..فإن قيل هذا شيء روى عن عمر فقال فيه ابن عباس بقول عمر قيل قد علمنا أن ابن عباس يخالف عمر في نكاح المتعة وبيع الدينارص -38-…بالدينار وبيع أمهات الأولاد فكيف يوافقه في شيء روى عن النبي صلى الله عليه وسلم خلافه الأخذ برواية الراوي دون رأيه قال المانعون من لزوم الثلاث النسخ لا يثبت بالاحتمال ولا ترك الحديث الصحيح المعصوم لمخالفة رواية له فإن مخالفته ليست معصومة وقد قدم الشافعي رواية ابن عباس في شأن بريرة على فتواه التي تخالفها في كون بيع الأمة طلاقها وأخذ هو وأحمد وغيرهما بحديث أبي هريرة من استقاء فعليه القضاء وقد خالفة أبو هريرة وأفتى بأنه لا قضاء عليه وأخذوا برواية ابن عباس: "أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه أن يرملوا الأشواط الثلاثة وأن يمشوا بين الركنين" وصح عنه أنه قال ليس الرمل بسنة وأخذوا برواية عائشة في منع الحائض من الطواف وقد صح عنها أن امرأة حاضت وهي تطوف معها فأتمت بها عائشة بقية طوافها رواه سعيد بن منصور ثنا أبو عوانة عن أبي بشر عن عطاء فذكره وأخذوا برواية ابن عباس في تقديم الرمي والحلق والنحر بعضها البعض وأنه لا حرج في ذلك وقد أفتى أبن عباس أن فيه وما فلم يلتفتوا إلى قوله وأخذوا بروايته وأخذت الحنفية بحديث أبن عباس كل الطلاق جائز إلا طلاق المعتوه قالوا وهذا صريح في طلاق المكره وقد صح عن ابن عباس ليس لمكره ولا لمضطهد طلاق وأخذوا هم والناس بحديث ابن عمر أنه أشترى جملا شاردا بأصح سند يكون وأخذ الحنفية والحنابلة بحديث علي كرم الله وجهه وابن عباس صلاة الوسطى صلاة العصر وقد ثبت عن علي كرم الله وجهه وابن عباس صلاة الصبح واخذ الأئمة الأربعة وغيرهم بخبر عائشة في التحريم بلبن الفحل وقد صح عنها خلافه وأنه كان يدخل عليها من أرضعته بنات إخوتها ولا يدخل عليها من أرضعته نساء إخوتها وأخذ الحنفية برواية عائشة فرضت الصلاة

ص -39-…ركعتين ركعتين وصح عنها أنها أتمت الصلاة في السفر فلم يدعوا روايتها لرأيها واحتجوا بحديث جابر وأبي موسى في الأمر بالوضوء من الضحك في الصلاة وقد صح عنهما أنهما قالا لا وضوء من ذلك وأخذ الناس بحديث عائشة في ترك إيجاب الوضوء مما مست النار وقد صح عن عائشة بأصح إسناد إيجاب الوضوء للصلاة من أكل كل ما مست النار وأخذ الناس بأحاديث عائشة وابن عباس وأبي هريرة في المسح على الخفين وقد صح عن ثلاثتهم المنع من المسح جملة فأخذوا بروايتهم وتركوا رأيهم واحتجوا في إسقاط القصاص عن الأب بحديث عمر لا يقتص لولد من والده وقد قال عمر: لأقصن للولد من الوالد" فلم يأخذوا برأيه بل بروايته واحتجت الحنفية والمالكية في أن الخلع طلاق بحديثين لا يصحان عن ابن عباس وقد صح عن ابن عباس بأصح إسناد يكون أن الخلع فسخ لا طلاق وأخذت الحنفية بحديث لا يصح بل هو وضع حزام بن عثمان ومبشر بن عبيد الحلبي وهو حديث جابر لا يكون صداق أقل من عشرة دراهم وقد صح عن جابر جواز النكاح بما قل أو كثر واحتجوا هم وغيرهم على المنع من بيع أمهات الأولاد بحديث ابن عباس المرفوع وقد صح عنه جواز بيعهن فقدموا روايته التي لم تثبت على فتواه الصحيحة عنه وأخذت الحنابلة وغيرهم بخبر سعيد بن المسيب عن عمر أنه الحق الولد بأبوين وقد خالفه سعيد بن المسيب فلم يعتدوا بخلافه وقد صح عن عمر وعثمان ومعاوية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تمتع بالعمرة إلى الحج وصح عنهم النهي عن التمتع فأخذ الناس بروايتهم وتركوا رأيهم وأخذ الناس بحديث أبي هريرة في البحر هو الطهور ماؤه الحل ميتته وقد روى سعيد بن منصور في سننه عن أبي هريرة أنه قال: ماءان لا يجزئان في غسل الجنابة ماء البحر وماء الحمام وأخذت الحنابلة والشافعية بحديث أبي هريرة في الأمر
ص -40-…بغسل الإناء من ولوغ الكلب وقد صح عن أبي هريرة ما رواه سعيد بن منصور في سننه أن أبا هريرة سئل عن الحوض يلغ فيه الكلب ويشرب منه الحمار فقال لا يحرم الماء شيء وأخذت الحنفية بحديث على كرم الله وجهه لا زكاة فيما زاد على المائتي درهم حتى يبلغ أربعين درهما مع ضعف الحديث بالحسن بن عمارة وقد صح عن علي كرم الله وجهه أن ما زاد على المائتين ففيه الزكاة بحسابه رواه عبد الرزاق عن معمر عن أبي إسحاق السبيعي عن عاصم بن ضمرة عنه
وهذا باب يطول تتبعه وترى كثيرا من الناس إذا جاء الحديث يوافق قول من قلده وقد خالفه راويه يقول الحجة فيما روى لا في قوله فإذا جاء قول الراوي موافقا لقول من قلده والحديث بخلافه قال لم يكن الراوي يخالف ما رواه إلا وقد صح عنده نسخه وإلا كان قدحا في عدالته فيجمعون في كلامهم بين هذا وهذا بل قد رأينا ذلك في الباب الواحد وهذا من أقبح التناقض والذي ندين الله به ولا يسعنا غيره وهو القصد في هذا الباب أن الحديث إذا صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يصح عنه حديث آخر ينسخه أن الفرض علينا وعلى الأمة الأخذ بحديثه وترك كل ما خالفه ولا نتركه لخلاف أحد من الناس كائنا من كان لا راوية ولا غيره إذ من الممكن أن ينسى الراوي الحديث أو لا يحضره وقت الفتيا أو لا يتفطن لدلالته على تلك المسألة أو يتأول فيه تأويلا مرجوحا يقوم في ظنه ما يعارضه ولا يكون معارضا في نفس الأمر أو يقلد غيره في فتواه بخلافه لاعتقاده أنه أعلم منه وأنه إنما خالفه لما هو أقوى منه ولو قدر انتفاء ذلك كله ولا سبيل إلى العلم بانتفائه ولا ظنه لم يكن الراوي معصوما ولم توجب مخالفته لما رواه سقوط عدالته حتى تغلب سيئاته حسناته وبخلاف هذا الحديث الواحد لا يحصل له ذلك



سم الكتاب:
إعلام الموقعين عن رب العالمين
اسم المؤلف:
محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية 751هـ
دراسة وتحقيق:
طه عبد الرؤوف سعد
القسم:
اصول الفقه
الناشر:
مكتبة الكليات الأزهرية، مصر، القاهرة 1388هـ/1968م
عدد المجلدات:
4
عدد الصفحات:
1501
لاطلاع على الكتاب إاليكم الرابط:
http://raqamiya.mediu.edu.my/BookRead.aspx?ID=312