فإن قيل: فهلا طردتم ذلك في الولاء بل جعلتموه لموالي الأم والولاء لحمة كلحمة النسب
فإن قيل: فهلا طردتم ذلك في الولاء بل جعلتموه لموالي الأم والولاء لحمة كلحمة النسب.قيل: لما كان الولاء من آثار الرق وموجباته كان تابعا له في حكمه فكان لموالي الأم ولما كان فيه شائبة النسب وهو لحمة كلحمته رجع إلى موالي الأب عند انقطاعه عن موالي الأم فروعي فيه الأمران ورتب عليه الأثران.
فإن قيل: فهلا جعلتم الولد في الدين تابعا لمن له النسب بل ألحقتموه بأبيه تارة وبأمه تارة.
قيل: الطفل لا يستقل بنفسه بل لا يكون إلا تابعا لغيره فجعله الشارع تابعا لخير أبويه في الدين تغليبا لخير الدينين فإنه إذا لم يكن له بد من التبعية لم يجز أن يتبع من هو على دين الشيطان وتنقطع تبعيته عمن هو على دين الرحمن فهذا محال في حكمة الله تعالى وشرعه.
فإن قيل: فاجعلوه تابعا لسابيه في الإسلام وإن كان معه أبواه أو أحدهما فإن تبعيته لأبويه قد انقطعت وصار السابي هو أحق به.
ص -68-…قيل: نعم وهكذا نقول سواء وهو قول إمام أهل الشام عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي ونص عليه أحمد واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وقد أجمع الناس على أنه يحكم بإسلامه تبعا لسابيه إذا سبي وحده قالوا: لأن تبعيته قد انقطعت عن أبويه وصار تابعا لسابيه واختلفوا فيما إذا سبي مع أحدهما على ثلاثة مذاهب أحدها: يحكم بإسلامه نص عليه أحمد في إحدى الروايتين وهي المشهورة من مذهبه وهو قول الأوزاعي والثاني: لا يحكم بإسلامه لأنه لم ينفرد عن أبويه والثالث: أنه إن سبي مع الأب تبعه في دينه وإن سبي مع الأم وحدها فهو مسلم وهو قول مالك وقول الأوزاعي وفقهاء أهل الثغر أصح وأسلم من التناقض فإن السابي قد صار أحق به وقد انقطعت تبعيته لأبويه ولم يبق لهما عليه حكم فلا فرق بين كونهما في دار الحرب وبين كونهما أسيرين في أيدي المسلمين بل انقطاع تبعيته لهما في حال أسرهما وقهرهما وإذلالهما واستحقاق قتلهما أولى من انقطاعها حال قوة شوكتهما وخوف معرتهما فما الذي يسوغ له الكفر بالله والشرك به وأبواه أسيران في أيدي المسلمين ومنعه من ذلك وأبواه في دار الحرب وهل هذا إلا تناقض محض وأيضا فيقال لهم إذا سبي الأبوان ثم قتلا فهل يستمر الطفل على كفره عندكم أو تحكمون بإسلامه فمن قولكم أنه يستمر على كفره كما لو ماتا فيقال وأي كتاب أو سنة أو قياس صحيح أو معنى معتبر أو فرق مؤثر بين أن يقتلا في حال الحرب أو بعد الأسر والسبي وهل يكون المعنى الذي حكم بإسلامه لأجله إذا سبي وحده زائلا بسبائهما ثم قتلهما بعد ذلك وهل هذا إلا تفريق بين المتماثلين وأيضا فهل تعتبرون وجود الطفل والأبوين في ملك ساب واحد أو يكون معهما في جملة العسكر فإن اعتبرتم الأول طولبتم بالدليل على ذلك وإن اعتبرتم الثاني فمن المعلوم انقطاع تبعيته لهما واستيلائهما عليه واختصاصه بسابيه ووجودهما بحيث لا يمكنان منه ومن تربيته وحضانته واختصاصهما به لا أثر له وهو كوجودهماص -69-…في دار الحرب سواء وأيضا فإن الطفل لما لم يستقل بنفسه لم يكن بد من جعله تابعا لغيره وقد دار الأمر بين أن يجعل تابعا لمالكه وسابيه ومن هو أحق الناس به وبين أن يجعل تابعا لأبويه ولا حق لهما فيه بوجه ولا ريب أن الأول أولى وأيضا فإن ولاية الأبوين قد زالت بالكلية وقد انقطع الميراث وولاية النكاح وسائر الولايات فما بال ولاية الدين الباطل باقية وحدها وقد نص الإمام أحمد على منع أهل الذمة أن يشتروا رقيقا من سبي المسلمين وكتب بذلك عمر بن الخطاب إلى الأمصار واشتهر ولم ينكره منكر فهو إجماع من الصحابة وإن نازع فيه بعض الأئمة وما ذاك إلا أن في تمليكه للكافر ونقله عن يد المسلم قطعا لما كان بصدده من مشاهدة معالم الإسلام وسماعه القرآن فربما دعاه ذلك إلى اختياره فلو كان تابعا لأبويه على دينهما لم يمنعا من شراه وبالله التوفيق.
فإن قيل: فيلزمكم على هذا أنه لو مات الأبوان أن تحكموا بإسلام الطفل لانقطاع تبعيته للأبوين ولا سيما وهو مسلم بأصل الفطرة وقد زال معارض الإسلام وهو تهويد الأبوين وتنصيرهما.
قيل: قد نص على ذلك الإمام أحمد في رواية جماعة من أصحابه واحتج بقوله صلى الله عليه وسلم: "ما من مولود إلا يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه" فإذا لم يكن له أبوان فهو على أصل الفطرة فيكون مسلما.
فإن قيل: فهل تطردون هذا فيما انقطع نسبة عن الأب مثل كونه ولد زنا أو منفيا بلعان؟.
سم الكتاب: |
إعلام الموقعين عن رب العالمين |
اسم المؤلف: |
محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية 751هـ |
دراسة وتحقيق: |
طه عبد الرؤوف سعد |
القسم: |
اصول الفقه |
الناشر: |
مكتبة الكليات الأزهرية، مصر، القاهرة 1388هـ/1968م |
عدد المجلدات: |
4 |
عدد الصفحات: |
1501 |
لاطلاع على الكتاب إاليكم الرابط: |
http://raqamiya.mediu.edu.my/BookRead.aspx?ID=312 |
منقول من
http://vb.mediu.edu.my/showthread.php?t=29273
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق