فصل: مناقشة أدلة المانعين
فصل: مناقشة أدلة المانعين
هذا إذا كان المنع من طوافها لأجل المنع من دخول المسجد أو لأجل الحيض
ومنافاته للطواف فإن قيل بالتقدير الثالث وهو أنه لمجموع الأمرين بحيث إذا
انفرد أحدهما لم يستقل بالتحريم أو بالتقدير الرابع وهو أن كلا منهما علة
مستقلة كان الكلام على هذين التقديرين كالكلام على التقديرين الأولين
وبالجملة فلا يمتنع تخصيص العلة لفوات شرط أو لقيام مانع وسواء قيل إن
وجود الشرط وعدم المانع من أجزاء العلة أو هو أمر خارج عنها فالنزاع لفظي
فإن أريد بالعلة التامة فهما من أجزائها وإن أريد بها المقتضية كانا
خارجين عنهاص -25-…فإن قيل الطواف كالصلاة
ولهذا تشترط له الطهارة من الحدث وقد أشار إلى هذا بقوله في الحديث الطواف
بالبيت صلاة والصلاة لا تشرع ولا تصح مع الحيض فهكذا شقيقها ومشبهها
ولأنها عبادة متعلقة بالبيت فلم تصح مع الحيض كالصلاة وعكسه الوقوف بعرفة
وتوابعه
فالجواب: أن القول باشتراط طهارة الحدث للطواف لم يدل عليه نص ولا إجماع
بل فيه النزاع قديما وحديثا فأبو حنيفة وأصحابه لا يشترطون ذلك وكذلك احمد
في إحدى الروايتين عنه قال أبو بكر في الشافي باب في الطواف بالبيت غير
طاهر قال أبو عبد الله في رواية أبي طالب لا يطوف أحد بالبيت إلا طاهرا
والتطوع أيسر ولا يقف مشاهد الحج إلا طاهرا وقال في رواية محمد بن الحكم
إذا طاف طواف الزيارة وهو ناس لطهارته حتى رجع فإنه لا شيء عليه واختار له
أن يطوف وهو طاهر وقد نص احمد في إحدى الروايتين عنه على أن الرجل إذا
طاف جنبا ناسيا صح طوافه ولا دم عليه وعنه رواية أخرى عليه دم وثالثه أنه
لا يجزيه الطواف وقد ظن بعض أصحابه أن هذا الخلاف عنه إنما هو في المحدث
والجنب فأما الحائض فلا يصح طوافها قولا واحدا قال شيخنا وليس كذلك بل صرح
غير واحد من أصحابنا بأن الخلاف عنه في الحيض والجنابة وقال وكلام احمد
يدل على ذلك ويبين انه كان متوقفا في طواف الحائض وفي طواف الجنب قال عبد
الملك الميموني في مسائله قلت لأحمد من طاف طواف الواجب على غير وضوء وهو
ناس ثم واقع أهله قال أخبرك مسألة فيها وهم مختلفون وذكر قول عطاء والحسن
قلت ما تقول أنت قال دعها أو كلمة تشبهها وقال الميموني في مسائله أيضا
قلت له من سعى وطاف على غير طهارة ثم واقع أهله فقال لي مسألة الناس فيها
مختلفون وذكر قول ابن عمر وما يقول عطاء مما يسهل فيها وما يقول
ص -26-…الحسن وان عائشة قال لها النبي صلى الله عليه
وسلم حين حاضت: "افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت" ثم قال لي
ألا إن هذا أمر بليت به نزل عليها ليس من قبلها قلت فمن الناس من يقول
عليها الحج من قابل فقال لي نعم كذا اكبر علمي قلت ومنهم من يذهب إلى أن
عليها دما فذكر تسهيل عطاء فيها خاصة قال لي أبو عبد الله أولا وآخرا هي
مسألة مشتبهة فيها موضع نظر فدعني حتى انظر فيها قال ذلك غير مرة ومن
الناس من يقول وان رجع إلى بلده يرجع حتى يطوف قلت والنسيان قال والنسيان
أهون حكما بكثير يريد أهون ممن يطوف على غير طهارة متعمدا هذا لفظ
الميموني قلت وأشار أحمد إلى تسهيل عطاء إلى فتواه أن المرأة إذا حاضت في
أثناء الطواف فإنها تتم طوافها وهذا تصريح منه أن الطهارة ليست شرطا في صحة
الطواف وقد قال إسماعيل بن منصور ثنا أبو عوانة عن أبي بشر عن عطاء قال
حاضت امرأة وهي تطوف مع عائشة أم المؤمنين فحاضت في الطواف فأتمت بها عائشة
بقية طوافها هذا والناس إنما تلقوا منع الحائض من الطواف من حديث عائشة
وقد دلت أحكام الشريعة على أن الحائض أولى بالعذر وتحصيل مصلحة العبادة
التي تفوتها إذا تركتها مع الحيض من الجنب وهكذا إذا حاضت في صوم شهري
التتابع لم ينقطع تتابعها بالاتفاق وكذلك تقضي المناسك كلها من أولها إلى
آخرها مع الحيض بلا كراهة بالاتفاق سوى الطواف وكذلك تشهد العيد مع
المسلمين بلا كراهة بالنص وكذلك تقرأ القرآن إما مطلقا وإما عند خوف
النسيان وإذا حاضت وهي معتكفة لم يبطل اعتكافها بل تتمه في رحبة المسجد
وسر المسألة ما أشار إليه صاحب الشرع بقوله إن هذا أمر
كتبه الله على بنات آدم وكذلك قال الإمام أحمد: هذا أمر بليت به نزل عليها
ليس من قبلها والشريعة قد فرقت بينها وبين الجنب كما ذكرناه فهي أحق بأن
تعذر من الجنب الذي طاف مع الجنابة ناسيا أو ذاكرا فإذا كان فيه النزاع
المذكور فهى أحق بالجواز منه فإن الجنب يمكنه الطهارة وهي لا يمكنها
فعذرها بالعجز
ص -27-…والضرورة أولى من عذره بالنسيان فإن الناسي لما
أمر به من الطهارة والصلاة يؤمر بفعله إذا ذكره بخلاف العاجز عن الشرط أو
الركن فإنه لا يؤمر بإعادة العبادة معه إذا قدر عليه فهذه إذا لم يمكنها
إلا الطواف على غير طهارة وجب عليها ما تقدر عليه وسقط عنها ما تعجز عنه
كما قال تعالى فاتقوا الله ما استطعتم وقال النبي صلى الله عليه وسلم إذا
أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم وهذه لا تستطيع إلا هذا وقد أتقت الله
ما استطاعت فليس عليها غير ذلك بالنص وقواعد الشريعة والمطلق يقيد بدون
هذا بكثير ونصوص احمد وغيره من العلماء صريحة في أن الطواف ليس كالصلاة في
اشتراط الطهارة وقد ذكرنا نصه في رواية محمد بن الحكم إذا طاف طواف
الزيارة وهو ناس لطهارته حتى رجع فلا شيء عليه واختار له أن يطوف وهو طاهر
وإن وطئ فحجه ماض ولا شيء عليه وقد تقدم قول عطاء ومذهب أبى حنيفة صحية
الطواف بلا طهارة
وأيضا فإن الفوارق بين الطواف والصلاة أكثر من الجوامع فإنه يباح فيه
الكلام والأكل والشرب والعمل الكثير وليس فيه تحريم ولا تحليل ولا ركوع
ولا سجود ولا قراءة ولا تشهد ولا تجب له جماعة وإنما اجتمع هو والصلاة في
عموم كونه طاعة وقربة وخصوص كونه متعلقا بالبيت وهذا لا يعطيه شروط الصلاة
كما لا يعطيه واجباتها وأركانها
وأيضا فيقال لا نسلم أن العلة في الأصل كونها عبادة متعلقة بالبيت ولم
يذكروا على ذلك حجة واحدة والقياس الصحيح ما تبين فيه أن الوصف المشترك
بين الأصل والفرع وهو علة الحكم في الأصل أو دليل العلة فالأول قياس العلة
والثاني قياس الدلالة
وأيضا فالطهارة إنما وجبت لكونها صلاة سواء تعلقت بالبيت أو لم تتعلق ولهذا وجبت النافلة في السفر إلى غير القبلة ووجبت حين كانت
ص -28-…مشروعة إلى بيت المقدس ووجبت لصلاة الخوف إذا لم يمكن الاستقبال.
وأيضا فهذا القياس ينتقض بالنظر إلى البيت فإنه عبادة متعلقة بالبيت وأيضا
فهذا قياس معارض بمثله وهو أن يقال عبادة من شرطها المسجد فلم تكن
الطهارة شرطا فيها كالاعتكاف وقد قال الله تعالى: {طَهِّرَا بَيْتِيَ
لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} وليس إلحاق
الطائفين بالركع السجود أولى من إلحاقهم بالعاكفين بل إلحاقهم بالعاكفين
أشبه فإن المسجد شرط في كل منهما بخلاف الركع السجود.
فإن قيل الطائف لا بد أن يصلي ركعتي الطواف والصلاة لا تكون إلا بطهارة
قيل وجوب ركعتى الطواف فيه نزاع وإذا قيل بوجوبهما لم تجب الموالاة بينهما
وبين الطواف وليس اتصالهما بأعظم من اتصال الصلاة بالخطبة يوم الجمعة ولو
خطب محدثا ثم توضأ وصلى الجمعة جاز فجواز طوافه محدثا ثم يتوضأ ويصلى
ركعتي الطواف أولى بالجواز وقد نص احمد على انه إذا خطب جنبا جاز
سم الكتاب:
|
إعلام الموقعين عن رب العالمين
|
اسم المؤلف:
|
محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية 751هـ
|
دراسة وتحقيق:
|
طه عبد الرؤوف سعد
|
القسم:
|
اصول الفقه
|
الناشر:
|
مكتبة الكليات الأزهرية، مصر، القاهرة 1388هـ/1968م
|
عدد المجلدات:
|
4
|
عدد الصفحات:
|
1501
|
لاطلاع على الكتاب إاليكم الرابط:
|
http://raqamiya.mediu.edu.my/BookRead.aspx?ID=312
|
منقول من
http://vb.mediu.edu.my/showthread.php?t=29265