُ وَدُونَهُمَا عَاصِمٌ وَدُونَهُ ابْنُ عَامِرٍ وَالْكِسَائِيُّ وَدُونَهُمَا أَبُو عَمْرٍو مِنْ طَرِيقِ أَهْلِ الْعِرَاقِ وَقَالُونُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي نَشِيطٍ بِخِلَافٍ عَنْهُ وَهَذَا كُلُّهُ عَلَى التَّقْرِيبِ مِنْ غَيْرِ إِفْرَاطٍ وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى مِقْدَارِ مَذَاهِبِهِمْ مِنَ التحقيق والحذف انْتَهَى كَلَامُهُ فَعُلِمَ بِهَذَا أَنَّ أَصْلَ الْمَدِّ مُتَوَاتِرٌ وَالِاخْتِلَافُ وَالطُّرُقُ إِنَّمَا هُوَ فِي كَيْفِيَّةِ التلفظ به وكان الإمام أبو القاسم الشاطبي يَقْرَأُ بِمَدَّتَيْنِ طُولَى لِوَرْشٍ وَحَمْزَةَ وَوُسْطَى لِمَنْ بَقِيَ وَعَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ أَنَّهُ كره قرأة حَمْزَةَ لِمَا فِيهَا مِنْ طُولِ الْمَدِّ وَغَيْرِهِ فَقَالَ لَا تُعْجِبُنِي وَلَوْ كَانَتْ مُتَوَاتِرَةً لَمَا كَرِهَهَا وَكَذَلِكَ ذَكَرَ الْقُرَّاءُ أَنَّ الْإِمَالَةَ قِسْمَانِ إِمَالَةٌ مَحْضَةٌ وَهِيَ أَنْ يُنْحَى بِالْأَلِفِ إِلَى الياء وتكون الياء أقرب بالفتحة إلى الكسر وَتَكُونُ الْكَسْرَةُ أَقْرَبَ وَإِمَالَةٌ تُسَمَّى بَيْنَ بَيْنَ وَهِيَ كَذَلِكَ إِلَّا أَنَّ الْأَلِفَ وَالْفَتْحَةَ أَقْرَبُ وَهَذِهِ أَصْعَبُ الْإِمَالَتَيْنِ وَهِيَ الْمُخْتَارَةُ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ وَلَا شَكَّ فِي تَوَاتُرِ الْإِمَالَةِ أَيْضًا وَإِنَّمَا اخْتِلَافُهُمْ فِي كَيْفِيَّتِهَا مُبَالَغَةً وَحُضُورًا

أَمَّا تَخْفِيفُ الْهَمْزَةِ وَهُوَ الَّذِي يُطْلَقُ عَلَيْهِ تَخْفِيفٌ..

أَمَّا تَخْفِيفُ الْهَمْزَةِ وَهُوَ الَّذِي يُطْلَقُ عَلَيْهِ تَخْفِيفٌ وَتَلْيِينٌ وَتَسْهِيلٌ أَسْمَاءٌ مُتَرَادِفَةٌ فَإِنَّهُ يَشْمَلُ أَرْبَعَةَ أَنْوَاعٍ مِنَ التَّخْفِيفِ وَكُلٌّ مِنْهَا مُتَوَاتِرٌ بِلَا شَكٍّ: أَحَدُهَا: النَّقْلُ وَهُوَ نَقْلُ حَرَكَةِ الْهَمْزَةِ إِلَى الساكن قبلها، نحو: {قد أفلح} بِنَقْلِ حَرَكَةِ الْهَمْزَةِ وَهِيَ الْفَتْحَةُ إِلَى دَالِ قد وتسقط الهمزة فَيَبْقَى اللَّفْظُ بِدَالٍ مَفْتُوحَةٍ بَعْدَهَا فَاءٌ وَهَذَا النَّقْلُ قِرَاءَةُ نَافِعٍ مِنْ طَرِيقِ وَرْشٍ فِي حَالِ الْوَصْلِ وَالْوَقْفِ وَقِرَاءَةُ حَمْزَةَ فِي حَالِ الْوَقْفِ الثَّانِي: أَنْ تُبْدَلَ الْهَمْزَةُ حَرْفَ مَدٍّ مِنْ جِنْسِ حَرَكَةِ مَا قَبْلَهَا إِنْ كَانَ قَبْلَهَا فَتْحَةٌ أُبْدِلَتْ أَلِفُهَا نَحْوَ بَاسٍ وَهَذَا الْبَدَلُ قِرَاءَةُ أَبِي عَمْرِو بْنِ الْعَلَاءِ وَنَافِعٍ مِنْ طَرِيقِ وَرْشٍ فِي فَاءِ الْفِعْلِ وَحَمْزَةَ إِذَا وَقَفَ عَلَى ذَلِكَ الثَّالِثُ: تَخْفِيفُ الْهَمْزِ بَيْنَ بَيْنَ وَمَعْنَاهُ أَنْ تُسَهَّلَ الْهَمْزَةُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْحَرْفِ الَّذِي مِنْهُ حَرَكَتُهَا فَإِنْ كَانَتْ مَضْمُومَةً سُهِّلَتْ بَيْنَ الْهَمْزَةِ وَالْوَاوِ أَوْ مَفْتُوحَةً فَبَيْنَ الْهَمْزَةِ وَالْأَلِفِ أَوْ مَكْسُورَةً فَبَيْنَ الْهَمْزَةِ وَالْيَاءِ وَهَذَا يُسَمَّى إِشْمَامًا وَقَرَأَ بِهِ كَثِيرٌ مِنَ الْقُرَّاءِ وَأَجْمَعُوا عَلَيْهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {قل آلذكرين} وَنَحْوِهِ وَذَكَرَهُ النُّحَاةُ عَنْ لُغَاتِ الْعَرَبِقَالَ: ابْنُ الْحَاجِبِ فِي تَصْرِيفِهِ وَاغْتُفِرَ الْتِقَاءُ السَّاكِنَيْنِ فِي نَحْوِ آلْحَسَنُ عِنْدَكَ؟ وَآيْمُنُ اللَّهِ يَمِينُكَ؟ وَهُوَ فِي كُلِّ كَلِمَةٍ أَوَّلُهَا هَمْزَةُ وَصْلٍ مَفْتُوحَةٌ وَدَخَلَتْ هَمْزَةُ الِاسْتِفْهَامِ عَلَيْهَا وَذَلِكَ مَا فِيهِ لَامُ التَّعْرِيفِ مُطْلَقًا وَفِي ايْمُنِ اللَّهِ وَايْمُ اللَّهِ خَاصَّةً إِذْ لَا أَلِفَ وَصْلٍ مَفْتُوحَةً سِوَاهَا وَإِنَّمَا فَعَلُوا ذَلِكَ خَوْفَ لَبْسِ الْخَبَرِ بِالِاسْتِخْبَارِ أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ لَوْ قَالُوا أَلْحَسَنُ عِنْدَكَ وَحَذَفُوا هَمْزَةَ الْوَصْلِ عَلَى الْقِيَاسِ فِي مِثْلِهَا لَمْ يُعْلَمْ أَسْتِخْبَارٌ هُوَ أَمْ خَبَرٌ؟ فَأَتَوْا بِهَذِهِ عِوَضًا عَنْ هَمْزَةِ الْوَصْلِ قَبْلَ السَّاكِنِ فَصَارَ قَبْلَ السَّاكِنِ مَدَّةٌ فَقَالُوا آلْحَسَنُ عِنْدَكَ وَكَذَلِكَ آيْمُنُ اللَّهِ يَمِينُكَ فِيمَا ذَكَرَهُ وَبَعْضُ الْعَرَبِ يَجْعَلُ هَمْزَةَ الْوَصْلِ فِيمَا ذَكَرْنَا بَيْنَ بَيْنَ وَيَقُولُ آلْحَسَنُ عِنْدَكَ وَآيْمُنُ اللَّهِ يَمِينُكَ فِيمَا ذَكَرْنَا وَقَدْ جَاءَ عَنِ الْقُرَّاءِ بِالْوَجْهَيْنِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ وَالْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ وَقَدْ أَشَارَ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ إِلَى التَّسْهِيلِ بَيْنَ بَيْنَ فِي رَسْمِ الْمَصَاحِفِ الْعُثْمَانِيَّةِ فَكَتَبُوا صُورَةَ الْهَمْزَةِ الثَّانِيَةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ: {قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ} وَاوًا عَلَى إِرَادَةِ التَّسْهِيلِ بَيْنَ بَيْنَ قَالَهُ الدَّانِيُّ وَغَيْرُهُ الرَّابِعُ: تَخْفِيفُ الْإِسْقَاطِ وَهُوَ أَنْ تُسْقَطَ الْهَمْزَةُ رَأْسًا وَقَدْ قَرَأَ بِهِ أَبُو عَمْرٍو فِي الْهَمْزَتَيْنِ مِنْ كَلِمَتَيْنِ إِذَا اتَّفَقَتَا فِي الْحَرَكَةِ فَأَسْقَطَ الْأُولَى مِنْهُمَا عَلَى رَأْيِ الشَّاطِبِيِّ وَقِيلَ الثَّانِيَةَ فِي نَحْوِ: {جَاءَ أَجَلُهُمْ} وَوَافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ فِي الْمَفْتُوحَتَيْنِ نَافِعٌ مِنْ طَرِيقِ قَالُونَ وَابْنُ كَثِيرٍ مِنْ طَرِيقِ الْبَزِّيِّ وَجَاءَ هَذَا الْإِسْقَاطُ فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ فِي قِرَاءَةِ قُنْبُلٍ عَنِ ابْنِ كَثِيرٍ فِي: {أَيْنَ شركاي الذين كنتم تشاقون فيهم} بإسقاط همزة: {شركائي} الثَّالِثُ: أَنَّ الْقِرَاءَاتِ تَوْقِيفِيَّةٌ وَلَيْسَتِ اخْتِيَارِيَّةً خِلَافًا لِجَمَاعَةٍ مِنْهُمُ الزَّمَخْشَرِيُّ حَيْثُ ظَنُّوا أَنَّهَا اخْتِيَارِيَّةٌ تَدُورُ مَعَ اخْتِيَارِ الْفُصَحَاءِ وَاجْتِهَادِ الْبُلَغَاءِ وَرُدَّ على حمزة قراءة {والأرحام} بِالْخَفْضِ وَمِثْلُ مَا حُكِيَ عَنْ أَبِي زَيْدٍ وَالْأَصْمَعِيِّ وَيَعْقُوبَ الْحَضْرَمِيِّ أَنْ خَطَّئُوا حَمْزَةَ فِي قراءته: {وما أنتم بمصرخي} بِكَسْرِ الْيَاءِ الْمُشَدَّدَةِ وَكَذَا أَنْكَرُوا عَلَى أَبِي عَمْرٍو إِدْغَامَهُ الرَّاءَ عِنْدَ اللَّامِ فِي: {يَغْفِلَّكُمْ} وَقَالَ: الزَّجَّاجُ إِنَّهُ خَطَأٌ فَاحِشٌ وَلَا تُدْغَمُ الرَّاءُ فِي اللَّامِ إِذَا قُلْتَ مُرْلِي بِكَذَا لِأَنَّ الرَّاءَ حَرْفٌ مُكَرَّرٌ وَلَا يُدْغَمُ الزَّائِدُ فِي النَّاقِصِ لِلْإِخْلَالِ بِهِ فَأَمَّا اللَّامُ فَيَجُوزُ إِدْغَامُهُ فِي الرَّاءِ وَلَوْ أُدْغِمَتِ اللَّامُ فِي الرَّاءِ لَزِمَ التَّكْرِيرُ مِنَ الرَّاءِ وَهَذَا إِجْمَاعُ النَّحْوِيِّينَ انْتَهَى وَهَذَا تَحَامُلٌ وَقَدِ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى صِحَّةِ قِرَاءَةِ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ وَأَنَّهَا سُنَّةٌ مُتَّبَعَةٌ وَلَا مَجَالَ لِلِاجْتِهَادِ فِيهَا وَلِهَذَا قَالَ سِيبَوَيْهِ فِي كِتَابِهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {مَا هذا بشرا} وَبَنُو تَمِيمٍ يَرْفَعُونَهُ إِلَّا مَنْ دَرَى كَيْفَ هِيَ فِي الْمُصْحَفِ وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ سُنَّةٌ مَرْوِيَّةٌ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا تَكُونُ الْقِرَاءَةُ بِغَيْرِ مَا روي عنه انتهى

الرابع: ما تضمنه التيسير والشاطبية

ما تضمنه التيسير والشاطبية قَالَ الشَّيْخُ أَثِيرُ الدِّينِ أَبُو حَيَّانَ لَمْ يَحْوِيَا جَمِيعَ الْقِرَاءَاتِ السَّبْعِ وَإِنَّمَا هِيَ نَزْرٌ يَسِيرٌ مِنْهَا وَمَنْ عُنِيَ بِفَنِّ الْقِرَاءَاتِ وَطَالَعَ مَا صَنَّفَهُ عُلَمَاءُ الْإِسْلَامِ فِي ذَلِكَ عَلِمَ ذَلِكَ الْعِلْمَ الْيَقِينَ وَذَلِكَ أَنَّ بِلَادَنَا جَزِيرَةَ الْأَنْدَلُسِ لَمْ تَكُنْ مِنْ قَدِيمٍ بِلَادَ إِقْرَاءِ السَّبْعِ لِبُعْدِهَا عَنْ بِلَادِ الْإِسْلَامِ وَاجْتَازُوا عِنْدَ الْحَجِّ بِدِيَارِ مِصْرَ وَتَحَفَّظُوا مِمَّنْ كَانَ بِهَا مِنَ الْمِصْرِيِّينَ شَيْئًا يَسِيرًا مِنْ حُرُوفِ السَّبْعِ وَكَانَ الْمِصْرِيُّونَ بِمِصْرَ إِذْ ذَاكَ لَمْ تَكُنْ لَهُمْ رِوَايَاتٌ مُتَّسِعَةٌ وَلَا رِحْلَةٌ إِلَى غَيْرِهَا مِنَ الْبِلَادِ الَّتِي اتَّسَعَتْ فِيهَا الرِّوَايَاتُ كَأَبِي الطَّيِّبِ بْنِ غَلْبُونَ وَابْنِهِ أَبِي الْحَسَنِ طَاهِرٍ وَأَبِي الْفَتْحِ فَارِسِ بْنِ أَحْمَدَ وَابْنِهِ عَبْدِ الْبَاقِي وَأَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ نَفِيسٍ وَكَانَ بِهَا أَبُو أَحْمَدَ السَّامَرِّيُّ وَهُوَ أَعْلَاهُمْ إِسْنَادًا وَسَبَبُ قِلَّةِ الْعِلْمِ وَالرِّوَايَاتِ بِدِيَارِ مِصْرَ مَا كَانَ غَلَبَ عَلَى أَهْلِهَا مِنْ تَغَلُّبِ الْإِسْمَاعِيلِيَّةِ عَلَيْهَا وَقَتْلِ مُلُوكِهِمُ الْعُلَمَاءَ فَكَانَ مِنْ قُدَمَاءِ عُلَمَائِنَا مِمَّنْ حَجَّ يَأْخُذُ بِمِصْرَ شَيْئًا يَسِيرًا كَأَبِي عُمَرَ الطَّلَمَنْكِيِّ صَاحِبِ الرَّوْضَةِ وَأَبِي مُحَمَّدٍ مَكِّيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ثُمَّ رَحَلَ أَبُو عَمْرٍو الدَّانِيُّ لِطُولِ إِقَامَتِهِ بِدَانِيَةَ فَأَخَذَ عَنِ أبي خافان وَفَارِسٍ وَابْنِ غَلْبُونَ وَصَنَّفَ كِتَابَ التَّيْسِيرِ وَقَرَأَ عَلَى هَؤُلَاءِ وَرَحَلَ أَيْضًا أَبُو الْقَاسِمِ يُوسُفُ بْنُ جُبَارَةَ الْأَنْدَلُسِيُّ فَأَبْعَدَ فِي الشُّقَّةِ وَجَمَعَ بَيْنَ طَرِيقِ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَصَنَّفَ كِتَابَ الْكَامِلِ يَحْتَوِي عَلَى الْقِرَاءَاتِ السَّبْعِ وَغَيْرِهَا وَلَمْ أَرَ وَلَمْ أَسْمَعْ أَوْسَعَ رِحْلَةً مِنْهُ وَلَا أَكْثَرَ شُيُوخًا وَقَدْ أَقْرَأَ الْقُرْآنَ بِمَكَّةَ أَبُو مَعْشَرٍ الطَّبَرِيُّ وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْكَارِزِينِيُّ وَكَانَا مُتَّسِعَيِ الرواية وَكَانَ بِمِصْرَ أَبُو عَلِيٍّ الْمَالِكِيُّ مُؤَلِّفُ الرَّوْضَةِ وَكَانَ قَدْ قَرَأَ بِالْعِرَاقِ وَأَقْرَأَ بِمِصْرَ وَبَعْدَهُمُ التَّاجُ الْكِنْدِيُّ فَأَقْرَأَ النَّاسَ بِرِوَايَاتٍ كَثِيرَةٍ لَمْ تَصِلْ إِلَى بِلَادِنَا وَكَانَ أَيْضًا ابْنُ مَامَوَيْهِ بِدِمَشْقَ يُقْرِئُ الْقُرْآنَ بِالْقِرَاءَاتِ الْعَشْرِ وَبِمِصْرَ النِّظَامُ الْكُوفِيُّ يُقْرِئُ بِالْعَشْرِ وَبِغَيْرِهَا كَقِرَاءَةِ ابْنِ مُحَيْصِنٍ وَالْحَسَنِ وَكَانَ بِمَكَّةَ أَيْضًا زَاهِرُ بْنُ رُسْتُمَ وَأَبُو بَكْرٍ الزِّنْجَانِيُّ وَكَانَا قَدْ أَخَذَا عَنْ أَبِي الْكَرَمِ الشَّهْرُزُورِيِّ كِتَابَ الْمِصْبَاحِ الزَّاهِرِ فِي الْقِرَاءَاتِ الْعَشْرِ الْبَوَاهِرِ وَأَقْرَأَهُ الزِّنْجَانِيُّ لِبَعْضِ شُيُوخِنَا وَكَانَ عِزُّ الدِّينِ الْفَارُوثِيُّ بِدِمَشْقَ يُقْرِئُ الْقُرْآنَ بِرِوَايَاتٍ كَثِيرَةٍ حَتَّى قِيلَ إِنَّهُ أَقْرَأَ بِقِرَاءَةِ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْحَاصِلُ اتِّسَاعُ رِوَايَاتِ غَيْرِ بِلَادِنَا وأن الذي تضمنه التيسير والتبصرة والكافي وَغَيْرُهَا مِنْ تَآلِيفِهِمْ إِنَّمَا هُوَ قُلٌّ مِنْ كُثْرٍ وَنَزْرٌ مِنْ بَحْرٍ وَبَيَانُهُ أَنَّ فِي هَذِهِ الْكُتُبِ مَثَلًا قِرَاءَةَ نَافِعٍ مِنْ رِوَايَةِ وَرْشٍ وَقَالُونَ وَقَدْ رَوَى النَّاسُ عَنْ نَافِعٍ غيرهما منهم إسماعيل بن أبي جعفر المدني وأبو خلف وابن حبان والأصمعي والسبتي وَغَيْرُهُمْ وَمِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ وَأَوْثَقُ مِنْ وَرْشٍ وَقَالُونَ وَكَذَا الْعَمَلُ فِي كُلِّ رَاوٍ وَقَارِئٍ

الْخَامِسُ: أَنَّ بِاخْتِلَافِ الْقِرَاءَاتِ يَظْهَرُ الِاخْتِلَافُ فِي..

أَنَّ بِاخْتِلَافِ الْقِرَاءَاتِ يَظْهَرُ الِاخْتِلَافُ فِي الْأَحْكَامِ وَلِهَذَا بَنَى الْفُقَهَاءُ نَقْضَ وُضُوءِ الْمَلْمُوسِ وَعَدَمَهُ عَلَى اخْتِلَافِ الْقِرَاءَاتِ فِي {لمستم} و {لامستم} وَكَذَلِكَ جَوَازُ وَطْءِ الْحَائِضِ عِنْدَ الِانْقِطَاعِ وَعَدَمِهِ إِلَى الْغُسْلِ عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِي: {حَتَّى يَطْهُرْنَ} وكذلك آية السجدة في سورة النمل مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْقِرَاءَتَيْنِ قَالَ الْفَرَّاءُ مَنْ خَفَّفَ: {أَلَا} كَانَ الْأَمْرُ بِالسُّجُودِ وَمَنْ شَدَّدَ لَمْ يَكُنْ فِيهَا أَمْرٌ بِهِ وَقَدْ نُوزِعَ فِي ذَلِكَ إِذَا عَلِمْتَ ذَلِكَ فَاخْتَلَفُوا فِي الْآيَةِ إِذَا قُرِئَتْ بِقِرَاءَتَيْنِ عَلَى قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ بِهِمَا جَمِيعًا وَالثَّانِي أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ بِقِرَاءَةٍ وَاحِدَةٍ إِلَّا أَنَّهُ أَذِنَ أَنْ يُقْرَأَ بِقِرَاءَتَيْنِ وَهَذَا الْخِلَافُ غَرِيبٌ رَأَيْتُهُ فِي كِتَابِ الْبُسْتَانِ لِأَبِي اللَّيْثِ السَّمَرْقَنْدِيِّ ثُمَّ اخْتَارُوا فِي الْمَسْأَلَةِ تَوَسُّطًا وَهُوَ أَنَّهُ إِنْ كَانَ لِكُلِّ قِرَاءَةٍ تَفْسِيرٌ يُغَايِرُ الْآخَرَ فَقَدْ قَالَ بِهِمَا جَمِيعًاوَتَصِيرُ الْقِرَاءَاتُ بِمَنْزِلَةِ آيَتَيْنِ مِثْلَ قَوْلِهِ: {وَلَا تقربوهن حتى يطهرن} وَإِنْ كَانَ تَفْسِيرُهُمَا وَاحِدًا كَالْبُيُوتِ وَالْبِيُوتِ وَالْمُحْصَنَاتِ وَالْمُحْصِنَاتِ بِالنَّصْبِ وَالْجَرِّ فَإِنَّمَا قَالَ بِأَحَدِهِمَا وَأَجَازَ الْقِرَاءَةَ بِهِمَا لِكُلِّ قَبِيلَةٍ عَلَى مَا تَعَوَّدَ لِسَانُهُمْ فَإِنْ قِيلَ: إِذَا صَحَّ أَنَّهُ قَالَ بِأَحَدِهِمَا فَبِأَيِّ الْقِرَاءَتَيْنِ قَالَ؟ قِيلَ: بِلُغَةِ قُرَيْشٍ انْتَهَى السَّادِسُ: أَنَّ الْقِرَاءَاتِ لَمْ تَكُنْ مُتَمَيِّزَةً عَنْ غَيْرِهَا إِلَّا فِي قَرْنِ الْأَرْبَعِمِائَةِ جَمَعَهَا أبو بكر ابن مُجَاهِدٍ وَلَمْ يَكُنْ مُتَّسِعُ الرِّوَايَةِ وَالرِّحْلَةِ كَغَيْرِهِ وَالْمُرَادُ بِالْقِرَاءَاتِ السَّبْعِ الْمَنْقُولَةُ عَنِ الْأَئِمَّةِ السَّبْعَةِ: أَحَدُهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَثِيرٍ الْمَكِّيُّ الْقُرَشِيُّ مَوْلَاهُمْ أَبُو سَعِيدٍ وَقِيلَ أَبُو مُحَمَّدٍ وَقِيلَ أَبُو بَكْرٍ وَقِيلَ أَبُو الصَّلْتِ وَيُقَالُ لَهُ الدَّارِيُّ وَهُوَ مِنَ التَّابِعِينَ وَسَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ وَغَيْرَهُ تُوُفِّيَ بِمَكَّةَ سَنَةَ عِشْرِينَ وَمِائَةٍ وَقِيلَ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِينَ الثَّانِي: نَافِعُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي نُعَيْمٍ مَوْلَى جَعْوَنَةَ بْنِ شَعُوبٍ اللَّيْثِيِّ هُوَ مَدَنِيٌّ أَصْلُهُ مِنْ أَصْبَهَانَ كُنْيَتُهُ أَبُو رُوَيْمٍ وَقِيلَ أَبُو الْحَسَنِ وَقِيلَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَقِيلَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ تُوُفِّيَ بِالْمَدِينَةِ سَنَةَ تِسْعٍ وَسِتِّينَ وَمِائَةٍ الثَّالِثُ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ رَبِيعَةَ الْيَحْصُبِيُّ الدِّمَشْقِيُّ قَاضِي دِمَشْقَ وَهُوَ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ وُلِدَ فِي أَوَّلِ سَنَةِ إِحْدَى وَعِشْرِينَ مِنَ الْهِجْرَةِ وَتُوُفِّيَ بِدِمَشْقَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ سَنَةَ ثَمَانِ عَشْرَةَ وَمِائَةٍ وَقِيلَ وُلِدَ سَنَةَ ثَمَانٍ مِنَ الْهِجْرَةِ وَمَاتَ وَهُوَ ابْنُ مِائَةٍ وَعَشْرِ سِنِينَ وَفِي كُنْيَتِهِ سَبْعَةُ أَقْوَالٍ أَصَحُّهَا أَبُو عَمْرٍو وَقِيلَ أَبُو مُحَمَّدٍ وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ وَأَبُو مُوسَى وَأَبُو نُعَيْمٍ وَأَبُو عُثْمَانَ وَأَبُو مُغِيثٍ الرَّابِعُ: أَبُو عَمْرِو بْنُ الْعَلَاءِ بْنِ عَمَّارِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيُّ قِيلَ اسْمُهُ زَبَّانُ وَقِيلَ يَحْيَى وَقِيلَ عُثْمَانُ وَقِيلَ مَحْبُوبٌ وَقِيلَ اسْمُهُ كُنْيَتُهُ تُوُفِّيَ بِالْكُوفَةِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ وَمِائَةٍ وَقَرَأَ عَلَى ابْنِ كَثِيرٍ وَغَيْرِهِ الْخَامِسُ: عَاصِمُ بْنُ أَبِي النَّجُودِ بِفَتْحِ النُّونِ أَبُو بَكْرٍ الْأَسَدِيُّ الْكُوفِيُّ تُوُفِّيَ بِالْكُوفَةِ سَنَةَ سَبْعٍ وَقِيلَ ثَمَانٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ قَالَ سُفْيَانُ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَغَيْرُهُمَا بَهْدَلَةُ هُوَ أَبُو النَّجُودِ وَقَالَ عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ بَهْدَلَةُ أُمُّهُ قَالَ أَبُو بَكْرِ دَاوُدَ هَذَا خَطَأٌ وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ أَبِي أَنَا أَخْتَارُ قِرَاءَةَ عَاصِمٍ

السَّادِسُ: حَمْزَةُ بْنُ حَبِيبِ بْنِ عُمَارَةَ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الزَّيَّاتُ

السَّادِسُ: حَمْزَةُ بْنُ حَبِيبِ بْنِ عُمَارَةَ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الزَّيَّاتُ التَّيْمِيُّ مَوْلَاهُمْ الْكُوفِيُّ أَبُو عُمَارَةَ تُوُفِّيَ بِحُلْوَانَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَقِيلَ سِتٍّ وَخَمْسِينَ ومائةالسَّابِعُ: الْكِسَائِيُّ عَلِيُّ بْنُ حَمْزَةَ الْأَسَدِيُّ مَوْلَاهُمْ الْكُوفِيُّ تُوُفِّيَ سَنَةَ تِسْعٍ وَثَمَانِينَ وَمِائَةٍ كَانَ قَرَأَ عَلَى حَمْزَةَ قَالَ مَكِّيٌّ وَإِنَّمَا أُلْحِقَ بِالسَّبْعَةِ فِي أَيَّامِ الْمَأْمُونِ وَإِنَّمَا كَانَ السَّابِعُ يَعْقُوبَ الْحَضْرَمِيَّ فَأَثْبَتَ ابْنُ مُجَاهِدٍ فِي سَنَةِ ثلاثمائة أونحوها الْكِسَائِيَّ فِي مَوْضِعِ يَعْقُوبَ وَلَيْسَ فِي هَؤُلَاءِ السَّبْعَةِ مِنَ الْعَرَبِ إِلَّا ابْنُ عَامِرٍ وَأَبُو عَمْرٍو. قَالَ مَكِّيٌّ: وَإِنَّمَا كَانُوا سَبْعَةً لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَتَبَ سَبْعَةَ مَصَاحِفَ وَوَجَّهَ بِهَا إِلَى الْأَمْصَارِ فَجَعَلَ عَدَدَ الْقُرَّاءِ عَلَى عَدَدِ الْمَصَاحِفِ الثَّانِي: أَنَّهُ جَعَلَ عَدَدَهُمْ عَلَى عَدَدِ الْحُرُوفِ الَّتِي نَزَلَ بِهَا الْقُرْآنُ وَهِيَ سَبْعَةٌ عَلَى أَنَّهُ لَوْ جَعَلَ عَدَدَهُمْ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ لَمْ يَمْتَنِعْ ذلك إذا عَدَدُ الرُّوَاةِ الْمَوْثُوقِ بِهِمْ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يُحْصَى وَقَدْ أَلَّفَ ابْنُ جُبَيْرٍ الْمُقْرِئُ وَكَانَ قَبْلَ ابْنِ مُجَاهِدٍ كِتَابًا فِي الْقِرَاءَاتِ وَسَمَّاهُ كِتَابَ الْخَمْسَةِ ذَكَرَ فِيهِ خَمْسَةً مِنَ الْقُرَّاءِ لَا غَيْرَ وَأَلَّفَ غَيْرُهُ كِتَابًا وَسَمَّاهُ الثَّمَانِيَةَ وَزَادَ عَلَى هَؤُلَاءِ السَّبْعَةِ يَعْقُوبَ الْحَضْرَمِيَّ انْتَهَى قُلْتُ: وَمِنْهُمْ مَنْ زَادَ ثَلَاثَةً وَسَمَّاهُ كِتَابَ الْعَشْرَةِ قَالَ مَكِّيٌّ: وَالسَّبَبُ فِي اشْتِهَارِ هَؤُلَاءِ السَّبْعَةِ دُونَ غَيْرِهِمْ أَنَّ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمَّا كَتَبَ الْمَصَاحِفَ وَوَجَّهَهَا إِلَى الْأَمْصَارِ وَكَانَ الْقُرَّاءُ فِي الْعَصْرِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ كَثِيرِي الْعَدَدِ فَأَرَادَ النَّاسُ أَنْ يَقْتَصِرُوا فِي الْعَصْرِ الرَّابِعِ عَلَى مَا وَافَقَ الْمُصْحَفَ فَنَظَرُوا إِلَى إِمَامٍ مَشْهُورٍ بِالْفِقْهِ وَالْأَمَانَةِ فِي النَّقْلِ وَحُسْنِ الدِّينِ وَكَمَالِ الْعِلْمِ قَدْ طَالَ عُمُرُهُ وَاشْتَهَرَ أَمْرُهُ وَأَجْمَعَ أَهْلُ مِصْرَ عَلَى عَدَالَتِهِ فَأَفْرَدُوا مِنْ كُلِّ مِصْرٍ وَجَّهَ إِلَيْهِ عُثْمَانُ مُصْحَفًا إِمَامًا هَذِهِ صِفَةُ قِرَاءَتِهِ عَلَى مُصْحَفِ ذَلِكَ الْمِصْرِ فَكَانَ أَبُو عَمْرٍو مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ وَحَمْزَةُ وَعَاصِمٌ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَسَوَادِهَا وَالْكِسَائِيُّ مِنَ الْعِرَاقِ وَابْنُ كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ وَابْنُ عَامِرٍ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ وَنَافِعٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ كُلُّهُمْ مِمَّنِ اشْتُهِرَتْ إِمَامَتُهُمْ وَطَالَ عُمُرُهُمْ فِي الْإِقْرَاءِ وَارْتَحَلَ النَّاسُ إِلَيْهِمْ مِنَ الْبُلْدَانِ وَأَوَّلُ مَنِ اقْتَصَرَ عَلَى هَؤُلَاءِ السَّبْعَةِ أَبُو بَكْرِ بْنُ مُجَاهِدٍ سَنَةَ ثَلَاثِمِائَةٍ وَتَابَعَهُ النَّاسُ وَأَلْحَقُ الْمُحَقِّقُونَ مِنْهُمُ الْبَغَوِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ بِهَؤُلَاءِ السَّبْعَةِ قِرَاءَةَ ثَلَاثَةٍ وَهُمْ يَعْقُوبُ الْحَضْرَمِيُّ وَخَلَفٌ وَأَبُو جَعْفَرِ بْنُ قَعْقَاعٍ الْمَدَنِيُّ شَيْخُ نَافِعٍ لِأَنَّهَا لَا تُخَالِفُ رَسْمَ السَّبْعِ وَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو مُحَمَّدٍ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْهَرَوِيُّ فِي كِتَابِ الْكَافِي لَهُ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَلِمَ أَدْخَلْتُمْ قِرَاءَةَ أَبِي حَفْصٍ الْمَدَنِيِّ وَيَعْقُوبَ الْحَضْرَمِيِّ فِي جُمْلَتِهِمْ وَهُمْ خَارِجُونَ عَنِ السَّبْعَةِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِمْ؟ قُلْنَا: إِنَّمَا اتَّبَعْنَا قِرَاءَتَهُمَا كَمَا اتَّبَعْنَا السَّبْعَةَ لِأَنَّا وَجَدْنَا قِرَاءَتَهُمَا عَلَى الشَّرْطِ الَّذِي وَجَدْنَاهُ فِي قِرَاءَةِ غَيْرِهِمَا مِمَّنْ بَعْدَهُمَا فِي الْعِلْمِ وَالثِّقَةِ بِهِمَا وَاتِّصَالِ إِسْنَادِهِمَا وَانْتِفَاءِ الطَّعْنِ عَنْ رِوَايَتِهِمَا ثُمَّ إِنَّ الْتَمَسُّكَ بِقِرَاءَةِ سَبْعَةٍ فَقَطْ لَيْسَ لَهُ أَثَرٌ وَلَا سُنَّةٌ وَإِنَّمَا السُّنَّةُ أَنْ تُؤْخَذَ الْقِرَاءَةُ إِذَا اتَّصَلَتْ رواتها نَقْلًا وَقِرَاءَةً وَلَفْظًا وَلَمْ يُوجَدْ طَعْنٌ عَلَى أَحَدٍ مِنْ رُوَاتِهَا وَلِهَذَا الْمَعْنَى قَدَّمْنَا السَّبْعَةَ عَلَى غَيْرِهِمْ وَكَذَلِكَ نُقَدِّمُ أَبَا جَعْفَرٍ وَيَعْقُوبَ عَلَى غَيْرِهِمَا وَلَا يُتَوَهَّمُ أَنَّ قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ" انْصِرَافُهُ إِلَى قِرَاءَةِ سَبْعَةٍ مِنَ الْقُرَّاءِ يولدون من بعد عصر الصَّحَابَةِ بِسِنِينَ كَثِيرَةٍ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى أَنْ يَكُونَ الْخَبَرُ مُتَعَرِّيًا عَنْ فَائِدَةٍ إِلَى أَنْ يُحْدِثُوا وَيُؤَدِّي إِلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ أَنْ يَقْرَءُوا إِلَّا بِمَا عَلِمُوا أَنَّ السَّبْعَةَ مِنَ الْقُرَّاءِ يَخْتَارُونَهُ قَالَ وَإِنَّمَا ذَكَرْنَاهُ لِأَنَّ قَوْمًا مِنَ الْعَامَّةِ يَتَعَلَّقُونَ بِهِ

كُلُّ مَا صح سنده واستقام..فهو من السبع

وَقَالَ الشَّيْخُ مُوَفَّقُ الدِّينِ الْكَوَاشِيُّ كُلُّ مَا صح سنده واستقام مع جهة العربية وافق لفظه خط المصحف الإمام فهو من السبع الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا وَلَوْ رَوَاهُ سَبْعُونَ أَلْفًا مُجْتَمِعِينَ أو متفرقين فعلى هذا الأصل يبني من يقول القراءات عن سبعة كان أو سَبْعَةِ آلَافٍ وَمَتَى فُقِدَ وَاحِدٌ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْقِرَاءَةِ فَاحْكُمْ بِأَنَّهَا شَاذَّةً وَلَا يُقْرَأُ بِشَيْءٍ مِنَ الشَّوَاذِّ وَإِنَّمَا يُذْكَرُ مَا يُذْكَرُ مِنَ الشَّوَاذِّ لِيَكُونَ دَلِيلًا عَلَى حَسَبِ الْمَدْلُولِ عَلَيْهِ أَوْ مُرَجِّحًا وَقَالَ مَكِّيٌّ وَقَدِ اخْتَارَ النَّاسُ بَعْدَ ذَلِكَ وَأَكْثَرُ اخْتِيَارَاتِهِمْ إِنَّمَا هُوَ فِي الْحَرْفِ إِذَا اجْتَمَعَ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ قُوَّةُ وَجْهِ الْعَرَبِيَّةِ وَمُوَافَقَتُهُ لِلْمُصْحَفِ واجتماع العامة عليه والعامة عندهم هو مَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَأَهْلُ الْكُوفَةِ فَذَلِكَ عِنْدَهُمْ حُجَّةٌ قَوِيَّةٌ تُوجِبُ الِاخْتِيَارَ وَرُبَّمَا جَعَلُوا الْعَامَّةَ مَا اجْتَمَعَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْحَرَمَيْنِ وربما جعلوا الاعتبار بما اتَّفَقَ عَلَيْهِ نَافِعٌ وَعَاصِمٌ فَقِرَاءَةُ هَذَيْنِ الْإِمَامَيْنِ أَوْلَى الْقِرَاءَاتِ وَأَصَحُّهَا سَنَدًا وَأَفْصَحُهَا فِي الْعَرَبِيَّةِ وَيَتْلُوهَا فِي الْفَصَاحَةِ خَاصَّةً قِرَاءَةُ أَبِي عَمْرٍو وَالْكِسَائِيِّ وَقَالَ الشَّيْخُ شِهَابُ الدِّينِ أَبُو شَامَةَ كُلُّ قِرَاءَةٍ سَاعَدَهَا خَطُّ الْمُصْحَفِ مَعَ صِحَّةِ النَّقْلِ فِيهَا وَمَجِيئِهَا عَلَى الْفَصِيحِ مِنْ لُغَةِ الْعَرَبِ فَهِيَ قِرَاءَةٌ صَحِيحَةٌ مُعْتَبَرَةٌ فَإِنِ اخْتَلَّ أَحَدُ هَذِهِ الْأَرْكَانِ الثَّلَاثَةِ أُطْلِقَ عَلَى تِلْكَ القراءة أنها شاذة وضعيفة أشار إلى جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ الْقَيْرَوَانِيُّ فِي كِتَابٍ مُفْرَدٍ صَنَّفَهُ فِي مَعَانِي الْقِرَاءَاتِ السَّبْعِ وَأَمَرَ بِإِلْحَاقِهِ بِكِتَابِ الْكَشْفِ وَذَكَرَهُ شَيْخُنَا أَبُو الْحَسَنِ فِي كِتَابِهِ جَمَالِ الْقُرَّاءِ قَالَ أَبُو شَامَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَدْ وَرَدَ إِلَى دِمَشْقَ اسْتِفْتَاءٌ مِنْ بِلَادِ الْعَجَمِ عَنِ الْقِرَاءَةِ الشَّاذَّةِ هَلْ تَجُوزُ الْقِرَاءَةُ بِهَا؟ وَعَنْ قِرَاءَةِ الْقَارِئِ عَشْرًا كُلُّ آيَةٍ بِقِرَاءَةِ قَارِئٍ فَأَجَابَ عَنْ ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْ مَشَايِخِ عَصْرِنَا منهم شيخنا الشافعية والمالكية حينئذ وكلاهما أبو عمر وَعُثْمَانُ يَعْنِي ابْنَ الصَّلَاحِ وَابْنَ الْحَاجِبِ قَالَ شَيْخُ الشَّافِعِيَّةِ: يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْمَقْرُوءُ بِهِ عَلَى تَوَاتُرِ نَقْلِهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُرْآنًا وَاسْتَفَاضَ نَقْلُهُ بِذَلِكَ وَتَلَقَّتْهُ الْأُمَّةُ بِالْقَبُولِ كَهَذِهِ الْقِرَاءَاتِ السَّبْعِ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي ذَلِكَ الْيَقِينُ وَالْقَطْعُ عَلَى مَا تَقَرَّرَ وَتَمَهَّدَ فِي الْأُصُولِ فَمَا لَمْ يُوجَدْ فِيهِ ذَلِكَ مَا عَدَا الْعَشَرَةِ فَمَمْنُوعٌ مِنَ الْقِرَاءَةِ بِهِ مَنْعَ تَحْرِيمٍ لَا مَنْعَ كَرَاهَةٍ فِي الصَّلَاةِ وَخَارِجَ الصَّلَاةِ وَمَمْنُوعٌ مِنْهُ مِمَّنْ عَرَفَ الْمَصَادِرَ وَالْمَعَانِيَ وَمَنْ لَمْ يَعْرِفْ ذَلِكَ وَوَاجِبٌ عَلَى مَنْ قَدَرَ عَلَى الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ أَنْ يَقُومَ بِوَاجِبِ ذَلِكَ وَإِنَّمَا نَقَلَهَا مَنْ نَقَلَهَا مِنَ الْعُلَمَاءِ لِفَوَائِدَ منها ما يتعلق بعلم العربية لا القراءة بِهَا هَذَا طَرِيقُ مَنِ اسْتَقَامَ سَبِيلُهُ ثُمَّ قَالَ وَالْقِرَاءَةُ الشَّاذَّةُ مَا نُقِلَ قُرْآنًا مِنْ غَيْرِ تَوَاتُرٍ وَاسْتِفَاضَةٍ مُتَلَقَّاةٍ بِالْقَبُولِ مِنَ الْأَئِمَّةِ كَمَا يَشْتَمِلُ عَلَيْهِ الْمُحْتَسِبُ لِابْنِ جَنِّي وَغَيْرِهِ وَأَمَّا الْقِرَاءَةُ بِالْمَعْنَى عَلَى تَجْوِيزِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُلَ قُرْآنًا فَلَيْسَ ذَلِكَ مِنَ الْقِرَاءَةِ الشَّاذَّةِ أَصْلًا وَالْمُتَجَرِّئُ عَلَى ذَلِكَ مُتَجَرِّئٌ عَلَى عَظِيمٍ وَضَالٌّ ضَلَالًا بَعِيدًا فَيُعَزَّرُ وَيُمْنَعُ بِالْحَبْسِ وَنَحْوِهِ وَيَجِبُ مَنْعُ الْقَارِئِ بِالشَّوَاذِّ وَتَأْثِيمُهُ بَعْدَ تَعْرِيفِهِ وَإِنْ لَمْ يَمْتَنِعْ فَعَلَيْهِ التَّعْزِيرُ بِشَرْطِهِ وَأَمَّا إِذَا شَرَعَ الْقَارِئُ فِي قِرَاءَةٍ فَيَنْبَغِي أَلَّا يَزَالُ يَقْرَأُ بِهَا مَا بَقِيَ لِلْكَلَامِ مُتَعَلِّقٌ بِمَا ابْتَدَأَ بِهِ وَمَا خَالَفَ هَذَا فَمِنْهُ جَائِزٌ وَمُمْتَنِعٌ وَعُذْرُهُ مَانِعٌ مِنْ قِيَامِهِ بِحَقِّهِ وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى