الجمعة، 14 يونيو 2013

وَأَمَّا غَيْرُ الْعَامِلَةِ فَلَهَا مَعَانٍ:

وَأَمَّا غَيْرُ الْعَامِلَةِ فَلَهَا مَعَانٍ: وَأَمَّا غَيْرُ الْعَامِلَةِ فَلَهَا مَعَانٍ:الْأَوَّلُ: وَهُوَ أَصْلُهَا الْعَاطِفَةُ تُشْرِكُ فِي الْإِعْرَابِ وَالْحُكْمِ وَهِيَ لِمُطْلَقِ الْجَمْعِ عَلَى الصَّحِيحِ وَلَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الثَّانِيَ بَعْدَ الْأَوَّلِ بَلْ قَدْ يَكُونُ كَذَلِكَ وَقَدْ يَكُونُ قَبْلَهُ وَقَدْ يَكُونُ مَعَهُ فَمِنَ الْأَوَّلِ: {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زلزالها وأخرجت الأرض أثقالها} فَإِنَّ الْإِخْرَاجَ مُتَأَخِّرٌ عَنِ الزِّلْزَالِ وَذَلِكَ مَعْلُومٌ مِنْ قَضِيَّةِ الْوُجُودِ لَا مِنَ الْوَاوِ. وَمِنَ الثاني: {واسجدي واركعي مع الراكعين} ،وَالرُّكُوعُ قَبْلَ السُّجُودِ وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّ شَرْعَهُمْ كَانَ مُخَالِفًا لِشَرْعِنَا فِي ذَلِكَ. وَقَوْلِهِ تَعَالَى: مُخْبِرًا عَنْ مُنْكِرِي الْبَعْثِ: {مَا هِيَ إِلَّا حياتنا الدنيا نموت} أَيْ نَحْيَا وَنَمُوتُ. وَقَوْلِهِ: {سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ ليال وثمانية أيام} . وَالْأَيَّامُ هُنَا قَبْلَ اللَّيَالِي إِذْ لَوْ كَانَتِ اللَّيَالِي قَبْلَ الْأَيَّامِ كَانَتِ الْأَيَّامُ مُسَاوِيَةً لِلَّيَالِي وَأَقَلَّ. قَالَ الصَّفَّارُ: وَلَوْ كَانَ عَلَى ظَاهِرِهِ لَقَالَ سَبْعَ لَيَالٍ وَسِتَّةَ أَيَّامٍ أَوْ سَبْعَةَ أَيَّامٍ وَأَمَّا ثَمَانِيَةٌ فَلَا يَصِحُّ عَلَى جَعْلِ الْوَاوِ لِلتَّرْتِيبِ فَائِدَةٌ: وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {ذَرْنِي وَمَنْ خلقت وحيدا} {وذرني والمكذبين} أَجَازَ أَبُو الْبَقَاءِ كَوْنَ الْوَاوِ عَاطِفَةً وَهُوَ فَاسِدٌ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ تَعَالَى أَمَرَ نَبِيَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنْ يَتْرُكَهُ وَكَأَنَّهُ قَالَ اتْرُكْنِي وَاتْرُكْ مَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا وَكَذَلِكَ اتْرُكْنِي وَاتْرُكِ الْمُكَذِّبِينَ فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ خَلِّ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ وَهُوَ وَاوُ "مَعَ" كقولك لو تركت الناقة وفصيلها لرضعها والثاني: واو الاستثناء وَتُسَمَّى وَاوَ الْقَطْعِ وَالِابْتِدَاءِ وَهِيَ الَّتِي يَكُونُ بَعْدَهَا جُمْلَةٌ غَيْرُ مُتَعَلِّقَةٍ بِمَا قَبْلَهَا فِي الْمَعْنَى وَلَا مُشَارِكَةٍ فِي الْإِعْرَابِ وَيَكُونُ بَعْدَهَا الْجُمْلَتَانِ. فَالِاسْمِيَّةُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وأجل مسمى عنده} وَالْفِعْلِيَّةُ كَقَوْلِهِ: {لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ} {هل تعلم له سميا ويقول الأنسان} . والظاهر أنها الواو العاطفة لكنها تعطف لجمل الَّتِي لَا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الْإِعْرَابِ لِمُجَرَّدِ الرَّبْطِ وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ وَاوَ الِاسْتِئْنَافِ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّ مَا بَعْدَهَا مِنَ الْمُفْرَدَاتِ مَعْطُوفٌ عَلَى مَا قَبْلَهَا.

وَأَمَّا غَيْرُ الْعَامِلَةِ فَلَهَا مَعَانٍ:

وَأَمَّا غَيْرُ الْعَامِلَةِ فَلَهَا مَعَانٍ: وَأَمَّا غَيْرُ الْعَامِلَةِ فَلَهَا مَعَانٍ:الْأَوَّلُ: وَهُوَ أَصْلُهَا الْعَاطِفَةُ تُشْرِكُ فِي الْإِعْرَابِ وَالْحُكْمِ وَهِيَ لِمُطْلَقِ الْجَمْعِ عَلَى الصَّحِيحِ وَلَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الثَّانِيَ بَعْدَ الْأَوَّلِ بَلْ قَدْ يَكُونُ كَذَلِكَ وَقَدْ يَكُونُ قَبْلَهُ وَقَدْ يَكُونُ مَعَهُ فَمِنَ الْأَوَّلِ: {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زلزالها وأخرجت الأرض أثقالها} فَإِنَّ الْإِخْرَاجَ مُتَأَخِّرٌ عَنِ الزِّلْزَالِ وَذَلِكَ مَعْلُومٌ مِنْ قَضِيَّةِ الْوُجُودِ لَا مِنَ الْوَاوِ. وَمِنَ الثاني: {واسجدي واركعي مع الراكعين} ،وَالرُّكُوعُ قَبْلَ السُّجُودِ وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّ شَرْعَهُمْ كَانَ مُخَالِفًا لِشَرْعِنَا فِي ذَلِكَ. وَقَوْلِهِ تَعَالَى: مُخْبِرًا عَنْ مُنْكِرِي الْبَعْثِ: {مَا هِيَ إِلَّا حياتنا الدنيا نموت} أَيْ نَحْيَا وَنَمُوتُ. وَقَوْلِهِ: {سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ ليال وثمانية أيام} . وَالْأَيَّامُ هُنَا قَبْلَ اللَّيَالِي إِذْ لَوْ كَانَتِ اللَّيَالِي قَبْلَ الْأَيَّامِ كَانَتِ الْأَيَّامُ مُسَاوِيَةً لِلَّيَالِي وَأَقَلَّ. قَالَ الصَّفَّارُ: وَلَوْ كَانَ عَلَى ظَاهِرِهِ لَقَالَ سَبْعَ لَيَالٍ وَسِتَّةَ أَيَّامٍ أَوْ سَبْعَةَ أَيَّامٍ وَأَمَّا ثَمَانِيَةٌ فَلَا يَصِحُّ عَلَى جَعْلِ الْوَاوِ لِلتَّرْتِيبِ فَائِدَةٌ: وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {ذَرْنِي وَمَنْ خلقت وحيدا} {وذرني والمكذبين} أَجَازَ أَبُو الْبَقَاءِ كَوْنَ الْوَاوِ عَاطِفَةً وَهُوَ فَاسِدٌ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ تَعَالَى أَمَرَ نَبِيَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنْ يَتْرُكَهُ وَكَأَنَّهُ قَالَ اتْرُكْنِي وَاتْرُكْ مَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا وَكَذَلِكَ اتْرُكْنِي وَاتْرُكِ الْمُكَذِّبِينَ فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ خَلِّ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ وَهُوَ وَاوُ "مَعَ" كقولك لو تركت الناقة وفصيلها لرضعها والثاني: واو الاستثناء وَتُسَمَّى وَاوَ الْقَطْعِ وَالِابْتِدَاءِ وَهِيَ الَّتِي يَكُونُ بَعْدَهَا جُمْلَةٌ غَيْرُ مُتَعَلِّقَةٍ بِمَا قَبْلَهَا فِي الْمَعْنَى وَلَا مُشَارِكَةٍ فِي الْإِعْرَابِ وَيَكُونُ بَعْدَهَا الْجُمْلَتَانِ. فَالِاسْمِيَّةُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وأجل مسمى عنده} وَالْفِعْلِيَّةُ كَقَوْلِهِ: {لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ} {هل تعلم له سميا ويقول الأنسان} . والظاهر أنها الواو العاطفة لكنها تعطف لجمل الَّتِي لَا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الْإِعْرَابِ لِمُجَرَّدِ الرَّبْطِ وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ وَاوَ الِاسْتِئْنَافِ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّ مَا بَعْدَهَا مِنَ الْمُفْرَدَاتِ مَعْطُوفٌ عَلَى مَا قَبْلَهَا.

الثَّالِثُ: وَاوُ الْحَالِ الدَّاخِلَةُ عَلَى الْجُمْلَةِ..

الثَّالِثُ: وَاوُ الْحَالِ الدَّاخِلَةُ عَلَى الْجُمْلَةِ.. الثَّالِثُ: وَاوُ الْحَالِ الدَّاخِلَةُ عَلَى الْجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ وَهِيَ عِنْدَهُمْ مُغْنِيَةٌ عَنْ ضَمِيرِ صَاحِبِهَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وطائفة قد أهمتهم} وقوله: {لئن أكله الذئب ونحن عصبة} وَقَوْلِهِ: {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فريقا من المؤمنين لكارهون} وَقَدْ يَجْتَمِعَانِ نَحْوُ: {فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وأنتم تعلمون} {وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب}{ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد} {لم تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ ألوف حذر الموت} {لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى ما تعملون} {ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون} {وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ} {أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شيء} {أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ} . الرَّابِعُ: لِلْإِبَاحَةِ نَحْوُ جَالِسِ الْحَسَنَ وَابْنَ سِيرِينَ لأنك أمرت بمجالستهما معا. قال وعلى هذا أخذ مالك قوله تعالى: {إنما الصدقات للفقراء والمساكين} الآية الْخَامِسُ: وَاوُ الثَّمَانِيَةِ وَالْعَرَبُ تُدْخِلُ الْوَاوَ بَعْدَ السَّبْعَةِ إِيذَانًا بِتَمَامِ الْعَدَدِ فَإِنَّ السَّبْعَةَ عِنْدَهُمْ هِيَ الْعَقْدُ التَّامُّ كَالْعَشْرَةِ عِنْدَنَا فَيَأْتُونَ بِحَرْفِ الْعَطْفِ الدَّالِّ عَلَى الْمُغَايَرَةِ بَيْنَ الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ فَتَقُولُ خَمْسَةٌ سِتَّةٌ سَبْعَةٌ وَثَمَانِيَةٌ فَيَزِيدُونَ الْوَاوَ إِذَا بَلَغُوا الثَّمَانِيَةَ حَكَاهُ الْبَغَوِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَابِرٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدُوسٍ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قوله تعالى: {سبع ليال وثمانية أيام} وَنُقِلَ عَنِ ابْنِ خَالَوَيْهِ وَغَيْرِهِ وَمَثَّلُوهُ بِقَوْلِهِ تعالى: {وثامنهم كلبهم} . بعد ما ذُكِرَ الْعَدَدُ مَرَّتَيْنِ بِغَيْرِ وَاوٍ.

وَالثَّالِثُ: أَنْ تُرِيدَ مَا أَتَاكَ رَجُلٌ وَاحِدٌ

وَالثَّالِثُ: أَنْ تُرِيدَ مَا أَتَاكَ رَجُلٌ وَاحِدٌ وَالثَّالِثُ: أَنْ تُرِيدَ مَا أَتَاكَ رَجُلٌ وَاحِدٌ وَلَا أَكْثَرُ مِنْ ذلكفَإِنْ قُلْتَ: مَا أَتَانِي مِنْ رَجُلٍ كَانَ نَفْيًا لِذَلِكَ كُلِّهِ قَالَ هَذَا مَعْنَى كَلَامِهِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ مِنْ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ تَعُمُّ وَتَسْتَغْرِقُ. وَيَلْتَحِقُ بِالنَّفْيِ الِاسْتِفْهَامُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {هَلْ ترى من فطور} وجوز الأخفش زيادتها في الإثبات كقوله: {غفر لكم من ذنوبكم} . وَالْمُرَادُ الْجَمِيعُ بِدَلِيلِ: {إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جميعا} فَوَجَبَ حَمْلُ الْأَوَّلِ عَلَى الزِّيَادَةِ دَفْعًا لِلتَّعَارُضِ. وَقَدْ نُوزِعَ فِي ذَلِكَ بِأَنَّهُ إِنَّمَا يَقَعُ التَّعَارُضُ لَوْ كَانَتَا فِي حَقِّ قَبِيلٍ وَاحِدٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ الْآيَةَ الَّتِي فِيهَا مِنْ قوم نُوحٍ وَالْأُخْرَى لِهَذِهِ الْأُمَّةِ. فَإِنْ قِيلَ: فَإِذَا غُفِرَ لِلْبَعْضِ كَانَ الْبَعْضُ الْآخَرُ مُعَاقَبًا عَلَيْهِ فَلَا يَحْصُلُ كَمَالُ التَّرْغِيبِ فِي الْإِيمَانِ إِلَّا بِغُفْرَانِ الْجَمِيعِ. وَأَيْضًا: فَكَيْفَ يَحْسُنُ التَّبْعِيضُ فِيهَا مَعَ أَنَّ الْإِسْلَامَ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ فَيَصِحُّ قَوْلُ الْأَخْفَشِ فَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ الْمُرَادَ بِغُفْرَانِ بَعْضِ الذُّنُوبِ فِي الدُّنْيَا لِأَنَّ إِغْرَاقَ قَوْمِ نُوحٍ عَذَابٌ لَهُمْ وَذَلِكَ إِنَّمَا كَانَ فِي الدُّنْيَا مُضَافًا إِلَى عَذَابِ الْآخِرَةِ فَلَوْ آمَنُوا لَغُفِرَ لَهُمْ مِنَ الذُّنُوبِ مَا اسْتَحَقُّوا بِهِ الْإِغْرَاقَ فِي الدُّنْيَا وَأَمَّا غُفْرَانُ الذَّنْبِ بِالْإِيمَانِ فِي الْآخِرَةِ فَمَعْلُومٌ. وَالثَّانِي: أَنَّ الْكَافِرَ إِذَا آمَنَ فَقَدْ بَقِيَ عَلَيْهِ ذُنُوبٌ وَهِيَ مَظَالِمُ الْعِبَادِ فَثَبَتَ التَّبْعِيضُ بِالنِّسْبَةِ لِلْكَافِرِ الثَّالِثُ: أَنَّ قَوْلَهُ: {ذُنُوبِكُمْ} يَشْمَلُ الْمَاضِيَةَ وَالْمُسْتَقْبَلَةَ فَإِنَّ الْإِضَافَةَ تُفِيدُ الْعُمُومَ فَقِيلَ مِنْ لِتُفِيدَ أَنَّ الْمَغْفُورَ الْمَاضِي وَعَدَمَ إِطْمَاعِهِمْ فِي غُفْرَانِ الْمُسْتَقْبَلِ بِمُجَرَّدِ الْإِسْلَامِ حَتَّى يَجْتَنِبُوا الْمَنْهِيَّاتِ. وَقِيلَ: إِنَّهَا لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ وَهُوَ حَسَنٌ لِقَوْلِهِ: {يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سلف} . وَسِيبَوَيْهِ يُقَدِّرُ فِي نَحْوِ ذَلِكَ مَفْعُولًا مَحْذُوفًا أَيْ يَغْفِرُ لَكُمْ بَعْضًا مِنْ ذُنُوبِكُمْ مُحَافَظَةً عَلَى مَعْنَى التَّبْعِيضِ. وَقِيلَ: بَلِ الْحَذْفُ لِلتَّفْخِيمِ وَالتَّقْدِيرُ يَغْفِرُ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ مَا لَوْ كَشَفَ لَكُمْ عَنْ كُنْهِهِ لَاسْتَعْظَمْتُمْ ذَلِكَ وَالشَّيْءُ إِذَا أَرَادُوا تَفْخِيمَهُ أَبْهَمُوهُ كَقَوْلِهِ: {فَغَشِيَهُمْ مِنَ اليم ما غشيهم} . أَيْ أَمْرٌ عَظِيمٌ وَقَالَ الصَّفَّارُ: مِنْ لِلتَّبْعِيضِ عَلَى بَابِهَا وَذَلِكَ أَنَّ غَفَرَ تَتَعَدَّى لِمَفْعُولَيْنِ أَحَدُهُمَا بِاللَّامِ فَالْأَخْفَشُ يَجْعَلُ الْمَفْعُولَ الْمُصَرَّحَ الذُّنُوبَ وَهُوَ الْمَفْعُولُ الثَّانِي فَتَكُونُ مِنْ زَائِدَةً وَنَحْنُ نَجْعَلُ الْمَفْعُولَ مَحْذُوفًا وَقَامَتْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ مَقَامَهُ أَيْ جُمْلَةً مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَذَلِكَ أَنَّ الْمَغْفُورَ لَهُمْ بِالْإِسْلَامِ مَا اكْتَسَبُوهُ فِي حَالِ الْكُفْرِ لا حَالِ الْإِسْلَامِ وَالَّذِي اكْتَسَبُوهُ فِي حَالِ الْكُفْرِ بَعْضُ ذُنُوبِهِمْ لَا جَمِيعُهَا.

وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي آية الصدقة: {ويكفر عنكم من سيئاتكم}

وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي آية الصدقة: {ويكفر عنكم من سيئاتكم} وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي آية الصدقة: {ويكفر عنكم من سيئاتكم} فَلِلتَّبْعِيضِ لِأَنَّ أَخْذَ الصَّدَقَةِ لَا يَمْحُو كُلَّ السَّيِّئَاتِ. وَمِمَّا احْتَجَّ بِهِ الْأَخْفَشُ أَيْضًا قَوْلَهُ تَعَالَى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} . أَيْ أَبْصَارَهُمْ وَقَوْلِهِ: {وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثمرات} . أَيْ كُلُّ الثَّمَرَاتِ وَقَوْلِهِ: {وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نبأ المرسلين}وَهَذَا ضَعِيفٌ أَيْضًا بَلْ هِيَ فِي الْأَوَّلِ لِلتَّبْعِيضِ لِأَنَّ النَّظَرَ قَدْ يَكُونُ عَنْ تَعَمُّدٍ وغير تَعَمُّدِ وَالنَّهْيُ إِنَّمَا يَقَعُ عَلَى نَظَرِ الْعَمْدِ فَقَطْ وَلِهَذَا عُطِفَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: {وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ} . مِنْ غَيْرِ إِعَادَةِ مِنْ لِأَنَّ حِفْظَ الْفُرُوجِ وَاجِبٌ مُطْلَقًا وَلِأَنَّهُ يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ مِنْهُ وَلَا يُمْكِنُ فِي النَّظَرِ لِجَوَازِ وُقُوعِهِ اتِّفَاقًا وَقَدْ يُبَاحُ لِلْخِطْبَةِ وَلِلتَّعْلِيمِ وَنَحْوِهِمَا. وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَإِنَّ الله وَعَدَ أَهْلَ الْجَنَّةِ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ فِيهَا كُلُّ نَوْعٍ مِنْ أَجْنَاسِ الثِّمَارِ مِقْدَارُ مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ وَزِيَادَةٌ وَلَمْ يَجْعَلْ جَمِيعَ الَّذِي خَلَقَهُ اللَّهُ مِنَ الثِّمَارِ عِنْدَهُمْ بَلْ عِنْدَ كُلٍّ مِنْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَا يَكْفِيهِ وَزِيَادَةٌ عَلَى كِفَايَتِهِ وَلَيْسَ الْمَعْنَى عَلَى أَنَّ جَمِيعَ الْجِنْسِ عِنْدَهُمْ حَتَّى لَمْ تَبْقَ مَعَهُ بَقِيَّةٌ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ وَصْفُ مَا عِنْدَ اللَّهِ بِالتَّنَاهِي. وَأَمَّا الثَّالِثَةُ فَلِلتَّبْعِيضِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: {وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نقصصهم عليك} لَطِيفَةٌ: إِنَّهَا حَيْثُ وَقَعَتْ فِي خِطَابِ الْمُؤْمِنِينَ لم تذكر كقوله في سورة الصف: {يا أيها الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ} . إلى قوله: {يغفر لكم ذنوبكم} وقوله في سورة الأحزاب: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله} . إلى قوله: {ويغفر لكم ذنوبكم} وَقَالَ فِي خِطَابِ الْكُفَّارِ فِي سُورَةِ نُوحٍ: {يغفر لكم من ذنوبكم} وفي سورة الأحقاف: {يا قومنا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ من ذنوبكم} وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِلتَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْخِطَابَيْنِ لِئَلَّا يُسَوَّى بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ فِي الْوَعْدِ وَلِهَذَا إِنَّهُ فِي سُورَةِ نُوحٍ وَالْأَحْقَافِ وَعَدَهُمْ مَغْفِرَةَ بَعْضِ الذُّنُوبِ بِشَرْطِ الْإِيمَانِ لَا مُطْلَقًا وَهُوَ غُفْرَانُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ لَا مَظَالِمِ الْعِبَادِ. الرَّابِعَ عَشَرَ: الْمُلَابَسَةُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ من بعض} ،أَيْ يُلَابِسُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَيُوَالِيهِ وَلَيْسَ الْمَعْنَى عَلَى النَّسْلِ وَالْوِلَادَةِ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ مِنْ نَسْلِ الْمُنَافِقِ مُؤْمِنٌ وَعَكْسُهُ. وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض} . وكذا قوله: {ذرية بعضها من بعض} . كَمَا يَتَبَرَّأُ الْكُفَّارُ كَقَوْلِهِ: {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتبعوا من الذين اتبعوا} فَأَمَّا قَوْلُهُ: {وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بعض} أَيْ بَعْضُكُمْ يُلَابِسُ بَعْضًا وَيُوَالِيهِ فِي ظَاهِرِ الْحُكْمِ مِنْ حَيْثُ يَشْمَلُكُمُ الْإِسْلَامُ

كتاب:المستطرف في كل فن مستطرف> للأبشيهي

كتاب:المستطرف في كل فن مستطرف> للأبشيهي مقدمة [التحقيق] الحمد لله رب العالمين، وبه نستعين في كل حين، وعليه نتوكل وإليه ننيب، نحمده حمد المقر بنعمه المستغفر لذنبه، الراغب بقربه، الراجي لعفوه سبحانه وتعالى هو الغفور الرحيم. والصلاة والسلام على المصطفى من العرب والعجم من باتباع دعوته ننجو من النقم، نبي الرحمة، البشير النذير والسراج المنير، والداعي إلى الله بإذنه، من أرسله الله بدين الهدى والحق ليظهره على الدين كله ولو كره الكافرون، النبي الأمي الطاهر الأمين، سيد ولد آدم، وعلى آله الطيبين الطاهرين وأصحابه الغر الميامين ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين. وبعد عزيزي القارىء. امتاز الأدب العربي عن سواه من الآداب العالمية بمصنفات جمع فيها مؤلفوها مادة أدبية ليست من إنتاجهم، وأشعارا ليست من نظمهم. وقد تنوعت هذه المصنفات، فمنها ما اختص بالشعر الجاهلي مثلا، كجمع الزوزني للمعلقات وشرحها، ومنها من اختص بشعر الحماسة كحماسة أبي تمام، ومنها ما اختص بجمع طرائف أخبار النحويين أو الأعراب أو اللغة، أو ما استعجم من الألفاظ. إلخ ... ، ومنها ما اختص بجمع أخبار فئة معينة ككتب الجاحظ. إلا أن هذه الجمع والتصنيف الذي اصطبغ في أكثره بصبغة معجمية تبعه جمع آخر وتصنيف مختلف، فظهرت في فترة لاحقة مصنفات جمعت من كل باب من أبواب الأدب أطرفه ومن كل فن أظرفه. وقد اختار كل مؤلف ومصنف منهجا عمل من خلاله، لذلك نجد أنه رغم كثرة المصنفات في هذا اللون من ألوان الأدب فإن لكل منها نكهة مختلفة وفي كل منها مادة جديدة لم تذكرها المصنفات الأخرى، مما يجعل كل مصنف منها فريدا في بابه، لا يغني عن سواه ولا يغني سواه عنه. إلا أن أقرب هذه المصنفات إلى قلوب القراء عبر العصور، وأكثرها تداولا هو كتاب «المستطرف في كل فن مستظرف» الذي أعده وجمع مادته وألف بين أخباره ونوادره وحكمه ومواعظه شهاب الدين محمد بن أحمد أبي الفتح الأشبيهي. ولقد لقي هذا الكتاب من عناية المحققين المعاصرين ما جعله يصدر في طبعات كثيرة تتفاوت في قيمتها ودقتها لرغبة القراء في اقتنائه ورغبة الناشرين بإصداره.

مقدمة [التحقيق]

مقدمة [التحقيق] لذا رأينا أنه لا بد من تحقيقه على أصول معتمدة لتنقيته من شوائب الأخطاء والتصحيف التي امتلأت بها طبعاته المختلفة، وأنه لا بد أن نقوم على تصحيحه بأنفسنا لكي لا تفسد أخطاء التنضيد ما أصلحناه من شوائب النسخ والتصحيف. ولم نكتف بذلك، فالكتاب صار في متناول كل يد وكل أسرة، وكل فرد من أفراد الأسرة، وما يقرأه البعض ويستحسنه لا يصح أن يقرأه الكل، وفي الكتاب من الشعر ما لا يستحب نشره فكيف بقراءته لذا قمنا بتهذيب الكتاب وتنقيته فحذفنا ما وجب حذفه دون أن نخل بترتيب الأبواب أو الفصول وهذبنا ما وجب تهذيبه دون أن نفقد الطرفة طرافتها ولا الخبر ظرفه ولا الحكاية معناها وفحواها وهدفها، ثم شرحنا ما يدق معناه ويستغرب لفظه فلم نغرق في شروح تبعد الكتاب عن مقصده ككتاب لإمتاع الأسماع بما لذ وطاب من طرائف الأخبار والأشعار، ويحوله إلى كتاب تعليمي بحت. إن كل كتاب أدبي هو شاهد على العصر الذي ألف فيه، وكتاب المستظرف، شاهد على عصره في أخباره وطرائفه ونوادره وأشعاره، وهو مع ذلك ما يزال حيا يقرأ في كل عصر وكأنه كتب بالأمس القريب. نأمل أن يحقق الجهد الذي أوليناه لهذا الكتاب غايته، والاهتمام الذي بذلناه هدفه، بنيل إعجاب وتقدير وتشجيع القارىء العزيز، على الله توكلنا وإليه أنبنا هو نعم المولى ونعم النصير. سعيد محمد اللحام

وَأَجَازَهُ أَبُو الْبَقَاءِ أَيْضًا فِي الْآيَةِ..

وَأَجَازَهُ أَبُو الْبَقَاءِ أَيْضًا فِي الْآيَةِ.. وَأَجَازَهُ أَبُو الْبَقَاءِ أَيْضًا فِي الْآيَةِ وَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وهو خير لكم} . فَقَالَ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْجُمْلَةُ فِي مَوْضِعِ نصب صفة لـ "شيء" وَسَاغَ دُخُولُ الْوَاوِ لَمَّا كَانَتْ صُورَةُ الْجُمْلَةِ هُنَا كَصُورَتِهَا إِذَا كَانَتْ حَالًاوَأَجَازَ أَيْضًا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {عَلَى قَرْيَةٍ وهي خاوية} ، فقال: الجملة في موضع جر صفة لـ "قرية" وأما قوله: {فاضرب به ولا تحنث} فَقِيلَ الْوَاوُ زَائِدَةٌ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَجْزُومًا جَوَابَ الْأَمْرِ بِتَقْدِيرِ اضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ. وَيُتَحَمَلُ أَنْ يَكُونَ نَهْيًا. قَالَ ابْنُ فَارِسٍ: وَالْأَوَّلُ أَجْوَدُ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: {وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ في الأرض ولنعلمه} قِيلَ الْوَاوُ زَائِدَةٌ. وَقِيلَ: وَلِنُعَلِّمَهُ فِعْلَنَا ذَلِكَ. كذلك: {وحفظا من كل شيطان} أي وحفظا فعلنا ذلك وقيل: في قوله: {وفتحت أبوابها} : إِنَّهَا زَائِدَةٌ لِلتَّأْكِيدِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا عَاطِفَةٌ وَجَوَابُ إِذَا مَحْذُوفٌ أَيْ سُعِدُوا وَأُدْخِلُوا وَقِيلَ: وَلِيُعْلَمَ فِعْلُنَا ذَلِكَ وَكَذَلِكَ: {وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ} أي حفظا فعلنا ذلك وَقِيلَ فِي قَوْلِهِ: {فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ وناديناه أن يا إبراهيم} . أَيْ نَادَيْنَاهُ وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا عَاطِفَةٌ وَالتَّقْدِيرُ عُرِفَ صَبْرُهُ وَنَادَيْنَاهُ: {وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ من الموقنين} وَقَوْلِهِ: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْرًا لِلْمُتَّقِينَ} وَقَوْلِهِ: {وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ} . أي لنعلم. وقوله: {فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا ولو افتدى به} وَزَعَمَ الْأَخْفَشُ أَنَّ إِذَا مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {إذا السماء انشقت} مُبْتَدَأٌ وَخَبَرُهَا إِذَا فِي قَوْلِهِ: {وَإِذَا الْأَرْضُ مدت} وَالْوَاوُ زَائِدَةٌ وَالْمَعْنَى أَنَّ وَقْتَ انْشِقَاقِ السَّمَاءِ هُوَ وَقْتُ مَدِّ الْأَرْضِ وَانْشِقَاقِهَا وَاسْتَبْعَدَهُ أَبُو الْبَقَاءِ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْخَبَرَ مَحَطُّ الْفَائِدَةِ ولا فائدة في إعلامنا بأن الوقت الِانْشِقَاقِ فِي وَقْتِ الْمَدِّ بَلِ الْغَرَضُ مِنَ الْآيَةِ عِظَمُ الْأَمْرِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَالثَّانِي: بِأَنَّ زيادة الواو تغلب فِي الْقِيَاسِ وَالِاسْتِعْمَالِ. وَقَدْ تُحْذَفُ كَثِيرًا مِنَ الْجُمَلِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قلت} أي وقلت والجواب قوله تعالى: {تولوا} وَقَوْلِهِ: {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ ربكم توقنون} وفي قول أَكْثَرُ: {قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ قَالَ رب السماوات والأرض} الْآيَةَ وَقَوْلِهِ: {إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ وكانوا يصرون على الحنث العظيم}

«تداركوا الهموم والغموم بالصدقات..

«تداركوا الهموم والغموم بالصدقات.. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «تداركوا الهموم والغموم بالصدقات يدفع الله ضركم وينصركم على عدوكم» ، وعن عبيد بن عمير قال: «يحشر الناس يوم القيامة أجوع ما كانوا قط، وأعطش ما كانوا قط، فمن أطعم لله أشبعه الله، ومن سقى لله سقاه الله، ومن كسا لله كساه الله» . وقال الشعبي: «من لم ير نفسه إلى ثواب الصدقة أحوج من الفقير إلى صدقته فقد أبطل صدقته وضرب بها وجهه» . وكان الحسن بن صالح إذا جاءه سائل، فإن كان عنده ذهب أو فضة أو طعام أعطاه، فإن لم يكن عنده من ذلك شيء أعطاه دهنا أو غيره مما ينتفع به، فإن لم يكن عنده شيء أعطاه كحلا أو أخرج إبرة وخيطا فرقع بهما ثوب السائل. ووجه رجل ابنه في تجارة فمضت أشهر ولم يقع له على خبر، فتصدق برغيفين وأرخ ذلك اليوم، فلما كان بعد سنة رجع ابنه سالما رابحا، فسأله أبوه: هل أصابك في سفرك بلاء؟ قال: نعم غرقت السفينة بنا في وسط البحر، وغرقت في جملة الناس، وإذا بشابين أخذاني فطرحاني على الشط، وقالا لي: قل لوالدك هذا برغيفين فكيف لو تصدقت بأكثر من ذلك؟! وقال علي رضي الله تعالى عنه وكرم الله وجهه: «إذا وجدت من أهل الفاقة من يحمل لك زادك فيوافيك به حيث تحتاج إليه، فاغتنم حمله إياه» «5» . لله در القائل حيث قال: يبكي على الذاهب من ماله ... وإنما يبقى الذي يذهب

الفصل الثالث في الزكاة وفضلها

الفصل الثالث في الزكاة وفضلها الفصل الثالث في الزكاة وفضلها قرن الله سبحانه وتعالى الزكاة بالصلاة في مواضع شتى من كتابه. قال الله تعالى: وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة «1» . وقال تعالى: رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة «2» . وقال تعالى: ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة «3» . وعن بريدة رضي الله تعالى عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ما حبس قوم الزكاة إلا حبس الله عنهم القطر» «4» ، وعن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما خالطت الزكاة مالا قط إلا أهلكته» «5» . وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من كان عنده ما يزكي ولم يزك ومن كان عنده ما يحج ولم يحج سأل الرجعة» «6» . يعني قوله تعالى: قال رب ارجعون 99 لعلي أعمل صالحا فيما تركت «7» . ولنلحق بهذا الفصل ذكر شيء من الصدقة وفضلها وما جاء فيها وما أعد الله تعالى للمتصدقين من الأجر والثواب، ودفع البلاء. قال الله تعالى: إن الله يجزي المتصدقين «8» . وقال تعالى: والمتصدقين والمتصدقات الآية «9» . والآيات الكريمة في ذلك كثيرة، والأحاديث الصحيحة فيه مشهورة، وروى الترمذي في جامعه بسنده، عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خير الأصحاب عند الله خيرهم لصاحبه وخير الجيران عند الله خيرهم لجاره» . وفي صحيح مسلم، وموطأ مالك، وجامع الترمذي، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما نقص مال من صدقة» . أو قال: «ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا، وما تواضع عبد إلا رفعه الله تعالى» . ودخلت امرأة شلاء على عائشة رضي الله عنها فقالت: «كان أبي يحب الصدقة وأمي تبغضها، لم تتصدق في عمرها إلا بقطعة شحم وخلقة «10» ، فرأيت في المنام كأن القيامة قد قامت، وكأن أمي قد غطت عورتها بالخلقة وفي يدها الشحمة تلحسها من العطش، فذهبت إلى أبي وهو على حافة حوض يسقي الناس، فطلبت منه قدحا من ماء فسقيت أمي، فنوديت من فوقي ألا من سقاها، فشل الله يدها فانتبهت كما ترين» .

«أعني على نفسك بكثرة السجود»

«أعني على نفسك بكثرة السجود» وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل قال له: ادع الله أن يجعلني رفيقك في الجنة؟ فقال: «أعني على نفسك بكثرة السجود» . وقال حاتم الأصم رحمه الله تعالى: «فاتتني صلاة الجماعة مرة فعزاني أبو إسحق البخاري وحده، ولو مات لي ولد لعزاني أكثر من عشرة آلاف لأن مصيبة الدين عندهم أهون من مصيبة الدنيا» وكان السلف رضي الله تعالى عنهم يعزون أنفسهم ثلاثة أيام إذا فاتتهم التكبيرة الأولى، وسبعا إذا فاتتهم الجماعة. وقال ابن عباس رضي الله عنهما: «ركعتان مقتصدتان في تفكر، خير من قيام ليلة والقلب ساه» . (وأنشد بعضهم) : خسر الذي ترك الصلاة وخابا ... وأبى معادا صالحا ومآبا إن كان يجحدها «2» فحسبك أنه ... أضحى بربك كافرا مرتابا أو كان يتركها لنوع تكاسل ... غطى على وجه الصواب حجابا فالشافعي ومالك رأيا له ... إن لم يتب حد الحسام عقابا والرأي عندي للإمام عذابه ... بجميع تأديب يراه صوابا اللهم أعنا على الصلاة وتقبلها منا بكرمك ولا تجعلنا من الغافلين برحمتك يا أرحم الراحمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين. ومما يستحسن إلحاقه بهذا الفصل ذكر شيء من فضل السواك والأذان. أما السواك: فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة» . وقال أيضا: «صلاة على أثر سواك أفضل من خمس وسبعين صلاة على غير سواك» . وقال حذيفة بن اليمان رضي الله عنه: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام ليتهجد شاص فاه «3» بالسواك» . وقال صلى الله عليه وسلم: «السواك مطهرة للفم مرضاة للرب» . وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لو يعلم الناس ما في السواك لبات مع الرجل في لحافه» . وقال أيضا: «أفواهكم طرق لكلام ربكم فنظفوها» . والاختيار في السواك أن يكون بعود الأراك «4» . ويجزي بغيره من العيدان وبالسعد والأشنان «5» ، والخرقة الخشنة وغير ذلك مما ينظف. ويستاك عرضا مبتدئا بالجانب الأيمن من فيه، وينوي به الإتيان بالسنة. والسواك بعود الزيتون يزيل الحفر من الأسنان. وقال الأصحاب يقول عند السواك: «اللهم بارك لي فيه يا أرحم الراحمين» . ويستاك في ظاهر الأسنان وباطنها، ويمر السواك على أطراف أسنانه وأضراسه وسقف حلقه إمرارا لطيفا، ويستاك بعود متوسط لا شديد اليبوسة ولا شديد اللين، فإن اشتد يبسه لينه بالماء، وقد قيل: إن من فضائل السواك أنه يذكر الشهادة عند الموت ويسهل خروج الروح. وأما الأذان فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «يد الرحمن على رأس المؤذن حتى يفرغ من أذانه» . قيل في قوله تعالى: ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا «6» . نزلت في المؤذنين.

ولعبد الله بن المبارك رضي الله تعالى عنه:

ولعبد الله بن المبارك رضي الله تعالى عنه: ولعبد الله بن المبارك رضي الله تعالى عنه: إذا ما الليل أظلم كابدوه ... فيسفر عنهم وهم ركوع «2» أطار الخوف نومهم فقاموا ... وأهل الأمن في الدنيا هجوع «3» وكان سيدي الشيخ الإمام العلامة فتح الدين بن أمين الدين الحكم التحريري رحمه الله، كثيرا ما يتمثل بهذه الأبيات: يا أيها الراكد كم ترقد ... قم يا حبيبي قد دنا الموعد وخذ من الليل ولو ساعة ... تحظى إذا ما هجع الرقد من نام حتى ينقضي ليله ... لم يبلغ المنزل لو يجهد وكان سيدي أويس القرني «4» لا ينام ليلة ويقول: «ما بال الملائكة لا يفترون ونحن نفتر» وقال حذيفة رضي الله عنه: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة» «5» وقال هشام بن عروة: «كان أبي يطيل المكتوبة «6» ويقول هي رأس المال» . وقال أبو الطفيل: «سمعت أبا بكر الصديق رضي الله تعالى عنه يقول: «يا أيها الناس قوموا إلى نيرانكم فأطفئوها، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الصلاة إلى الصلاة كفارة لما بينهما ما اجتنبت الكبائر» . وجزأ محمد بن المنكدر، عليه وعلى أمه وعلى أخته، الليل أثلاثا، فماتت أخته. فجزأه عليه وعلى أمه، فماتت أمه. فقام الليل كله.

الفصل الثاني في الصلاة وفضلها

الفصل الثاني في الصلاة وفضلها الفصل الثاني في الصلاة وفضلها قال الله تعالى: حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين 238 «4» . وقال تعالى: وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة «5» وقال تعالى: إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا 103 «6» واختلفوا في اشتقاق اسم الصلاة مم هو، فقيل هو من الدعاء، وتسمية الصلاة دعاء، معروفة في كلام العرب، فسميت الصلاة صلاة لما فيها من الدعاء. وقيل: سميت بذلك من الرحمة. قال الله تعالى: إن الله وملائكته يصلون على النبي «7» فهي من الله رحمة ومن الملائكة استغفار، ومن الناس دعاء. قال صلى الله عليه وسلم: «اللهم صل على آل أبي أوفى أي ارحمهم» «8» . وقيل: سميت بذلك من الاستقامة من قولهم صليت العود على النار إذا قومته، والصلاة تقيم العبد على طاعة الله وخدمته وتنهاه عن خلافه، قال الله تعالى: إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر «9» وقيل لأنها صلة بين العبد وربه. وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «علم الأيمان الصلاة، فمن فرغ لها قلبه وحافظ عليها بحدودها فهو مؤمن» . وعن عمر بن (1/12) الخطاب رضي الله تعالى عنه أنه قال وهو على المنبر: «إن الرجل ليشيب عارضاه في الإسلام وما أكمل لله تعالى صلاة» قيل: وكيف ذلك؟ قال: «لا يتم ركوعها وسجودها وخشوعها وتواضعه وإقباله على الله فيها» . وقالت عائشة رضي الله تعالى عنها: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدثنا ونحدثه فإذا حضرت الصلاة فكأنه لم يعرفنا ولم نعرفه» . وقيل للحسن «1» : ما بال المتهجدين من أحسن الناس وجوها؟ فقال: «لأنهم خلوا بالرحمن فألبسهم نورا من نوره» . وقال بعضهم: «لا تفوت أحدا صلاة في جماعة إلا بذنب» . وكانت رابعة العدوية تصلي في اليوم والليلة ألف ركعة، وتقول: والله ما أريد بها ثوابا ولكن ليسر ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم. ويقول للأنبياء عليهم الصلاة والسلام: أنظروا إلى امرأة من أمتي هذا عملها في اليوم والليلة. وقال بعضهم: صليت خلف ذي النون المصري، فلما أراد أن يكبر رفع يديه وقال: «الله» ثم بهت وبقي كأنه جسد لا روح فيه إعظاما لربه جل وعلا، ثم قال: «الله أكبر» فظننت أن قلبي انخلع من هيبة تكبيره. وقيل: أوحى الله تعالى إلى داود عليه السلام: يا داود كذب من ادعى محبتي. وإذا جن عليه الليل نام عني، أليس كل محب يحب الخلوة بحبيبه؟.

أشعر كلمة قالتها العرب:

أشعر كلمة قالتها العرب: وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال وهو على المنبر: أن أشعر كلمة قالتها العرب: «ألا كل شيء ما خلا الله باطل» . ثم بعد هذا الاعتقاد الإقرار بالشهادة بأن محمدا رسول الله بعثه برسالته إلى الخلائق كافة وجعله خاتم الأنبياء، ونسخ بشريعته الشرائع وجعله سيد البشر والشفيع المشفع في المحشر، وأوجب على الخلق تصديقه فيما أخبر عنه من أمور الدنيا والآخرة، فلا يصح إيمان عبد حتى يؤمن بما أخبر به بعد الموت، من سؤال منكر ونكير، وهما ملكان من ملائكة الله تعالى يسألان العبد في قبره عن التوحيد والرسالة، ويقولان له: من ربك وما دينك ومن نبيك. ويؤمن بعذاب القبر وأنه حق، وأن الميزان حق، والصراط حق، والحساب حق، وأن الجنة حق، والنار حق، وأن الله تعالى يدخل الجنة من يشاء بغير حساب وهم المقربون، وأنه يخرج عصاة الموحدين من النار بعد الانتقام، حتى لا يبقى في جهنم من في قلبه مثقال ذرة من الإيمان. ويؤمن بشفاعة الأنبياء ثم بشفاعة العلماء ثم بشفاعة الشهداء، وأن يعتقد فضل الصحابة رضي الله تعالى عنهم، ويحسن الظن بجميعهم على ما وردت به الأخبار وشهدت به الآثار. فمن اعتقد جميع ذلك مؤمنا به موقنا فهو من أهل الحق والسنة، مفارق لعصابة الضلال والبدعة. رزقنا الله الثبات على هذه العقيدة، وجعلنا من أهلها، ووفقنا للدوام إلى الممات على التمسك والاعتصام بحبلها، إنه سميع مجيب. فهذه العقيدة قد اشتملت على أحد أركان الإسلام الخمسة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت من استطاع إليه سبيلا» .

وقال أبو العتاهية:

وقال أبو العتاهية: وقال أبو العتاهية: فيا عجبا كيف يعصى الإله ... أم كيف يجحده الجاحد وفي كل شيء له آية ... تدل على أنه الواحد ولله في كل تحريكة ... وتسكينة في الورى شاهد وقال غيره: (1/11) كل ما ترتقي إليه بوهم «1» ... من جلال وقدرة وسناء فالذي أبدع البرية أعلى ... منه، سبحان مبدع الأشياء وقال علي رضي الله عنه في بعض وصاياه لولده: «إعلم يا بني أنه لو كان لربك شريك لأتتك رسله، ولرأيت آثار ملكه وسلطانه، ولعرفت أفعاله وصفاته، ولكنه إله واحد لا يضاده في ملكه أحد» . وعنه عليه الصلاة والسلام: «كل ما يتصور في الأذهان فالله سبحانه بخلافه» . وقال لبيد بن ربيعة: ألا كل شيء ما خلا الله باطل ... وكل نعيم لا محالة زائل «2» وكل ابن أنثى لو تطاول عمره ... إلى الغاية القصوى فللقبر آيل وكل أناس سوف تدخل بينهم ... دويهية «3» تصفر منها الأنامل وكل امرىء يوما سيعرف سعيه ... إذا حصلت عند الإله الحصائل

الباب الأول في مباني الإسلام

بسم الله الرحمن الرحيم الباب الأول في مباني الإسلام وفيه خمسة فصول الفصل الأول في الإخلاص لله تعالى والثناء عليه وهو أن تعلم أن الله تعالى واحد لا شريك له. فرد لا مثل له. صمد لا ند له. أزلي قائم، أبدي دائم، لا أول لوجوده، ولا آخر لأبديته. قيوم لا يفنيه الأبد، ولا يغيره الأمد، بل هو الأول والآخر، والظاهر والباطن، منزه عن الجسمية ليس كمثله شيء «1» ، وهو فوق كل شيء، فوقيته لا تزيده بعدا عن عباده، وهو أقرب إلى العبيد من حبل الوريد «2» ، وهو على كل شيء شهيد «3» ، وهو معكم أين ما كنتم «4» ، لا يشابه قربه قرب الأجسام، كما لا تشابه ذاته ذوات الأجرام «5» ، منزه عن أن يحده زمان، مقدس عن أن يحيط به مكان، تراه أبصار الأبرار في دار القرار، على ما دلت عليه الآيات والأخبار، حي قادر جبار قاهر لا يعتريه عجز ولا قصور، لا تأخذه سنة ولا نوم «6» ، له الملكوت والعزة والجبروت، خلق الخلق وأعمالهم، وقدر أرزاقهم وآجالهم، لا تحصى مقدوراته «7» ، ولا تتناهى معلوماته، عالم بجميع المعلومات، لا يعزب عنه «8» مثقال ذرة في الأرض ولا في السموات، يعلم السر وأخفى «9» ، ويطلع على هواجس الضمائر وخفيات السرائر، مريد للكائنات، مدبر للحادثات، لا يجري في ملكه قليل ولا كثير، ولا جليل ولا حقير، خير أو شر، نفع أو ضر، إلا بقضائه وقدره وحكمه ومشيئته، فما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، فهو المبدىء المعيد «10» ، الفاعل لما يريد، لا معقب لحكمه ولا راد لقضائه، ولا مهرب لعبد عن معصيته إلا بتوفيقه ورحمته، ولا قوة له على طاعته إلا بمحبته وإرادته. لو اجتمع الإنس والجن والملائكة والشياطين على أن يحركوا في العالم ذرة أو يسكنوها دون إرادته لعجزوا «11» . سميع بصير متكلم بكلام لا يشبه كلام خلقه، وكل ما سواه سبحانه وتعالى، فهو حادث أوجده بقدرته، وما من حركة ولا سكون إلا وله في ذلك حكمة دالة على وحدانيته، قال الله تعالى: إن في خلق السماوات والأرض «12» الآية.

[مقدمة التأليف]

[مقدمة التأليف] بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الملك العظيم العلي الكبير، الغني اللطيف الخبير، المنفرد بالعز والبقاء، والإرادة والتدبير، الحي العليم الذي ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، تبارك الذي بيده الملك، وهو على كل شيء قدير، أحمده حمد عبد معترف بالعجز والتقصير، وأشكره على ما أعان عليه على قصد ويسر من عسير، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا مشير، ولا ظهير له ولا وزير، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله البشير النذير السراج المنير، المبعوث إلى كافة الخلق من غني وفقير، ومأمور وأمير، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه صلاة يفوز قائلها من الله بمغفرة وأجر كبير، وينجو بها في الآخرة من عذاب السعير، وحسبنا الله ونعم الوكيل فنعم المولى ونعم النصير. أما بعد: فقد رأيت جماعة من ذوي الهمم، جمعوا أشياء كثيرة من الآداب والمواعظ والحكم، وبسطوا مجلدات في التواريخ والنوادر، والأخبار، والحكايات، واللطائف، ورقائق الأشعار، وألفوا في ذلك كتبا كثيرة، وتفرد كل منها بفرائد فوائد لم تكن في غيره من الكتب محصورة، فاستخرت الله تعالى وجمعت من جموعها هذا المجموع اللطيف، وجعلته مشتملا على كل فن ظريف، (وسميته المستطرف، في كل فن مستظرف) واستدللت فيه بآيات كثيرة من القرآن العظيم. وأحاديث صحيحة من أحاديث النبي الكريم، وطرزته بحكايات حسنة عن الصالحين الأخيار، ونقلت فيه كثيرا مما أودعه الزمخشري في كتابه «ربيع الأبرار» وكثيرا مما نقله ابن عبد ربه في كتابه «العقد الفريد» ورجوت أن يجد مطالعه فيه كل ما يقصد ويريد، وجمعت فيه لطائف وظرائف عديدة، من منتخبات الكتب النفيسة المفيدة، وأودعته من الأحاديث النبوية، والأمثال الشعرية، والألفاظ اللغوية، والحكايات الجدية، والنوادر الهزلية، ومن الغرائب والدقائق، والأشعار والرقائق، ما تشنف بذكره الأسماع وتقر برؤيته العيون، وينشرح بمطالعته كل قلب محزون (شعر) . من كل معنى يكاد الميت يفهمه ... حسنا ويعشقه القرطاس والقلم وجعلته يشتمل على أربعة وثمانين بابا من أحسن الفنون، متوجة بألفاظ كأنها الدر المكنون، كما قال بعضهم شعرا في المعنى: ففي كل باب منه در مؤلف ... كنظم عقود زينتها الجواهر فإن نظم العقد الذي فيه جوهر على غير تأليف فما الدر فاخر وضمنته كل لطيفة، ونظمته بكل ظريفة، وقرنت الأصول فيه بالفصول، ورجوت أن يتيسر لي ما رمته من الوصول. وجعلت أبوابه مقدمة، وفصلتها في مواضعها مرتبة منظمة، ليقصد الطالب إلى كل باب منها عند الاحتياج إليه، ويعرف مكانه بالاستدلال عليه، فيجد كل معنى في بابه إن شاء الله تعالى والله المسؤول في تيسير المطلوب، وأن يلهم الناظر فيه ستر ما يراه من خلل وعيوب، إنه على ما يشاء قدير، وبالإجابة جدير، وهذه فهرست الكتاب والله سبحانه المهون للصعاب.

سلسلة قراءات فى تاريخ الاسلام والمسلمين- زين الدين يوزبا الغزى

سلسلة قراءات فى تاريخ الاسلام والمسلمين- زين الدين يوزبا الغزى زين الدين يوزبا الغزى: ذكرت المصادر أن استعداد تقى الدين للسيطرة على بلاد المغرب سنة 568 هـ/1172م قد نبه قراقوش وإبراهيم السلاح دار إلى إمكانية السيطرة والملك فى الجهات الغربية لمصر، فاتجها للسيطرة عليها، ولعل نجاحهما فى ذلك، ودعوة قراقوش لسيده تقى الدين بقوله: " إن البلاد سائبة " قد شجعت تقى الدين لدخول أرض المغرب فى المرة الثانية سنة 582 هـ/1186م، واستعد لذلك حتى إن أبا شامة يذكر أن عساكر مصر قد مالت إليه لبذله المال، وأنه قدّم مملوكه يوزبا فى المقدمة([1])، ولكن صلاح الدين لما استرضى تقى الدين ووسع رقعة إدارته كتب تقى الدين إلى مصر باستدعاء رجاله، وأخبرهم بتأخير عزم المغرب بل إبطاله، فامتثلوا الأمر، واتجهوا إلى الشام سوى مملوكه زين الدين يوزبا، فإنه اصطحب مجموعة من العسكر، واتجه بهم إلى المغرب، وغلب على إفريقية سنة 582 هـ/1186م، ولكن الموحدين هزموه، وأسروه، وأرسلوه إلى ثغر من الثغور حتى أظهر حسن بلائه، فقدموه على الجند([2]). ([1]) أبو شامة: الروضتين ج 3 ص 165، المقريزى: السلوك ج 1 ق 1 ص 92. ([2]) أبو شامة: المصدر السابق ص 166؛ المقريزى: المصدر السابق نفسه.

الإقناع والتأثير دراسة تأصيلية دعوية/

الإقناع والتأثير دراسة تأصيلية دعوية/ الإقناع والتأثير دراسة تأصيلية دعوية/ إبراهيم بن صالح الحميدان بدون 1 مجلة جامعة الإمام (العدد 49) http://elibrary.mediu.edu.my/books/SDL0692.pdf

سلسلة قراءات فى تاريخ الاسلام والمسلمين- حياة البلاذري العلمية

سلسلة قراءات فى تاريخ الاسلام والمسلمين- حياة البلاذري العلمية حياة البلاذري العلمية: تدلّ مصادر البلاذري في رواياته أنه تتلمذ على كبار المحدّثين والمؤرخين والنسّابة والأدباء في عصره. وأن ذلك كان منذ فترة مبكرة من حياة البلاذري؛ لأنه روى عن وكيع بن الجرّاح الكوفي ت 197 هـ، فقال: "حدثنا وكيع" وروى عن الواقدي ت 207هـ، فقال: "حدثني الواقدي" وغيرهم. وهذا يعنىأن البلاذري اتجه إلى طلب العلم منذ فترة مبكرة من حياته في بغداد. وتدل أخبار البلاذري أنه كان كثير الرحلات([1]) لطلب العلم، فلقد ذكر ابن عساكر([2]) أن البلاذري سمع بدمشق وحمص وأنطاكية، وذكر بعض الذين سمع منهم البلاذري في هذه البلاد، وهذا يعنى أن البلاذري سافر إليها وتلقى العلم على أيدي مشايخها، وهذا هو الواضح مما ذكره ابن عساكر، وأنه زار هذه المراكز العلمية طلباً للعلم، كما كان طابع عصره، مثله في ذلك مثل غيره من المؤرخين والعلماء. وتدل مصادر رواياته أنه زار مدينة الربذة، وزار مدن العراق (الكوفة – البصرة – واسط)، كما أخذ عن شيوخ حجازيين، وبسبب هذه الرحلات المتعددة للبلاذري تعددت مصادره بين (عراقية – شامية – حجازية – مصرية)، ولم يكن الهدف من وراء هذه الرحلات على ما يبدو إلا غرض الدراسة، وجمع أكثر ما يمكن جمعه من المصادر والمعلومات لسدّ حاجة ثقافية، كما تدلّ رواياته على اطّلاعه على مواقع الأحداث ووصفها أحيانًا. أ – ثقافة البلاذري: إن تنوع مصادر البلاذري التي تجاوزت المائة لدليل على أن البلاذري كان صاحب ثقافة واسعة([3])، وعلى ضخامة ما تلقاه من الأخبارالتي تؤهّله إلى أن يحظى بهذه المنزلة، فكان كاتبًا، أديبًا، شاعرًا، راوية للأخبار، نسّابة. وهذا واضح جليٌّ في المادة العلمية التي خلّفها لنا البلاذري في كتاب البلدان وفتوحها وأحكامها، وكتاب أنساب الأشراف. 1- رواية النسب والأخبار: إن كتب البلاذري أصدق دليل على رواية الرجل للأخبار واهتمامه بها، وقد وصفه بذلك غير واحد ممن ترجم له؛ فقال ياقوت الحموي: "وكان أحمد بن يحيى بن جابر عالمًا، فاضلاً، شاعرًا، راوية، نسّابة متقناً"([4])، وقال الحافظ ابن عساكر: "كان أديبًا راوية له كتب جياد"([5])، وقال ابن العديم: كاتب شاعر مجيد راوية الأخبار والآداب"([6]).وقال الذهبي: "حافظ أخباري علاّمة،أدرك عفان بن مسلم ومن بعده من طبقة أبي داود صاحب السنن"([7]). 2- الأدب والشعر: إن المدقـق فـي المصـادر التى ترجمت للبلاذري يجد أنها اتفقـت على شاعريـة البلاذري وأدبـه([8]). بـل إن أكبـر ترجمـة للبلاذري وردت في تراجـم الأدبـاء([9]). كما أفادت أخباره أنه لم يقل الشعر في غرض واحد من أغراض الشعر، بل تعددت أغراضه، فذكرت المصادر أنه قال شعر المديح([10])، بل إنه بذّ فيه أقرانه، كما قال شعر الهجاء([11])، والزهد والتقوى([12])، والرثاء([13])، والحكمة([14])، مما يدل على ملكة شعرية جيدة([15]).وذكر الذهبي أنه "أحد البلغاء"([16])، وقال: "العلامة الأديب المصنف"([17])، وقال: "وكان بليغًا شاعرًا محسنًا"([18])، ولقد ذكر ابن النديم" أنه كان شاعرًا راوية"([19]). كما ذكر أن له خمسين ورقة شعر وأنه كان بليغًا، شاعرًا محسنًا([20]) وعرّفه حاجي خليفة بقوله: "البلاذري: الشاعر"([21]). كما ورد أنه نقل كتاب عهد أردشير من الفارسية إلى العربية شعرًا([22]). ولا شك أن تمكن البلاذري من الشعر، وإقباله على نظمه، كان له أثر واضح في اعتماده عليه كمصدر مهم لتأييد الأخبار، ولأثر الشعر في الإيهام – أحياناً – بمصداقية الخبر؛ لأن الرواة استخدموا الشعر كدليل على صحة الحدث مع أن انتحال الراوي للخبر لا يستغرب معه انتحاله للشعر أيضًا ونسبته إلى شخص ما، ولا يعني هذا أن نغفل الأدب أو مصادر الأدب من الدراسة التاريخية، ولكن لابد من النظر إليها في ضوء المصادر التاريخية والأخبار الصحيحة. والبلاذري أورد شعرًا كثيرًا في رواياته منها ما جاء في الروايات التي ينقلها عن آخرين منسوبة إلى الصحابة، أو الذي يسجّله هو للدلالة على صحة الخبر. حتى جاء عنده أشعار كثيرة في كتابيه البلدان والأنساب لشعراء مشهورين مع أنها ليست في دواوينهم المطبوعة([23]). وهذا لا يعنى الشك فيما أورده البلاذري بقدر ما أؤكد على تفرّده برواية هذه الأشعار([24]) أحيانًا. 3- الكتابة: ذكرت المصادر أن جابر بن داود جد البلاذري كان كاتبًا للخصيب أمير مصر([25])، وقد عرّف ابن عساكر([26]) وابن العديم والذهبي([27]) وغيرهم([28]) البلاذري بقولهم: "الكاتب" وإضافة لقب الكاتب إلى البلاذري يدل على اشتغاله بالكتابة، ويبدو أنه ورثها عن جده كما كان شأن هذه الأعمال، وهي تعطينا فكرة أخرى، وهى أن أسرة البلاذري كانت معروفة بالاشتغال في دواوين الدولة، وخاصة ديوان الخراج الذي كان يعمل فيه جده، فلا يستبعد أن يكون البلاذري قد عمل في ديوان الخراج فترة من الزمن([29]) وقد استشاره الخليفة العباسي المتوكل في أمر من أمورالخراج، كما أنه اهتم بأمر الخراج في كتابه البلدان، فكان يتحدث عنه في كثير من البلدان التي تعرض للحديث عنها، وعقد له فصلاً في نهاية الكتاب. كما ألف تلميذه قدامة بن جعفر ت نحو329هـ كتابًا عن الخراج. 4- معرفة اللغة الفارسية والرومية: ذكرت المصادر معرفة البلاذري باللغة الفارسية([30])، وأنه كان أحد النقلة من اللسان الفارسي إلى اللسان العربي([31])، فترجم كتاب عهد أردشير([32])، وهو بذلك من الذين أسهموا في الترجمة من اللغة الفارسية إلى اللغة العربية([33]). كما يبدو أن البلاذري أحاط بطرف من ثقافة الروم، وهذا واضح من حوار البلاذري مع الخليفة العباسي المتوكل على الله في شأن التاريخ في بلاد الروم([34]). البلاذري في لسان الميزان تجدر الإشارة إلى أن البلاذري لم يُقل فيه جرح بالرغم أن ابن حجر ذكره في لسان الميزان وهو كتاب للضعفاء، إلا أن ما أورده ابن حجر يفيد الثقة بالرجل فقال: "صاحب التصانيف، وقال: وكان عالمًا فاضلاً نسّابة متقنًا"([35])، وقد ذكرت كلام الذهبي عنه وأنه قال: "صاحب التاريخ المشهور من طبقة أبي داود السجستاني، حافظ، أخباري، علامة"([36])، وقد ذكر الذهبي في مقدمة كتابه ميزان الاعتدال في نقد الرجال، أن من أعلي العبارات في الرواة المقبولين أن يقول "حافظ"([37])، وقد ذكره الشريف المرتضى في كتابه الشافي فقال: "وقد روي أبو الحسن أحمد بن يحيى بن جابر البلاذري، وحاله في الثقة عند العامة والبعد عن مقارنة الشيعة والضبط لما يرويه معروف"([38])، وقال في موضع آخر: "وقد روى البلاذري في تاريخه، وهو معروف الثقة والضبط وبريء من ممالأة الشيعة ومقارناتها أن..."([39]). ([1]) ذكر بيكر أن البلاذري طلب العلم في دمشق، وفي حمص ردحًا من الزمن، ودرس أيضًا بالعراق على شيوخ منهم ابن سعد. انظر دائرة المعارف الإسلامية ج 6 ص 1824. ([2]) ابن عساكر: تاريخ مدينة دمشق ج 6 ص 74 – 75. ([3]) لقد فسّر أحد الباحثين المعاصرين اشتهار البلاذري بثقافة موسوعية بأن شأنه في ذلك شأن أعلام المعتزلة، وأنه أخفي ميوله المذهبية الاعتزالية تقية؛ لأن مذهب أهل السنة قد أعيد إحياؤه منذ خلافة المتوكل. انظر د. محمود إسماعيل: سوسيولوجيا الفكر الإسلامي ص288. ولا أدرى من أي مصدر تاريخي حصل على هذا القول. ([4]) الحموي: معجم الأدباء ج 2 ص 531؛ وقارن الصفدي: الوافي ج 8 ص 240. ([5]) ابن عساكر: تاريخ ج 6 ص 75. ([6]) ابن العديم: بغية الطلب ج 3 ص 1219. (5) الذهبي: سير أعلام ج16ص36؛ تذكرة الحفاظ ج2ص892. ([8]) ياقوت: معجم الأدباءج 2 ص 534؛ ابن حجر: لسان ج 1 ص 322 – 323؛ حاجي خليفة: كشف الظنون ج 2 ص 1402؛ ابن العديم: بغية الطلب ج 3 ص 1219 – 1222، الذهبي: سير أعلام ج 13 ص 162 – 163؛ العبر ج 2 ص 249؛ الكتبي: فوات الوافيات ج 1 ص 155 – 157؛ ابن عساكر: تاريخ ج 6 ص 74 – 75؛ عمر رضا كحالة: معجم المؤلفين ص 201 – 202؛ جورجى زيدان: تاريخ آداب اللغة ج 2 ص 196. ([9]) انظر ياقوت الحموي: معجم الأدباء ج 2 ص 530 – 535، وله ترجمة في معجم الشعراء للمرزبانى ولكنها لم تصلنا. ([10]) انظر ابن عساكر: تاريخ ج 6 ص 75 – 76؛ الذهبي: سير أعلام ج 13 ص 162 – 163؛ الحموي: معجم الأدباء ج 2 ص 534. ([11]) انظر ياقوت: معجم الأدباءج 2 ص530 – 535. وقال في ذلك "وكان مع ذلك كثير الهجاء بذيء اللسان آخذًا لأعراض الناس"؛ وقارن الكتبي: فوات ج 1 ص 155 – 156؛ ابن حجر: لسان ج 1 ص 323. ([12]) ابن عساكر: ج 6 ص 75؛ وقارن ياقوت: معجم الأدباء ج 2 ص 533. وقال ابن عساكر بإسناده: "قال أخبرني أحمد بن يحيى البلاذري قال: قال لي محمود الوراق قل من الشعر ما يبقى ذكره ويزول عنك إثمه فقلت000" وأورد له أبياتًا في الزهد. ([13]) ذكر أبو بكر الصولي أشعار البلاذري في رثاء الشاعر أبي تمام حبيب بن أوس الطائي ت231 هـ. انظر: أبو بكر الصولى: أخبار أبي تمام ص 276 – 277. ([14]) انظر ابن عساكر: تاريخ ج 6 ص 75؛ وقارن الحموي: معجم الأدباء ج 2 ص 534؛ ابن العديم: بغية الطلب ج 3 ص 1222. ([15]) و يمكن إدراك مواهب البلاذري الشعرية من خلال نقاشه مع شيخه ابن الأعرابي، والذي ذكره أبو أحمد العسكري في كتابه المصون في الأدب فقال ابن الأعرابي (أي للبلاذري): أنت شاعر، فقلت (أي البلاذري) شاعر كاتب منهما علمت أروه كما رويت "نقب الخف للسرى" انظر أبو أحمد العسكري: المصون في الأدب. تحقيق عبدالسلام هارون ص 10 – 11. (9 ) الذهبي: تاريخ ج2ص289. (10) الذهبي: سير أعلام ج13ص162. (11) السابق:ج 13ص163. ([19]) الحموي: معجم الأدباء ج 2 ص 351. ([20]) ابن النديم: الفهرست ص 164؛ وقارن ابن العديم: بغية الطلب ج 3 ص 1219؛ الذهبي: سير أعلام ج 13 ص 162 – 163؛ عمر رضا كحالة: معجم المؤلفين 201 – 202. ([21]) حاجي خليفة: كشف الظنون ج 2 ص 1402. ([22]) ابن النديم: الفهرست ص 164. ([23]) وهى أبيات كثيرة في كتابيّ البلاذري لشعراء مختلفين مثل الفرزدق (انظر البلدان ص 336)، وأبي الأسود الدؤلى (انظر البلدان ص 401)، وحسان بن ثابت (انظر: أنساب ج 1 ص 237). وغيرهم ([24]) لقد استدرك محقق ديوان حسان بن ثابت بيتًا من رواية البلاذري الواردة في كتاب البلدان ص 23. ([25]) ابن النديم: الفهرست ص 125؛ الحموي: معجم الأدباء ج 2 ص 531؛ الكتبي: فوات ج 1 ص 155؛ ابن حجر: لسان ج 2 ص 27؛ بيكر: دائرة المعارف الإسلامية ج 6 ص 1824. ([26]) ابن عساكر: تاريخ ج 6 ص 74. قال: "الكاتب صاحب التاريخ". (8) الذهبي: سير أعلام ج13ص162. ([28]) ابن العديم: بغية الطلب ج 3 ص 1219، قال: "الكاتب، كاتب، أديب، شاعر، مصنّف "؛ وقارن المزي: تهذيب الكمال، قال: أحمد بن يحيى البلاذري الكاتب. (ترجمة رقم 5237). ([29]) انظر إحسان العمد: البلاذري ص 168. وذكر دى جويه في ترجمته للبلاذري قال: "وقيل إنه وظف بأحد الدواوين لبعض الخلفاء، ولكنه لم يتعين نوع الوظيفة التي كان يشغلها" 0انظر: مقدمة تحقيق فتوح البلدان. ولا أدرى من أين جاء دى جويه بهذا الكلام بالرغم من ميلى إلى ذلك، ولكن أعترف بأن المصادر لم تذكر شيئا عنه. وقارن.HILL,D ,R ,The termination of Hostilities,In, EarlyArab conquests,p.26 ([30]) ابن النديم: الفهرست ص 113؛ ياقوت: معجم الأدباء ج 2 ص 534؛ الكتبي: فوات ج 1 ص 157؛ بيكر: دائرة المعارف ج 6 ص 1824؛ جورجى زيدان: تاريخ آداب ج 2 ص 196. ([31]) ابن حجر: لسان ج 1 ص 323؛ ابن النديم: الفهرست ص 113؛ عمر رضا كحالة: معجم المؤلفين ص 201 – 202. ([32]) ابن النديم: الفهرست ص 1464. ([33]) لم تشر المصادر القديمة إلى سبب معرفة البلاذري باللغة الفارسية، ولكن الباحثين المحدثين أثاروا هذه القضية، فأرجع بعضهم ذلك إلى احتمال أن يكون البلاذري من أصل فارسى ونفي البعض ذلك. انظر 0 بيكر: دائرة المعارف ج 6 ص 1824؛ أحمد الحوفي: تيارات ثقافية بين العرب والفرس ص 246؛ بروكلمان: تاريخ الأدب العربي ج 3 ص 43؛ محمد المشهدانى: موارد البلاذري عن الأسرة الأموية ج 1 ص 45. ([34]) ياقوت الحموي: معجم الأدباء ج 2 ص 532. (7) ابن حجر: لسان الميزان ج1ص322-323.وهناك من ضعّف البلاذري بسبب ورود ترجمته في لسان الميزان.انظر د.أكرم العمري: السيرة النبوية ج1ص67، وفي رأيي أن ورود ترجمة البلاذري في اللسان يرجع إلى نظرة المحدّثين له، وبالرغم أن ابن حجر أورده في تراجم الضعفاء إلا أنه أكثر الأخذ عنه في كتاب الإصابة، وهذا بلا شك يشير إلي توثيق ابن حجر لروايته في الأخبار والأنساب. (1) الذهبي: تذكرة الحفاظ ج2ص892. (2) الذهبي: ميزان ج1ص4. (3) الشريف المرتضي: الشافي ص207. (4) السابق ص246.

سلسلة قراءات فى تاريخ الاسلام والمسلمين- اسم طرابلس ودلالته

سلسلة قراءات فى تاريخ الاسلام والمسلمين- اسم طرابلس ودلالته اسم طرابلس ودلالته: أما طرابلس([1]) ويقال أطرابلس([2]) بالألف هو الاسم العربى الصحيح الذى سميت به منذ فتحها المسلمون، فهو أول اسم عربى أطلق عليها([3])، ومعنى كلمة أطرابلس باللغة الإغريقية ثلاث مدن([4])، إذ أنها تحريف للكلمـة اليونانية "طرابليطة" التى تعنى بلغتهـم ثلاث مـدن، حيث أن "طر" معناهـا "ثلاث" " وبليطة " تعنى " مدينة"([5])، ويبدو أن " طرابليطة " هى الأخرى أيضاً تحريف للتسمية اليونانية " تربيوليتانيا " " Tripolitania "، والتى تم إطلاقها على الإقليم فى القرن الثالث الميلادى([6]). أما المقصود بالمدن الثلاث فهى مدينة " أيا Oea "، وكانت موضع مدينة طرابلس الحالية Tripolis، ولبدة فى شرقها Leptis وصبرة (سبرة – سبراته) وهى سبراته الحالية فى غربها([7])، إذ عندما انهارت صبرة (سبراته) Sabrata ولبدة ظل اسم أطرابلس عالقاً بمدينة (أياس) (أويا) وسار العرب على هذا الاستعمال الشائع([8])، هذا وقد كانت تعرف مدينة طرابلس قبل الفتح الإسلامى باسم " أيا Oea " وهى تسمية نقلتها المصادر العربية على شكل " أُياس " وفى بعضها " أناس "، ثم أطلق الاسم العام على مدينة واحدة من المدن الثلاث وهى أطرابلس([9]) دون غيرها من مدن الإقليم. ويبدو أن تسمية طرابلس بدون الألف قد استعملت منذ وقت مبكر كمرادف لتسمية أطرابلس بالألف([10]) حتى غلبت تسمية طرابلس فيما بعد، وأصبحت أكثر استعمالاً لدى المؤرخين([11]) إذ بإسقاط الألف أصبحت الكلمة أخف وأيسر نطقاً فكثر استعمالها بهذا الرسم دون الآخر([12])، وكما كان اسم طرابلس يطلق على مدينة طرابلس لما أصاب لبدة وصبراته من خراب قبيل الفتح الإسلامى، فقد يطلق لفظ طرابلس على الإقليم كله([13]) كما استخدم بعض المؤرخين المحدثين اسم طرابلس وهو يقصد إقليمى برقة وطرابلس ومنهم النائب الأنصارى فى كتابه: المنهل العذب فى تاريخ طرابلس الغرب، وابن غلبون فى كتابه: التذكار فيمن ملك طرابلس وما كان بها من الأخبار. ([1]) طرابلس: بفتح أوله وبعد الألف باء موحدة مضمومة ولام مضمومة. الحموى: معجم ج4 ص25، وقد ذكرها التيجاني بلام ساكنة استناداً إلى جواز تغيير الأسماء الأعجمية للضرورة.انظر: الرحلة ص 271 وقارن الطاهر الزاوى: معجم البلدان الليبية، بيروت، الطبعة الأولى، 1968م، ص 255، حيث يذكر أن اللام تنطق بالضم والسكون. ([2]) أطرابلس: بفتح وسكون الطاء وفتح الراء وضم الباء المنقوطة بواحدة، واللام، وفى آخرها سين مهملة، وهذا الاسم لمدينتين: أحدهما على ساحل بلاد الشام والأخرى من بلاد المغرب، وقد تسقط الألف من التى بالشام للتفرقة بينهما. السمعانى: كتاب الأنساب، تحقيق الشيخ عبد الرحمن اليمانى، طبعة حيدر آباد (د.ت) ج1 ص 298، ياقوت الحموى: معجم ج1 ص 216-217، التيجانى: الرحلة ص 271. ([3]) الطاهر الزاوى: معجم البلدان الليبية ص 25. ([4]) البكرى: المسالك والممالك ج2 ص 653، الحموى: معجم ج4 ص 25، التيجانى: الرحلة ص 271. ([5]) ابن خردذابة: كتاب المسالك والممالك، مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة، (د.ت)، ص91، مؤلف مجهول: الاستبصار فى عجائب الأمصار ص110، البكرى: المسالك والممالك ج2ص653، ياقوت الحموى: معجم البلدان ج4ص25، ويذكر أن اسم طرابلس: طرابليطه بزيادة ألف بعد الراء. ([6]) Theophanes:Chronographia of Patrolagia Greaeca edmigne،Tom،paris،1963، P30. إتورى روسى: ليبيا منذ الفتح العربى حتى سنة 1911م، ترجمة خليفة محمد التليسى، الدار العربية للكتاب، بيروت، الطبعة الثانية،1991م ص 25، د.إبراهيم خميسى: أحوال برقة وطرابلس فى أوائل العصور الوسطى، مجلة كلية الآداب، جامعة الإسكندرية، مجلد42، 1995م، ذكر د.حسين مؤنس أنها تيرى – بوليس أى المدن الثلاث انظر: تاريخ المغرب وحضارته، مطبعة العصر الحديث للنشر والتوزيع، القاهرة،1987م،ج1 ص 27. ([7]) سعد زغلول: تاريخ المغرب ج1 ص66 هامش 66، مصطفى على هويدى: ولاية طرابلس الغرب، الاسم والمضمون، مجلة البحوث التاريخية، مركز جهاد الليبيين، العددان السابع والثامن، 1992م ص319. ([8]) إتورى روسى: المصدر السابق نفسه. ([9]) الورثيلانى: رحلة الورثيلاني التي تسمى نزهة الأنظار فى فضل علم التاريخ والأخبار، دار الكتاب اللبناني، بيروت، الطبعة الثانية، 1974، ص 145، نجم الدين غالب: مدينة لبدة، (د.ن)، طرابلس، 1984م ص107، إحسان عباس: تاريخ ليبيا ص12. ([10]) انظر اليعقوبى: البلدان ص346- 347 حيث إستخدم كلمة أطرابلس بينما فى كتابه تاريخ اليعقوبى: استخدم كلمة طرابلس. انظر تاريخ اليعقوبى، طبعة دار صادر، بيروت، 1960م ج1 ص190. وقد شاركه في ذك ابن عبد الحكم: فتوح مصر ص171، مجهول: الاستبصار (استخدم التعبيرين) (طرابلس – أطرابلس) ص110-111. ([11]) ابن الأثير: الكامل في التاريخ، تحقيق د. محمد يوسف الدقاق، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولي 1987م، ج3 ص25، 89، ج6 ص139، 157، ابن خلدون: العبر ج4 ص75، المراكشى: المعجب فى تلخيص أخبار المغرب، تحقيق محمد زينهم محمد عزب، دار الفرجانى، القاهرة (د.ت) ص282، هذا بينما نجد ابن عذارى يستخدم كلمة" أطرابلس ": البيان المغرب فى أخبار الأندلس والمغرب، تحقيق ليفى بروفنسال، الطبعة الثالثة، الدار العربية للكتاب، بيروت، 1983، ج1 ص5. ([12]) الطاهر الزاوى: تاريخ الفتح العربى فى ليبيا، دار المعارف، مصر، الطبعة الثانية، 1963م ص46. ([13]) المرجع السابق ص47 وهذا يعنى أن المسلمين الفاتحين قد صبغوا البلاد صبغة عربية منذ حلولهم بها، من خلال إطلاقهم التسميات العربية على أهم مدنها مثل برقة وطرابلس.

سلسلة قراءات فى تاريخ الاسلام والمسلمين- زين الدين يوزبا الغزى

سلسلة قراءات فى تاريخ الاسلام والمسلمين- زين الدين يوزبا الغزى زين الدين يوزبا الغزى: ذكرت المصادر أن استعداد تقى الدين للسيطرة على بلاد المغرب سنة 568 هـ/1172م قد نبه قراقوش وإبراهيم السلاح دار إلى إمكانية السيطرة والملك فى الجهات الغربية لمصر، فاتجها للسيطرة عليها، ولعل نجاحهما فى ذلك، ودعوة قراقوش لسيده تقى الدين بقوله: " إن البلاد سائبة " قد شجعت تقى الدين لدخول أرض المغرب فى المرة الثانية سنة 582 هـ/1186م، واستعد لذلك حتى إن أبا شامة يذكر أن عساكر مصر قد مالت إليه لبذله المال، وأنه قدّم مملوكه يوزبا فى المقدمة([1])، ولكن صلاح الدين لما استرضى تقى الدين ووسع رقعة إدارته كتب تقى الدين إلى مصر باستدعاء رجاله، وأخبرهم بتأخير عزم المغرب بل إبطاله، فامتثلوا الأمر، واتجهوا إلى الشام سوى مملوكه زين الدين يوزبا، فإنه اصطحب مجموعة من العسكر، واتجه بهم إلى المغرب، وغلب على إفريقية سنة 582 هـ/1186م، ولكن الموحدين هزموه، وأسروه، وأرسلوه إلى ثغر من الثغور حتى أظهر حسن بلائه، فقدموه على الجند([2]). ([1]) أبو شامة: الروضتين ج 3 ص 165، المقريزى: السلوك ج 1 ق 1 ص 92. ([2]) أبو شامة: المصدر السابق ص 166؛ المقريزى: المصدر السابق نفسه.

سلسلة قراءات فى تاريخ الاسلام والمسلمين- ترجمة البلاذري

سلسلة قراءات فى تاريخ الاسلام والمسلمين- ترجمة البلاذري ترجمة البلاذري: 1 – اسمه وكنيته هو: أحمد بن يحيى بن جابر بن داود البلاذري البغدادي([1]).يكنى أبا الحسن([2])، ويقال: أبو جعفر([3])، ويقال: أبو بكر([4]). فاتفقت المصادر في اسمه واختلفت في كنيته، وليس في هذه المصادر ما يساعد على ترجيح إحداها؛ لأنها لم تذكر شيئًا عن حياة البلاذري الخاصة. 2 – نِسْبَتُه: ذكر السمعانى في الأنساب([5])، وابن الأثير في اللباب([6])، وابن حجر في لسان الميزان([7]) أن البلاذري سُمِّيَ بذلك نسبة إلى حبّ البلاذر([8])، لكثرة تناوله إياه، وإفراطه في ذلك. وذكر الذهبي "أنه وسوس بآخر عمره؛ لأنه شرب البلاذر للحفظ"([9])، وذكر ابن النديم أنه "وسوس في آخر أيامه فشدّ في البيمارستان، ومات فيه، وسبب وسوسته" أنه شرب ثمر البلاذر على غير معرفة فلحقه ما لحقه"([10]). ولقد شكَّكَ ياقوت الحموي في ذلك مستنداً إلى عبارة للجهشيارى الذي نعت جدّ أحمد ابن يحيى، والذي كان كاتبًا للخصيب أمير مصر بالبلاذري، قال ياقوت: "وقال الجهشيارى في كتاب الوزراء([11]): جابر بن داود البلاذري كان يكتب للخصيب بمصر هكذا ذكر"([12])، ثم يعقّب ياقوت فيقول: ولا أدرى أيهما شرب البلاذر: أحمد بن يحيى أو جابر بن داود، إلا أن ما ذكره الجهشيارى يدلّ على أن الذي شرب البلاذر هو جدّه؛ لأنه قال: جابر بن داود، ولعلّ ابن ابنه لم يكن حينئذ موجودًا والله أعلم"([13]). والذهبي يذكر أن البلاذري كان يشرب البلاذر للحفظ مع أنّه نقل عن الحاكم قوله في البلاذري: "كان واحد عصره في الحفظ والوعظ"([14]). وقد لفت انتباهي عند البحث في تراجم البلاذري أن الذهبي قال عن أحمد بن يحيى بن جابر بن داود " البلاذري الكبير، وأما الصغير فهو أحمد بن إبراهيم الطوسي البلاذري المتوفى سنة 339هـ" ([15])، وذكر الذهبي الكلام نفسه في تذكرة الحفّاظ([16])، وفي العبر في خبر من غبر([17])، وذكره ابن العماد الحنبلي في شذرات الذهب([18])، ووجدت في طبقات الشافعية للإسنوى أن هناك بلاذري ثالث هو: "أبو جعفر محمد بن على البلاذري"([19])، وذكر ترجمة مخالفة للرجلين السابقين([20])، وقال: ومات في نيسابور في نصف المحرم سنة 395، نقله ابن الصلاح عن الحاكم"([21]). والمراجع الحديثة([22]) ترجمت للثلاثة، ولم تذكر سبب تسمية أحد بالبلاذري إلا البلاذري صاحبنا أحمد بن يحيى بن جابر كما ورد في المصادر القديمة. فهل شرب الثلاثة ثمر البلاذر، فأطلق عليهم اللقب نفسه؟، وإذا لقّب البلاذري الكبير بهذا؛ لأنه شرب ثمر البلاذر، فلماذا لُقّب به غيره؟، وهل كان البلاذري لقبا له أم لجدّه؟([23])، كل هذا ما لا أستطيع الجزم به؛ لأن مادته في المصادر غير كافية للفصل فيه. وإن لمحت في إشارة ابن عساكر وياقوت الحموي وابن العديم إلى أن البلاذري "وسوس في آخر عمره" ولم يشيروا إلى شربه البلاذر أو غيره، ولكن المصادر المتأخرة عن هذه المصادر ربطت بين وسوسة البلاذري في آخر عمره، وبين اسمه، فجعلت أن السبب في ذلك هو شربه البلاذر، في محاولة لتعليل وسوسته([24]). ج – وفاة البلاذري: لم تحدد المصادر تاريخًا محددًا لوفاة البلاذري غير أن ابن عساكر وياقوت الحموي ذكرا أنه "توفي في أيام المعتمد"([25])، والمعتمد كما تذكر كتب التاريخ امتدت خلافته من سنة 256 وحتى سنة 279هـ([26]). كما نفي ياقوت الحموي([27]) والكتبي([28]) أن يكون البلاذري قد أدرك المعتضد (279 – 289 هـ). فقال ياقوت: "مات في أيام المعتمد على الله في أواخرها، وما أبعد أن يكون أدرك أول أيام المعتضد"([29])، وهذا يعني أنه توفي عام 279هـ([30]). ([1]) ابن عساكر: تاريخ دمشق ج6 ص 74؛ ابن العديم: بُغية الطلب في تاريخ حلب ج3 ص 1219؛ الذهبي: سير أعلام النبلاء ج13 ص162؛ حاجي خليفة: كشف الظنون عن أسامى الكتب والفنون ج 1 ص 171؛ عمر رضا كحالة: معجم المؤلفين ص 201. ([2]) المسعودي: مروج الذهب ج2 ص 54؛ ابن العديم: بغية الطلب ج 3 ص 1219؛ ابن عساكر: ج 6 ص 74؛ ابن النديم: الفهرست ص 164؛ حاجي خليفة: كشف الظنون ج 1 ص 179، ج 2 ص 1402؛ الكتبي: فوات الوفيات ج 1 ص 155. ([3]) انظر: ابن عساكر: تاريخ دمشق ج6 ص74؛ وقارن ابن تغرى بردي: النجوم الزاهرة ج 3 ص 83؛ جورجى زيدان: تاريخ آداب اللغة العربية ج 2 ص 196. ([4]) ابن عساكر: تاريخ دمشق ج 6 ص 74؛ حاجي خليفة: كشف الظنون ج 1 ص 179. ([5]) السمعانى: الأنساب ج2 ص 378. ([6]) ابن الأثير: اللباب ج1 ص 193. ([7]) ابن حجر العسقلانى: لسان الميزان ج 1 ص 322 – 323. وذكر أن هذا الكلام عند ابن عساكر، وبالرجوع إلى ترجمة البلاذري عند ابن عساكر لم أجد العبارة التي ذكرها ابن حجر، وإنما وجدت قوله "فوسوس في آخر عمره" دون أي إشارة إلى شرب البلاذر أو غيره. انظر ابن عساكر: تاريخ دمشق ج 6 ص 75. ([8]) البلاذر: شجرة تنبت في الهند، ويستخرج منها حبّ البلاذر أو عصيره ويستخدم في تقوية الذاكرة، والأعصاب. انظر الجاحظ: الحيوان ج 3 ص 359؛ ج 5 ص 573؛ وقارن داود الأنطاكى قال: هو حبّ الفهم وثمرته … وهو شجر هندي يعلو كالجوز ورقه عريض أغبر سبط، حاد الرائحة، إذا نام تحته شخص سَكِرَ …" انظر: تذكرة أولى الألباب والجامع للعجب العجاب ج 1 ص 83. ([9]) الذهبي: سير أعلام النبلاء ج 13 ص 162. ([10]) ابن النديم: الفهرست ص 164؛ وقارن بيكر: دائرة المعارف الإسلامية ج 6 ص4 182؛ جورجى زيدان: تاريخ آداب اللغة العربية ج 2 ص 196. ([11]) ولقد رجعت إلى كتاب الوزراء والكتاب للجهشيارى فوجدت تحت عنوان: كَتَبَ البلاذري للخصيب. قال: وكان يكتب للخصيب: أبو عبد الحميد بن داود البلاذري، المؤلف لكتاب البلدان وغيره من الكتب، وله أشعار حِسَان. انظر ص 256. وهى عبارة يبدو فيها الخلط الظاهر بين الجدّ والحفيد. ([12]) ياقوت الحموي: معجم الأدباء ج 2 ص 531. وقد ذكر د. شاكر مصطفي في هامش ترجمته للبلاذري قال: قالوا: يُنْسب إلى البلاذر، وهو ثمر شربه جدّه فوسوس. انظر: التاريخ العربي والمؤرخون ج 1 ص 243؛ وقارن: مارجليوس قال: ويقال إنه منسوب إلى البلاذر، وهو ثمر شربه جدّه، فسبّب له الوسوسة. انظر دراسات عن المؤرخين العرب، ترجمة حسين نصار ص 130. ([13]) ياقوت الحموي: معجم البلدان ج2 ص531. ([14]) الذهبي: العبر ج 2 ص 249. وقد أكد أحد الباحثين الشّك في أمر شرب البلاذري لثمر البلاذر فقال: "ويذكر الذهبي في سير أعلام النبلاء أن شربه البلاذر كان للحفظ، وهذا ما يؤكد الشك في الرواية، فماذا يريد أن يحفظ من بلغ الثمانين أو تجاوزها، وألحت عليه الحاجة، ولجأ إلى الناس؟، وإنما يبغى الحفظ من كان ناشئاً في بداءة الشباب، يطلب العلم ويجمعه، ويذكر صاحب الفهرست أنّه "شدَّ" في المارستان، وعبارة الذهبي "رُبط"، والعادة أن يربط أو يشد من يخشى قوته وبطشه من المجانين، فهل عند من جاوز الثمانين مثل ذلك"؟.انظر د. صلاح الدين المنجد: مقدمة تحقيق كتاب فتوح البلدان ص 12. ([15]) الذهبي: سير أعلام ج 16 ص 36. ([16]) الذهبي: تذكرة الحفاظ ج 2 ص 892. ([17]) الذهبي: العبر ج 2 ص 249. ([18]) ابن العماد الحنبلي: شذرات الذهب ج 1 ص 34. ([19]) الإسنوى: طبقات الشافعية ج 1 ص 108، (ترجمة رقم 192). ([20]) قال الإسنوى: أبو جعفر محمد بن على البلاذري: أخذ الفقه عن أبي إسحاق المروزى ببغداد، وسمع من مشيخة البصرة …" انظر طبقات الشافعية ج 1 ص 108. ([21]) المصدر السابق. وقد رجعت إلى طبقات ابن الصلاح فوجدت الكلام نفسه الذي ذكره الإسنوى. راجع: ابن الصلاح ص 20. ([22]) انظر أ.د شعبان عبد العزيز خليفة: مداخل الأسماء العربية القديمة ج 1 ص 297؛ وقارن: عمر رضا كحالة: معجم المؤلفين أو تراجم مصنفي الكتب العربية ج 2 ص 61، ص 201 – 202. ([23]) ذكر بيكر في دائرة المعارف الإسلامية أن البلاذري اختلط عقله عقب شربه عصير البلاذر دون أن يعرف مفعوله، ولهذا لقّب بالبلاذري، ولعلّ هذه القصة ترمى إلى تعليل هذا الأمر، ولكن ليس لدينا من جهة أخرى ما يقطع بأنه لم يقصد بها جده. انظر: ج 6 ص 1824. ([24]) قال د. سهيل زكار: وطالما أن كلمة البلاذري كانت ملصقة بالجدّ في وقت يحتمل فيه أن أحمد بن يحيى حفيده لم يكن قد ولد بعد، فمن غير المعقول تصوّر انتقال الكنية من الحفيد إلى الجد، لكن هذا لا ينفي إصابة البلاذري بالوسوسة في آخر أيامه، فلعل ذلك مما عاناه من ضيق ذات اليد، ومن الوحدة، وجفوة الأصدقاء، وانحراف الأصحاب، العوامل التي كان لها أثر في إصابته بهذا العارض. راجع مقدمة تحقيق كتاب جمل من أنساب الأشراف ص (ظ). ([25]) ابن عساكر: تاريخ دمشق ج 6 ص 75؛ وقارن ياقوت: معجم الأدباء ج 2 ص 530. ([26]) الطبري: تاريخ ج 10 ص29. ([27]) ياقوت: معجم الأدباء ج 2 ص 530. ([28]) الكتبي: فوات ج 1 ص 155. ([29]) ياقوت الحموي: معجم الأدباء ج 2 ص 530. ([30]) السابق؛ وقارن بيكر: دائرة المعارف الإسلامية ج 6 ص 1824؛ وقارن جورجى زيدان: قال إنه توفي عام 279 هـ، وقال أيضًا: ومات على الأغلب سنة 279 أول أيام المعتضد. انظر تاريخ آداب ج 2 ص 196.

الْكِسَائِيُّ كَلِمَةُ تَنَدُّمٍ وَتَعَجُّبٍ

الْكِسَائِيُّ كَلِمَةُ تَنَدُّمٍ وَتَعَجُّبٍ وَيْكَأَنَّ قَالَ الْكِسَائِيُّ كَلِمَةُ تَنَدُّمٍ وَتَعَجُّبٍ قَالَ تعالى: {ويكأن الله يبسط الرزق} {ويكأنه لا يفلح الكافرون} وَقِيلَ: إِنَّهُ صَوْتٌ لَا يُقْصَدُ بِهِ الْإِخْبَارُ عَنِ التَّنَدُّمِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ اسْمُ فِعْلٍ مُسَمَّاهُ نَدِمْتُ أَوْ تَعَجَّبْتُ. وَقَالَ الصَّفَّارُ: قَالَ الْمُفَسِّرُونَ مَعْنَاهُ أَلَمْ تَرَ فَإِنْ أَرَادُوا بِهِ تَفْسِيرَ الْمَعْنَى فَمُسَلَّمٌ وَإِنْ أَرَادُوا تَفْسِيرَ الْإِعْرَابِ فَلَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ. وَقِيلَ: بِمَعْنَى وَيْلَكَ فَكَانَ يَنْبَغِي كسر إن. وقيل: وي تنبيه وكأن لِلتَّشْبِيهِ وَهُوَ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ سِيبَوَيْهِ. وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَ كَأَنَّ زَائِدَةً لَا تُفِيدُ تَشْبِيهًا وَلَمْ يَثْبُتْ فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَنَّهَا لِلتَّشْبِيهِ الْأَمْرُ يُشْبِهُ هَذَا بَلْ هُوَ كَذَا. قُلْتُ: عَنْ هَذَا اعْتَذَرَ سِيبَوَيْهِ فَقَالَ الْمَعْنَى عَلَى أَنَّ الْقَوْمَ انْتَبَهُوا فَتَكَلَّمُوا عَلَى قَدْرِ عِلْمِهِمْ أَوْ نُبِّهُوا فَقِيلَ لَهُمْ أَمَا يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ ذَا عِنْدَكُمْ هَكَذَا. وَهَذَا بَدِيعٌ جِدًّا كَأَنَّهُمْ لَمْ يُحَقِّقُوا هَذَا الْأَمْرَ فَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمْ إِلَّا ظَنٌّ فَقَالُوا نُشَبِّهُ أَنْ يَكُونَ الأمر كذا ونهوا ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ هَكَذَا عَلَى وَجْهِ التَّقْرِيرِ انْتَهَى وَقَالَ صَاحِبُ الْبَسِيطِ كَأَنَّهُ عَلَى مَذْهَبِ الْبَصْرِيِّينَ لَا يُرَادُ بِهِ التَّشْبِيهُ بَلِ الْقَطْعُ وَالْيَقِينُ وَعَلَى مَذْهَبِ الْكُوفِيِّينَ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ الْكَافُ حَرْفًا لِلْخِطَابِ لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ اسْمَ فِعْلٍ لَمْ يُضَفْ. وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّهُ بِكَمَالِهِ اسْمٌ. وَذَهَبَ الْكِسَائِيُّ إِلَى أَنَّ أَصْلَهُ وَيْلَكَ فَحُذِفَتِ اللَّامُ وَفُتِحَتْ عَلَى مَذْهَبِهِ أَنَّ بِاسْمِ الْفِعْلِ قَبْلَهَا. وَأَمَّا الْوَقْفُ فَأَبُو عَمْرٍو وَيَعْقُوبُ يَقِفَانِ عَلَى الْكَافِ عَلَى مُوَافَقَةِ مَذْهَبِ الْكُوفِيِّينَ وَالْكِسَائِيُّ يَقِفُ عَلَى الْيَاءِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْبَصْرِيِّينَ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ لَمْ يَأْخُذُوا قِرَاءَتَهُمْ مِنْ نَحْوِهِمْ وَإِنَّمَا أَخَذُوهَا نَقْلًا وَإِنْ خَالَفَ مَذْهَبَهُمْ فِي النَّحْوِ وَلَمْ يَكْتُبُوهَا مُنْفَصِلَةً لِأَنَّهُ لَمَّا كَثُرَ بِهَا الْكَلَامُ وُصِلَتْ

قَالَ الْأَصْمَعِيُّ وَيْلٌ تَقْبِيحٌ.

وَيْلٌ> قَالَ الْأَصْمَعِيُّ وَيْلٌ تَقْبِيحٌ.. وَيْلٌ قَالَ الْأَصْمَعِيُّ وَيْلٌ تَقْبِيحٌ قَالَ تَعَالَى: {وَلَكُمُ الْوَيْلُ مما تصفون} . وَقَدْ تُوضَعُ مَوْضِعَ التَّحَسُّرِ وَالتَّفَجُّعِ مِنْهُ كَقَوْلِهِ: {يا ويلتنا} {يَا وَيْلَتَى أَعْجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الغراب}يَا لِنِدَاءِ الْبَعِيدِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا وَمِنْهُ قَوْلُ الدَّاعِي يَا اللَّهُ وَهُوَ {أَقْرَبُ إِلَيْهِ من حبل الوريد} . اسْتِصْغَارًا لِنَفْسِهِ وَاسْتِبْعَادًا لَهَا مِنْ مَظَانِّ الزُّلْفَى. وَقَدْ يُنَادَى بِهَا الْقَرِيبُ إِذَا كَانَ سَاهِيًا أو غافلا تنزيلا الْبَعِيدِ. وَقَدْ يُنَادَى بِهَا الْقَرِيبُ الَّذِي لَيْسَ بِسَاهٍ وَلَا غَافِلٍ إِذَا كَانَ الْخِطَابُ الْمُرَتَّبُ عَلَى النِّدَاءِ فِي مَحَلِّ الِاعْتِنَاءِ بِشَأْنِ الْمُنَادَى. وَقَدْ تُحْذَفُ نَحْوُ: {يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا} {ربنا إنك آتيت فرعون وملأه زينة} {قال ابن أم} وقد قيل في قوله تعالى: {أمن هو قانت آناء الليل} . فِي قِرَاءَةِ تَخْفِيفِ مَنْ إِنَّ الْهَمْزَةَ فِيهِ لِلنِّدَاءِ أَيْ يَا صَاحِبَ هَذِهِ الصِّفَاتِ. قَالَ ابْنُ فَارِسٍ تَأْتِي لِلتَّأَسُّفِ وَالتَّلَهُّفِ نَحْوُ: {أَلَّا يسجدوا} وَقِيلَ لِلتَّنْبِيهِ قَالَ: وَلِلتَّلَذُّذِ نَحْوُ: يَا بَرْدَهَا عَلَى الْفُؤَادِ لَوْ تَقِفْ* وَهَذَا مَعَ التَّوْفِيقِ كاف فحصلا* فِي آخِرِ النُّسْخَةِ الْمَنْقُولِ مِنْهَا مَا مِثَالُهُ. تَمَّتِ النُّسْخَةُ الْمُبَارَكَةُ بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى وَعَوْنِهِ وَحُسْنِ تَوْفِيقِهِ وَنَسْأَلُ اللَّهَ الْعَظِيمَ رَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ أَنْ يَجْعَلَهُ خَالِصًا لِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ مُقَرِّبًا بِالْفَوْزِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ وَذَلِكَ فِي الْيَوْمِ الْمُبَارَكِ السَّعِيدِ رَابِعَ عَشَرَ شَهْرِ شَعْبَانَ الْفَرْدِ مِنْ شُهُورِ سَنَةِ تِسْعٍ وَسَبْعِينَ وَثَمَانِمِائَةٍ مِنَ الْهِجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ عَلَى صَاحِبِهَا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ والحمد الله رَبِّ الْعَالَمِينَ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ وَغَفَرَ اللَّهُ لَنَا ولكم ولجميع المسلمين والحمد الله رَبِّ الْعَالَمِينَ وَإِنْ تَجِدْ عَيْبًا فَسُدَّ الْخَلَلَا ... فجل من لا فيه عيب وعلا

وحكي أن رجلا عبد الله سبعين سنة..

وحكي أن رجلا عبد الله سبعين سنة.. وحكي أن رجلا عبد الله سبعين سنة، فبينما هو في معبده ذات ليلة إذ وقفت به امرأة جميلة فسألته أن يفتح لها، وكانت ليلة شاتية فلم يلتفت إليها، وأقبل على عبادته، فولت المرأة، فنظر إليها، فأعجبته فملكت قلبه وسلبت لبه، فترك العبادة وتبعها وقال: إلى أين؟ فقالت: إلى حيث أريد. فقال: هيهات صار المراد مريدا والأحرار عبيدا. ثم جذبها فأدخلها مكانه، فأقامت عنده سبعة أيام، فعند ذلك تذكر ما كان فيه من العبادة، وكيف باع عبادة سبعين سنة بمعصية سبعة أيام، فبكى حتى غشي عليه، فلما أفاق قالت له: يا هذا والله أنت ما عصيت الله مع غيري، وأنا ما عصيت الله مع غيرك، وإني أرى في وجهك أثر الصلاح، فبالله عليك إذا صالحك مولاك فاذكرني. قال فخرج هائما على وجهه. فآواه الليل إلى خربة فيها عشرة عميان، وكان بالقرب منهم راهب يبعث إليهم في كل ليلة بعشرة أرغفة، فجاء غلام الراهب على عادته بالخبز، فمد ذلك الرجل العاصي يده، فأخذ رغيفا، فبقي منهم رجلا لم يأخذ شيئا، فقال: أين رغيفي؟ فقال الغلام: قد فرقت عليكم العشرة. فقال: أبيت طاويا، (1/16) فبكى الرجل العاصي وناول الرغيف لصاحبه وقال لنفسه: أنا أحق أن أبيت طاويا لأنني عاص، وهذا مطيع، فنام واشتد به الجوع حتى أشرف على الهلاك. فأمر الله تعالى ملك الموت بقبض روحه فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب. فقالت ملائكة الرحمة: هذا رجل فر من ذنبه، وجاء طائعا. وقالت ملائكة العذاب: بل هو رجل عاص، فأوحى الله تعالى إليهم أن زنوا عبادة السبعين سنة بمعصية السبع ليال، فوزنوها فرجحت المعصية على عبادة السبعين سنة، فأوحى الله إليهم أن زنوا معصية السبع ليال بالرغيف الذي آثر به على نفسه. فوزنوا ذلك، فرجح الرغيف فتوفته ملائكة الرحمة، وقبل الله توبته. وحكي أن رجلا جلس يوما يأكل هو وزوجته وبين أيديهما دجاجة مشوية، فوقف سائل ببابه، فخرج إليه وانتهره، فذهب، فاتفق بعد ذلك أن الرجل افتقر وزالت نعمته، وطلق زوجته، وتزوجت بعده برجل آخر، فجلس يأكل معها في بعض الأيام وبين أيديهما دجاجة مشوية، وإذا بسائل يطرق الباب، فقال الرجل لزوجته ادفعي إليه هذه الدجاجة، فخرجت بها إليه فإذا هو زوجها الأول، فدفعت إليه الدجاجة ورجعت وهي باكية، فسألها زوجها عن بكائها، فأخبرته أن السائل كان زوجها، وذكرت له قصتها مع ذلك السائل الذي انتهره زوجها الأول، فقال لها زوجها: أنا والله ذلك السائل. وذكر عن مكحول أن رجلا أتى إلى أبي هريرة رضي الله عنه فقال: ادع الله لا بني فقد وقع في نفسي الخوف من هلاكه. فقال له: ألا أدلك على ما هو أنفع من دعائي وأنجع وأسرع إجابة؟ قال: بلى. قال: تصدق عنه بصدقة تنوي بها نجاة ولدك وسلامة ما معه، فخرج الرجل من عنده، وتصدق على سائل بدرهم وقال: هذا خلاص ولدي وسلامته وما معه، فنادى في تلك الساعة مناد في البحر: ألا إن الفداء مقبول وزيد مغاث. فلما قدم سأله أبوه عن حاله فقال: يا أبت لقد رأيت في البحر عجبا يوم كذا وكذا في وقت كذا وكذا. وهو اليوم الذي تصدق فيه والده عنه بالدرهم، وذلك أنا أشرفنا على الهلاك والتلف، فسمعنا صوتا من الهواء: ألا أن الفداء مقبول وزيد مغاث. وجاءنا رجال عليهم ثياب بيض فقدموا السفينة إلى جزيرة كانت بالقرب منا وسلمنا وصرنا بخير أجمعين. والآثار والحكايات في ذلك كثيرة وفيما أشرت إليه كفاية لمن وعى وأن ليس للإنسان إلا ما سعى والله أعلم.

الفصل الرابع في الصوم وفضله

الفصل الرابع في الصوم وفضله الفصل الرابع في الصوم وفضله وما أعد الله للصائم من الأجر والثواب قال الله تعالى: يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون 183 «1» . قيل: الصوم عموم وخصوص وخصوص الخصوص: فصوم العموم هو كف البطن والفرج وسائر الجوارح عن قصد الشهوة، وصوم الخصوص هو كف السمع والبصر واللسان واليد والرجل وسائر الجوارح عن الآثام، وصوم خصوص الخصوص هو صوم القلب عن الهمم الدنية وكفه عما سوى الله بالكلية. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «زكاة الجسد الصيام» . وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «للصائم فرحتان: فرحة عند إفطاره، وفرحة عند لقاء ربه» ، وقال وكيع في قوله تعالى: كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية 24 «2» . إنها أيام الصوم تركوا فيها الأكل والشرب. وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من أفطر يوما في رمضان من غير رخصة رخصها الله له، لم يقض عنه صيام الدهر» . وروي في صحيح النسائي عنه أيضا صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب جهنم وسلسلت الشياطين» . وروى الزهري أن تسبيحة واحدة في شهر رمضان أفضل من ألف تسبيحة في غيره. وروي عن قتادة أنه كان يقول: من لم يغفر له في شهر رمضان فلن يغفر له في غيره. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو يعلم الناس ما في شهر رمضان من الخير لتمنت أمتي أن يكون رمضان السنة كلها، ولو أذن الله للسموات والأرض أن تتكلما لشهدتا لمن صام رمضان بالجنة» . وقال صلى الله عليه وسلم: «ليس من عبد يصلي في ليلة من شهر رمضان إلا كتب الله له بكل ركعة ألفا وخمسمائة حسنة، وبنى له بيتا في الجنة من ياقوتة حمراء لها سبعون ألف باب، لكل باب منها مصراعان من ذهب، وله بكل سجدة يسجدها شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام» .

حياة البلاذري العامة

سلسلة قراءات فى تاريخ الاسلام والمسلمين- حياة البلاذري العامة حياة البلاذري العامة: لم تذكر المصادر التي ترجمت للبلاذري شيئًا عن أسرته، سوى أن جدّه كان يعمل للخصيب أمير مصر([1])، ولم تذكر شيئا عن والده وولده([2])، غير أنها ذكرت أنه من أهل بغداد([3]). ويمكن أن نستدل على تحديد نسبي لتاريخ مولده من خلال ما جاء في مصادر ترجمته، التي ذكرت أنه "مدح المأمون بمدائح"([4])، والمأمون كما هو معروف توفي سنة 218هـ([5]). وهذا يعنى أن البلاذري كان عمره في عهد المأمون يؤهّله لقول الشعر الذي يسمح له بمدح خليفة كالمأمون، وأنه قد تجاوز الثلاثين من عمره أو العشرين على أقل تقدير، وهذا يعنى أنه ولد ما بين سنة (170 – 180هـ). وهناك دليل آخر على صحّة ذلك من نقول البلاذري في كتابه جمل من أنساب الأشراف([6])، فقد ذكر أنه سمع من وكيع بن الجراح بن مليح الرؤاسى الكوفي (128 – 197)([7]). قال: "حدثنا وكيع عن هشام بن عروة عن عبد الله بن جعفر عن علىّ"([8]). فإذا صحّ سماع البلاذري من وكيع فيكون قد ولد البلاذري في العقد التاسع من القرن الثاني الهجري([9])، أو في آخره على أكثر تقدير، ويكون مولده في بغداد. أ – صلة البلاذري بخلفاء الدولة العباسية ورجالها: تظهر العلاقة الحسنة بين البلاذري وخلفاء الدولة العباسية من خلال مدحه للمأمون([10]) ت 218هـ، ومجالسته للمتوكل على الله (232 – 247هـ)([11])، وقد ذكره الصولى في ندمائه([12]) "فنراه في الإعذار العظيم الذي أقامه المتوكل لابنه المعتز مصدراً في بركوارا قصر الهناء - وهو من أعظم قصور المتوكل - مع البحتري وعلى بن الجهم والحسن بن الضحاك، وعلى بن رّبن الكاتب، ويعقوب بن السكيت وأبناء حمدون النديم"([13]). كما كان المتوكل من مصادر البلاذري قال: "وأخبرنى أمير المؤمنين المتوكل رحمه الله"([14])، بل كان البلاذري أحد العلماء المقربين الذين يستشيرهم المتوكل في أمور الدولة، فلقد أشار على المتوكل بتغيير تاريخ جباية الخراج خلافًا لما اقترحه إبراهيم بن العباس الصولى الذي كلّفه الخليفة بذلك، فاقتنع المتوكل بكلام البلاذري، وأمر باتّباع ما أشار به([15]). واتصل البلاذري بالمستعين([16]) ومدحه، فأجرى عليه الرزق وقصّته في مدح المستعين رواها ابن العديم والكتبي حكاية عن البلاذري ولما آلت الخلافة إلى المعتز([18]) عهد إلى البلاذري بتأديب ابنه عبدالله([19]). ولم تذكر المصادر شيئًا عن علاقة البلاذري بالمهتدي المقتول سنة 256 هـ والمعتمد المتوفى سنة 279. والظاهر أن البلاذري قد عانى في أواخر أيامه من ضيق ذات اليد، وتأخر أرزاقه وثقل دَيْنه، وهو كبير السنّ، فدخل على عبيد الله بن يحيى بن خاقان، وكان وزيرًا للمعتمد من سنة 256 هـ فسأله العطاء، والبلاذري يحدثنا عن ذلك فيقول: "كان بيني وبين عبيد الله بن يحيى بن خاقان حُرْمة منذ أيام المتوكل وما كنت أكلّفه حاجةً لاستغنائي عنه، فنالتنى في أيام المعتمد على الله إضاقة، فدخلتُ إليه وهو جالسٌ للمظالم فشكوتُ إليه تأخّر رزقى، وثقل دينى، وقلتُ: إن عيبًا على الوزير – أعزه الله – حاجة مثلي في أيامه، وغضُّ طرْفه عنّى، فوقع لي ببعض ما أردت، وقال: أين حياؤك المانع لك من الشكوى على الاستبطاء؟ فقلت: غرْسُ البلوى يثمر ثمر الشكوى"([20]). ولكنّ عبيد الله حجبه إذ جاء إلى بابه مرة ثانية فهجاه البلاذري([21]). ثم لجأ البلاذري إلى أبي الصقر إسماعيل بن بلبل فمدحه، وكان قد تولّى الوزارة للمعتمد بعد عُبيد الله (أي من سنة 265 – وحتى سنة 277 هـ) وكتب إليه كتابًا حسنًا، وسأله أن يطلق له شيئًا من أرزاقه، فوعده ولم يفعل، فهجاه، ونعته باللئيم، وسمّى من يلجأ إليه بالذليل([22]). فلما تولّى أحمد بن صالح شيرزاد الوزارة للمعتمد بعد إسماعيل بن بلبل سنة 277 هـ، لجأ إليه البلاذري فتشاغل عنه، فهمّ أن يهجوه، فخاف وقضى حاجته([23])، كما هجا صاعدًا وزير المعتمد([24]). وهكذا وصل الحال بالبلاذري إلى هجاء الذين لا يجيزونه أو يمتنعون عن تلبية مطالبه مما جعلهم يبادرون إلى إجابته خوفًا من هجائه. ب – الأحداث العامة في عصر البلاذري: لقد عانت الخلافة العباسية تدهورًا سياسيًّا منذ أواخر القرن الثاني الهجري ومن أبرز مظاهر ذلك: الصراع بين الأمين والمأمون، وما رافق ذلك من حرب أهلية بين الأخوين، انتهت بقتل الأمين سنة 198. ونفوذ الأتراك في عهد المعتصم والواثق، والمتوكل، الأمر الذي أُدِّيَ إلى قتل الأخير من قبل ابنه محمد المنتصر سنة 247 هـ، وأصبح هناك خليفتان أحدهما ببغداد، وهو محمد المنتصر سنة 247، والثاني بسامراء وهو المستعين بالله، ومرت الخلافة العباسية بفترة عصيبة استمرت من سنة 247 وحتى سنة 256 هـ، شهدت حربا أهلية بين الأخوين المنتصر والمستعين وخلع المستعين بالله سنة 252 هـ، وقتل المعتز بالله سنة 255 هـ، وقتل المهتدي سنة 256 هـ ومشاكل أخرى منها حركة الزنج وحركات المعارضة العلوية، ونفوذ الأتراك([25])، وبالرغم من ذلك فقد كان هذا العصر من عصور الازدهار الفكري الذي ظهر أثره من خلال عدد العلماء الذين عاشوا في هذا القرن، والذين برعوا في مختلف جوانب المعرفة الإنسانية([26]). ([1]) ابن النديم: الفهرست ص 164؛ وقارن ياقوت: معجم الأدباء ج 2 ص 350، والخصيب: هو الخصيب بن عبد الحميد صاحب خراج مصر وضياعها زمن الخليفة العباسي هارون الرشيد ت 193 هـ. انظر: الفهرست ص 164؛ وقارن الجهشيارى: حيث ذكر أن هارون الرشيد ولاّه خراج مصر وضياعها. انظر: الكتاب والوزراء ص 254. ([2]) قال بيكر: ولا نعرف عن سيرته شيئًا إلا القليل، إذ لم يحقق بعد تاريخ مولده ولا تاريخ وفاته. انظر: دائرة المعارف الإسلامية ج 6 ص 1824. وذكر دى جويه في مقدمة تحقيق كتاب فتوح البلدان قال: أما المؤلف فلم نعرف عنه سوى اسمه. انظر مقدمة النسخة العربية ص 3. ([3]) انظر ياقوت الحموي: معجم الأدباء ج 2 ص 530؛ ابن عساكر: تاريخ ج 6 ص 74؛ وقارن جورجى زيدان: تاريخ آداب اللغة العربيةج 2 ص 196. ([4]) ابن عساكر: تاريخ ج 6 ص 75؛ وقارن ياقوت الحموي: معجم الأدباء ج 2 ص 350. ولم تذكر المصادر متى اتصل البلاذري بالمأمون. ([5]) انظر الطبري: تاريخ ج 8 ص 650. ([6]) البلاذري: أنساب ج 1 ص 406. ([7]) وكيع بن الجراح ذكره ابن سعد في الطبقة السابعة من أهل الكوفة، مات في المحرم سنة سبع وتسعين ومائة من خلافة محمد بن هارون، وكان ثقة مأمونًا عالمًا رفيعًا كثير الحديث حجّة. انظر الطبقات: ج 6 ص 548. وذكر الذهبي أنه أحد الأئمة الأعلام. انظر: ميزان ج 4 ص 335. وذكر ابن حجر أنه من كبار التاسعة (أي الطبقة التاسعة) مات في آخر سنة ست أو أول سنة سبع وتسعين وله سبعون سنة. انظر تقريب التهذيب ج 2 ص 255. وكلام ابن حجر هذا يعنى أن وكيع توفي سنة 296 أو 297 هـ، وهذا وهم من الحافظ ابن حجر أو أنّه أراد أن وكيع من الطبقة السابعة بدلاً من التاسعة أو حدث تحريف للفظ. على أى هذه الاحتمالات كان الخطأ في تقريب التهذيب والله أعلم. ([8]) هذا السند صحيح موصول؛ لأن ابن حجر أكد رواية وكيع عن هشام بن عروة بن الزبير بن العوام الأسدى وهو ثقة فقيه (تهذيب التهذيب ج 11 ص 123)، كما أكد رواية هشام عن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب الهاشمي ت 80 هـ وهو صحابي عن عمّه (تقريب ج 1 ص 406)، وأكد رواية عبدالله بن جعفر بن علي بن أبي طالب، وهو صحابي (تهذيب التهذيب ج 5 ص 170). ([9]) ذكر جورجى زيدان قال: ولد في آواخر القرن الثاني الهجري. انظر: تاريخ آداب ج 2 ص 196. ([10]) ابن النديم: الفهرست ص 164؛ ابن العديم: بغية الطلب ج 3 ص 1221. ([11]) لم تذكر المصادر التي ترجمت للبلاذري شيئًا عن حياته خلال فترة خلافة المعتصم ت 227 هـ، والواثق ت 232 هـ. ([12]) الحموي: معجم الأدباء ج 2 ص 530؛ ابن العديم: بغية ج 3 ص 1220؛ الذهبي: سير أعلام ج13ص 162؛ ابن حجر: لسان ج 1 ص 323؛ الكتبي: فوات ج 1 ص 155؛ وقارن بيكر: دائرة المعارف الإسلامية ج 6 ص 1824؛ جورجى زيدان: تاريخ ج 2 ص 196. ومنصب النديم من المناصب المعتمدة في البلاط العباسي في العصر الذهبي لتلك الدولة، وقد شغله عدد من المؤرخين في تلك الفترة. انظر: د. عبد العزيز عبد الغنى: التاريخ تأريخه وتفسيره ص 107؛ وقارن د. سهيل زكار حيث ذكر أن هذه المرتبة لم يصل إليها إلا أكابر الشعراء وعلى رأسهم البحترى. انظر مقدمة تحقيق كتاب أنساب الأشراف ص د. ([13]) الأوحدى: الذخائر والتحف (مخطوط) نقلاً عن د. صلاح الدين المنجد: مقدمة تحقيق كتاب فتوح البلدان ص 8. ([14]) البلاذري: البلدان ج 1 ص 151 – 152. والرواية تتناول إقطاع عبدالملك بن مروان لزوجته. ([15]) ذكر الحموي في معجم الأدباء قال: وحدّث على بن هارون بن المنجم في أماليه عن عمّه قال: حدثني أبو الحسن أحمد بن يحيى البلاذري قال: لما أمر المتوكل إبراهيم بن العباس الصولى أن يكتب فيما كان أمر به من تأخير الخراج حتى يقع في خمسٍ من حزيران، ويقع استفتاحُ الخراج فيه كتب في ذلك كتابه المعروف، وأحسن فيه غاية الإحسان، فدخل عُبيد الله بن يحيى على المتوكل فعرّفه حضور إبراهيم بن العباس وإحضاره الكتاب معه، فأمر بالإذن له، فدخل وأمره بقراءة الكتاب فقرأه، واستحسنه عبيد الله بن يحيى وكل من حضر، قال البلاذري: فدخلني حسد له فقلت: فيه خطأ. قال: فقال المتوكل: في هذا الكتاب الذي قرأه علىّ إبراهيم خطأ؟ قال: قلت: نعم. قال: يا عبيد الله وقفت على ذلك؟ قال: لا والله يا أمير المؤمنين ما وقفت منه على خطأ، قال: فأقبل إبراهيم بن العباس على الكتاب يتدبره، فلم ير فيه شيئاً فقال: يا أمير المؤمنين الخطأ لا يَعْرى منه الناس، وتدبّرت الكتاب خوفاً من أن أكون قد أغفلت شيئاً وقف عليه أحمد بن يحيى فلم أر ما أنكره، فليعرفنا موضع الخطأ، قال: فقال المتوكل: قل لنا ما هو هذا الخطأ الذي وقفت عليه في هذا الكتاب، قال: فقلت هو شيء لا يعرفه إلا على بن يحيى المنجم ومحمد بن موسى، وذلك أنّه أرّخ الشهر الرومي بالليالي، وأيام الروم قبل لياليها، فهي لا تؤرخ بالليالي وإنما يؤرخ بالليالي شهور العرب؛ لأن لياليها قبل أيامها، بسبب الأهلّة، قال: فقال إبراهيم: صدق يا أمير المؤمنين هذا ما لا علم لي به، ولا أدّعى فيه ما يدّعى قال: فغير تاريخه". انظر الحموي: معجم الأدباء ج 2 ص 532. ([16]) لقد قتل المتوكل سنة 247هـ فخلفه ابنه المنتصر، فلم يلبث إلا ستة شهور حتى قتل سنة 248 هـ فخلفه المستعين. انظر الطبري: تاريخ ج9 ص 230-256. ([17]) ابن العديم: بغية الطلب ج 3 ص 1221؛ الكتبي: فوات الوفيات ج1 ص 156، وذكر جورجى زيدان وبيكر علاقة المستعين الطيبة بالبلاذري.انظر: تاريخ آداب اللغة العربية ج 2 ص 196؛ وقارن دائرة المعارف الإسلامية ج 6 ص 1824؛ وقارن القفطى: إنباه الرواة ج 1 ص 44. ([18]) لقد أمر المعتز بقتل المستعين بعد أربع سنوات من خلافته، فقتل سنة 252هـ، وتولّى المعتز الخلافة أربع سنوات وستة أشهر وثلاثة وعشرين يومًا، ثم اجتمع الأتراك على خلعه من الخلافة وقتله.انظر الطبري: تاريخ ج9ص362-389؛ وقارن السيوطي: تاريخ ص284-285. ([19]) انظر ابن العديم: بغية الطلب ج 3 ص 1220؛ وقارن جورجى زيدان: تاريخ آداب اللغة ج 2 ص 196؛ بيكر: دائرة المعارف الإسلامية ج 6 ص 1824؛ دى جويه: مقدمة فتوح البلدان ص 3. ولعل السبب في ذلك يرجع إلى صلة البلاذري بالمتوكل أبي المعتز؛ فكان البلاذري من الذين حضروا إعذار المتوكل لابنه المعتز. ([20]) ياقوت الحموي: معجم الأدباء ج 2 ص 534 – 535. ([21]) ياقوت: معجم الأدباء ج 2 ص 532. كما هجا البلاذري وهب بن سليمان بن وهب أحد جلساء عبيد الله بن خاقان.انظر الحموي: معجم الأدباء ج 2 ص 531 – 533؛ وقارن الكتبي: فوات ج 1 ص 156 – 157. ([22]) الحموي: معجم الأدباء ج 2 ص 535 ([23]) ياقوت الحموي: معجم الأدباء ج 2 ص 533. ([24]) المصدر السابق، ولذا قال عنه ياقوت: وكان يهجو كثيرًا؛ وقارن ابن النديم: الفهرست ج 2 ص 164. ([25]) انظر الطبري: تاريخ ج 9 ص 132 440. ([26]) الجاحظ: الحيوان ج 1 ص 86 – 87.

سلسلة قراءات فى تاريخ الاسلام والمسلمين

سلسلة قراءات فى تاريخ الاسلام والمسلمين- الأوضاع السياسية فى إقليم طرابلس الأوضاع السياسية فى إقليم طرابلس فى ظل السيطرة الصقلية([1]) (540–553هـ/1145-1158م) كان لانشغال أمراء المغرب بما دهمهم من بني هلال وبني سليم أثره في إهمال أمر صقلية([2])، حتى امتدت إليها سيطرة النورمان([3])، الذين عمدوا منذ استيلائهم عليها في سنة 484 هـ/ 1091 م([4]) إلى الهيمنة على البحر المتوسط، وقد اتخذ النورمان من صقلية نقطة للانطلاق على ما جاورهم من بلاد المسلمين([5]) بقصد التوسع السياسى والسيطرة على الملاحة بين ضفتى البحر المتوسط وخدمة الأهداف الدينية باسترداد الأراضى التى كانت للمسيحيين من قبل([6])، وقد امتدت هجماتهم إلى الجزر المجاروة مثل مالطة([7]) وقوصرة([8]) وكان ذلك آخر عهد السلطان الإسلامىبجزائر البحر([9]). وكانت جزر البحر- صقلية وقوصرة – كالدرع يقى الشمال الإفريقى من غزوات النصارى والنورمان خاصة، فلما سقطت، تعرضت سواحله لغارات النورمان ([10]). وأصبحت انطلاقاتهم منذ ذلك الحين نحو الشمال الإفريقي الخاضع لحكم المسلمين؛ ليأمنوا علي أنفسهم في جزيرة صقلية، إذ أن المغرب كان القوة الوحيدة التي تناجزهم فيها، وتعمل على طردهم منها منذ أتيح لهم السيطرة على الجزء الشمالى من صقلية في سنة 444هـ/ 1052م([11]) حتى تمكنوا من الاستيلاء على جزيرة جربة في سنة 530 هـ/ 1136 م([12]). وفى سنة 536 هـ/ 1141 م أغار الأسطول النورمانى بقيادة جورجى الأنطاكى([13]) على مرسى المهدية، واستولى على ما كان راسيًا به من سفن([14])، ولم يزل يوالى عليها الغزو بأساطيله حتى استولى عليها([15]) سنة 543 هـ/1148م. وهذا يوضح أن فكرة الحروب الصليبية، والجهاد ضد المسلمين الذين وصفهم البابا أنوسنت الثانى بالكفرة وأنهم أعداء الله([16])، كان ميدانه الغرب الإسلامىقبل بلاد الشام([17]). تلا ذلك الاستيلاء على مدن الساحل المغربى ذات الأهمية الاقتصادية والمواقع الاستراتيجية ومنها طرابلس، فلم يكن الوضع فى طرابلس بأحسن منه فى المهدية، فلا ريب أن طرابلس مثلها فى ذلك مثل غيرها من المدن الساحلية، ظلت متأثرة بحركة التخريب التى قام بها العربان منذ الغزو الهلالى، مما كان له أثره فى إضعاف حال المحارس الساحلية -التى أنشأها بنو الأغلب -حول طرابلس، وحافظ عليها الفاطمييون والصنهاجيون، فقد كانت طرابلس تحت حكم بنى خزرون قبل سقوطها فى يد النورمان أصحاب صقلية، وفى عهد آ خر أمرائهم محمد بن خزرون. فلما علم رجار([18]) أن محمد بن خزرون وبطانته من بنى مطروح وهم فرع من بني هلال أمراء قابس([19]) خرجوا عن طاعة الحسن بن على([20]) وقومه، ومنعوا المغارم والجباية، طمع رجار فى الاستيلاء على طرابلس، وظن أنهم لا يقدرون على شيء، بسبب اختلافهم مع خلفاء المعز بن باديس وتفكك وحدتهم، فوجه إليها أسطولاً فى التاسع من ذى الحجة سنة 537 هـ/ 1143م "([21])، حاصرها، وعلّق النورمان الكلاليب فى سورها، ونقبوه حتى كادوا يدخلون المدينة، فاستنجد أهلها بالعرب، فأنجدوهم، فقوى بهم أهل البلد، وخرجوا إلى الأسطول، وحملوا عليه حملة منكرة، فانهزم النورمان هزيمة منكرة، وقتل منهم خلق كثير، ولحق الباقون بالأسطول، وتركوا أسلحتهم ودوابهم فنهبها العرب وأهل طرابلس([22])، ورجع الإفرنج إلى صقلية([23]). وهكذا تمكنت طرابلس بفضل تكاتف أهلها مع العرب ضد الخطر الخارجى من صد الأسطول النورمانى، وإلحاق الهزيمة به فى المحاولة الأولى لغزوها، وبقى ابن خزرون مستقلاً بطرابلس يدير شئونها. وظل أمل السيطرة على حوض البحر المتوسط وعلى بلاد المسلمين فى الشمال الإفريقى يراود رجار، فجهز أسطولاً مكونًا من مائتى سفينة تحت قيادة جورجى الأنطاكى لتوجيهه نحو طرابلس للثأر من الهزيمة فنهبوا وقتلوا ثم عادوا فى سنة 539 هـ/ 1145 م([24]). ويبدو أن مهمة هذه القوة لم تكن الاستيلاء على المدينة بقدر ما كان الهدف منها استكشاف أحوال طرابلس واستحكماتها ([1]) صِقِلِّيَّة: بثلاث كسرات وتشديد اللام، والياء أيضًا مشددة: مدينة على شاطئ بحر الروم الشمالى فيما يقابل إفريقية، ويبلغ اتساع البحر بينها وبين إفريقية فى أقرب نقطة مائة وأربعين ميلاً(تجتازها السفن فى يوم وليلة)، وبها عدة مدن وأنهار ومتنزهات غناء وثمار جيدة... انظر النويرى: نهاية ج24ص355؛ ياقوت الحموى: معجم البلدان ج3ص416-419؛ ابن غلبون: التذكار ص 11. ([2]) كان المسلمون قد بدءوا فتح صقلية سنة 212هـ/827م بالحملة التى قادها أسد بن الفرات فى عهد الأغالبة، واستمرت الحملات لفتح حصون الجزيرة حتى تم للمسلمين السيطرة عليها فى سنة 296هـ (انظر ابن الأثير الكامل: ج 5 ص 186؛ راجع د. محمود إسماعيل: الأغالبة، سياستهم الخارجية، مكتبة وراق الجامعة، فاس، الطبعة الثانية، 1978م، ص 163. ([3]) أرشيبالد: القوى البحرية ص375. ([4]) النويرى: نهاية ج24ص383؛ ابن أبى دينار: المؤنس ص86. ([5]) Scott: A history of the moorish empire in Europe V. II،III philadelphia، London 1904. PP396-397. وقارن أمارى: المكتبة العربية الصقلية، مكتبة المثنى، بغداد، 1857م ص278؛ ابن الأثير: الكامل ج8ص473؛ ابن عذارى: البيان ج1ص310-312. ([6]) Cambridge:Medieval History، England،1913 Vol5، PP174-177. Setton:Ahistory Of the Crusades،London 1969،, PP6-25 ([7]) تمكن المسلمون فى سنة 209هـ/824م من فتح جزيرة مالطة فى عهد الأغالبة، واستطاع رجار النومانى من انتزاع الجزيرة من المسلمين فى سنة 483هـ/1090م. انظر ابن الأثير: الكامل ج8ص465؛ حتى: تاريخ العرب ج2ص719. ([8]) فتح والى إفريقية عبد الرحمن بن حبيب جزيرة قوصرة المعروفة ببنترليه (Pantelleria) وظلت فى أيدى المسلمين حتى استولى عليها رجار النورمانى سنة 484هـ/1091م. انظر ابن الأثير: الكامل ج8ص476. ([9]) حسن حسنى عبد الوهاب: قصة جزيرة قوصرة العربية، المجلة التاريخية المصرية، العدد الثانى، 1949م ص 55. ولكن الأمر لم يستتب لهم بها إلا فى سنة 517هـ/1123م. الكامل ج9ص222. ([10]) أرشيبالد: القوى البحرية ص322، صابر دياب: سياسة الدول الإسلامية فى حوض البحر المتوسط من أوائل القرن الثاني الهجري حتى نهاية العصر الفاطمي، عالم الكتب، القاهرة، الطبعة الأولى 1973م ص90؛ إحسان عباس: تاريخ ليبيا ص 173. ([11]) Cambridge:Op.Cit،Vol2، PP382،Vol4, P141. وانظر: ابن الأثير: الكامل ج8ص300؛ النويرى:نهايةج24ص381. ([12]) ابن عذارى: البيان المغرب ج 1 ص 322؛ المقريزى: اتعاظ الحنفا ج 3 ص 158؛ ابن الأثير: ج9ص86 يذكرها فى سنة 529، وقارن النويرى: نهاية ج24ص245فى أحداث سنة 529هـ وقارن ابن خلدون: تاريخ ج 5 ص 237 (ويقول سنة ثلاث وخمسين). وعن هجمات النورمان لشمال إفريقية راجع راضى عبدالله عبدالحليم: التدخل النورمانى فى بلاد المغرب (509 – 558 هـ) مجلة المؤرخ المصرى، كلية الآداب، جامعة القاهرة، العدد 3 سنة 1989. ([13]) جورجى بن ميخائيل الأنطاكى: كان نصرانيًا هاجر من المشرق، وقد تعلّم اللسان العربى، وبرع فى الحساب، وتهذّب فى الشام بأنطاكية وغيرها، فاصطنعه تميم بن المعز، واستولى عليه وكان يحيى (بن تميم) يشاوره، فلما هلك تميم أغراه رجار ملك صقلية بالانضمام إلى بحريته فأعمل جورجى الحيلة للحاق برجار (فى صقلية)، فلحق به وحظي عنده، واستعمله على أسطوله، فلما اعتزم حصار المهدية بعثه لدرايته بعورات البلاد، مما أضر بالمسلمين. انظر بن خلدون ج 6 ص 191، شارل أندرية: تاريخ إفريقية الشمالية، ترجمة طلعت عوض، القاهرة،1968م، ص 141، Setton:Op.Cit P19 ([14]) ابن الأثير: الكامل ج9ص325، ابن عذارى: البيان ج 1 ص 322؛ النويرى: نهاية ج29ص383؛ ابن أبى دينار: المؤنس ص93؛ ابن غلبون: التذكار ص 51؛ سعيد عاشور: بعض أضواء على العلاقات بين بيزا وتونس فى عصر الحروب الصليبية، مجلة كلية الآداب جامعة القاهرة، مطبعة جامعة القاهرة سنة 1969م، المجلد 26 ج 1، 2، مايو – ديسمبر 1964 م ص 29 وما بعدها. ([15]) انظر التيجاني: الرحلة ص 337 – 341. ([16]) Stephenson، G.: Medieval history (Europe from the second to the sixteenth century) Harper and brotheres publishers، Newyork and London،1942 P341; Setton:Op.Cit P16 . ([17]) انظر ابن الأثير: الكامل ج6 ص13. فقد سبق لهم غزو بجاية سنة 428هـ كما ذكر أن استيلاء الإفرنج على طليطلة بالأندلس سنة 478هـ، وغزو زويلة سنة 480هـ وأن استيلائهم على صقلية وأطراف إفريقية سنة 484هـ، وأن خروجهم إلى أنطاكية ببلاد الشام كان سنة 491هـ بقيادة بوهيومند أخو رجار. Setton: Op.Cit، PP21-22، Stephenson: Op. Cit، PP34-42. ([18]) هكذا وردت عند ابن الأثير: الكامل ج9ص13؛ ابن خلدون ج5، ص230؛ ابن أبى دينار: المؤنس ص93، وفى المنهل العذب: زجار ص 122، وفى رحلة التيجانى " لجار " ص 241. ([19]) ذكر الطاهر الزاوى أن محمد بن خزرون قرب منه مشيخة بنى مطروح لما لهم من المكانة والنفوذ فى طرابلس، وأسند إليهم رياسة الجند وتدبير الأمور، وأصبح لا يصدر إلا عن رأيهم. انظر تاريخ الفتح العربى فى ليبيا ص 203، وقارن الأنصاري: المنهل العذب ص119. ([20]) الحسن بن على بن يحيى بن تميم بن المعز بن باديس بن المنصور بن بلكين الصنهاجى: تولّى أمر المهدية بعد وفاة أبيه علىّ سنة 515 هـ / 1121 م، وكان غلامًا ابن اثنتى عشرة سنة، فقام بأمره مولاه صندل، ثم مات صندل وقام بأمره مولاه موفق. انظر ابن الأثير: الكامل ج9ص207؛ النويرى: نهاية ج24ص245، ابن خلدون: ج 6 ص 190 فخلع محمد بن خزرون طاعته، وناصره، بنو مطروح، وذلك عندما تكالب الصقليون للسيطرة على الشمال الإفريقى. انظر: المنهل العذب: الأنصارى ص 122. ([21]) ابن الأثير: الكامل ج9ص326؛ أبوالفدا: المختصر ج3ص16، ابن خلدون: العبر ج 5 ص 238؛ ابن أبى دينار: المؤنس ص93 ؛ ابن غلبون: التذكار ص 55، الأنصارى: المنهل العذب ص 122. ([22]) ابن خلدون: المصدر السابق نفسه؛ وقارن إتورى روسى: ليبيا ص 103؛ Setton: Op.Cit،P23 , Cambridge: Op.Cit،Vol5, P189. ([23]) وقد أوجز ابن عذارى محاولة النورمان الاستيلاء على طرابلس هذه فقال: وفى سنة 537 هـ خرج أسطول صاحب صقلية فضرب على مدينة طرابلس فخيبه الله " البيان ج 1 ص 322 وقارن أبو الفدا: المختصر ج3ص16، وقال عنها ابن أبى دينار: " وفى سنة 537 هـ نازل اللعين مدينة طرابلس فهزموه، ولم يتعلق منها بشىء " المؤنس ص 91؛ كامللو منفرونى: إيطاليا فى الأحداث البحرية الطرابلسية، ترجمة عمر البارونى، منشورات مركز جهاد الليبيين، ليبيا، الطبعة الأولى،1988م ص26. ([24]) ابن الأثير: الكامل ج9ص332؛ انظر أوبرتور يتيتانو: النورمانديون وبنوزيرى، مجلة كلية الآداب، جامعة القاهرة مج 11 ط 1 مايو 1949 ص 188؛ السيد عبدالعزيز سالم: المغرب الكبير ج 2 ص 681، أحمد مختار العبادى: تاريخ البحرية الإسلامية، جامعة بيروت،1972م،ج 2 ص 216؛ شارل أندرية: تاريخ إفريقية ص 141.

طريقة عرض المادة الأخبارية:

طريقة عرض المادة الأخبارية: أ – البلاذري يهتم بإيراد عناوين للقضايا التاريخية التي يتحدث عنها، وكان يبدأ أغلبها بقوله "أمر" ومن ذلك قوله أمر السقيفة([1])، أو أمر عثمان بن عفان([2])، وغيرها([3])، كما كان يصنع الأمر نفسه في كتاب البلدان، فيذكر عناوين مناسبة للمواضيع التي يناقشها فيقول مثلاً: أمر الأسود العنسي([4]) أو أمر البطائح([5]) وغيرها([6]). كما كان يذكر عناوين أخرى فيقول فتوح الشام ([7])، ذكر شخوص خالد بن الوليد إلى الشام([8]) أو فتح مدينة دمشق وأرضها([9]) وغيرها من العناوين. ب – كان البلاذري يكرر بعض الأخبار إذا ناسبت بعض الموضوعات، كأن يكون الخبر يتعلق بأكثر من شخص، فيذكره في هذه التراجم كلها مثل حديثه في أمر السقيفة أو موقف عبد الله بن مسعود من خلافة عثمان وغيرها. ج – كان البلاذري يحيل القارئ عند معالجته للخبر الذي يطول ذكره نحو قوله عن معاوية: "خبر محاربته عليًّا حين طلب قتلة عثمان وصلحه الحسن"([10]) أو وقد كتبنا هذه القصة في نسب بنى مخزوم([11]) أو وقد كتبنا قول رسول الله r في أبي بكر وأمره إياه بالصلاة وخبر بيعته فيما تقدم من كتابنا([12]) أو قوله "وله أخبار مع عثمان ومعاوية وقد ذكرناها في مواضعها من هذا الكتاب"([13]). د – وكان في الوقت نفسه حينما يذكر خبرًا عرضيًّا في غير موضعه ينبه القارئ إلى أنه سيذكره فيما بعد، ومن ذلك قوله عن معاوية: "كتب إلى الحسن كتابه الذي نذكره إن شاء الله في خبر صلح الحسن ومعاوية"([14]) فيما يسمى بالإحالة على ما سيأتي. هـ- وكان البلاذري في أحيان قليلة يوضّح سبب تسمية بعض الأشخاص أو الأماكن بهذا الاسم ومن ذلك إيراده لسبب تسمية قريش([15]) بهذا الاسم، وقصي([16])، وهاشم([17]) وشيبة([18])، وسيل نهشل([19])، والنجرانية([20])، واليمامة([21])، وحديقة الموت([22]) والأنبار([23])، والأسود العنسي([24]) وغيرها. و – اهتمام البلاذري بوصف من يترجم له من الصحابة([25])، كما كان يعدد شمائله وخصاله وسنّه عند وفاته([26]) ومكان وفاته، ومَنْ صلى عليه، ومبلغ ولايته أو خلافته إن تولى، ونسله أو عقبه إن كان له، وإن لم يكن ذكر ذلك([27])، وهذه الأمور من ميزات كتاب أنساب الأشراف، كما أنها ميزة للبلاذري من بين من دونوا أحداث التاريخ. ز - تتسم روايات البلاذري بتسجيل الكثير من الرسائل والكتب والوصايا بين الخلفاء والولاة([28]). ح – كان البلاذري يحاول أن يصل إلى أقرب الألفاظ من اللفظ المروي، فلقد روى في خبر آخر كلام للنبي r في المسجد أنه قال: انظروا هذه الأبواب الشاخصة أو الشارعة أو كلمة نحوها فسدوها([29]). ط – لقد عني البلاذري بأخبار الخوارج عناية كبرى منذ نشأتهم، حتى أنه لم يترك خليفة أمويًّا يترجم له إلا ويعنون "أمر الخوارج في عهد …فلان"([30]). وفي الحقيقة إن اهتمام البلاذري بأخبار الخوارج لفت انتباه الكثير من قراء كتابه قديمًا وحديثًا، فقال الزبيدي في تاج العروس: "النواصب والناصبة وأهل النصب، وهم المتدينون ببغضة سيدنا أمير المؤمنين ويعسوب المسلمين أبي الحسن علي بن أبي طالب رضى الله تعالى عنه، وكرم وجهه؛ لأنهم نصبوا له أي عادوه، وأظهروا الخلاف وهم طائفة الخوارج، وأخبارهم مستوفاة في كتاب المعالم للبلاذري"([31]). وذكر جوتين محقق القسم الثاني من الجزء الرابع من كتاب أنساب الأشراف طبعة مكتبة دار المثنى قال: "ويظهر أن البلاذري رجع فيما يتعلق بحركة الخوارج إلى مصدر تاريخي لم يصل إلينا، ومن المحتمل أن يكون البلاذري – كما يظن الدكتور ش.د. غويتاين – قصد في بادئ الأمر وضع كتاب منفرد يبحث عن حركة الخوارج ثم استعمل المواد التي جمعها في كتاب الأنساب"([32]) وقال بيكر في ذلك: "وعلى هذا فإن الأنساب من أهم المراجع في تاريخ الخوارج"([33]). ي – وإذا ذكرت أن البلاذري كان يتجنب تكرار الأخبار داخل الكتاب الواحد فيذكر عند معالجته لحدث ما بأنه ذكر هذا الخبر تحت عنوان سابق، إذا كان ذكره قبل ذلك، بل إنه كان يتجنب تكرار الخبر – قدر استطاعته – في أكثر من كتاب، فكان يحيل إلى كتاب البلدان إذا ساقه الحديث إلى خبر ذكره في كتاب البلدان وهو يُسرد مادة كتاب الأنساب، وهذا يعني أيضًا أن البلاذري ألف كتاب البلدان قبل كتاب الأنساب، والأول كما ذكرت يهتم بالبلدان وفتوحها وأحكامها، والكتاب الثاني يهتم بتراجم الأشخاص، فكان البلاذري إذا ترجم لشخص ما، لم يذكر الأحداث التي ذكرها له في كتاب البلدان، وكان يكتفي في الغالب بالإشارة إلى أنه ذكر ذلك في كتاب البلدان، ومن ذلك قوله في ترجمة أبي عبيدة بن الجراح: "وفتح بالشام فتوحًا قد ذكرتها في الكتاب الذي ألفته في أمور البلدان"([34]) أو يقول في موضع آخر: وقد ذكرت خبره في كتاب البلدان([35]) أو وقد ذكرنا ذلك في كتاب البلدان([36]). ولو أشار إلى بعض هذه الأعمال في كتاب الأنساب كان يقول: "وقد ذكرنا خبره في كتابي الذي ألفته في أمر البلدان وفي هذا الكتاب أيضًا"([37])، وربما هذا الذي كان يضطره في بعض الأحيان إلى اختصار الأحداث بالروايات الشائعة في الباب الذي يتحدث عنه، وكانت هذه الجمل والعبارات التي يذكرها البلاذري تَدُلّ على ما اختاره البلاذري من أخبار. أو بالأحرى ما يميل إليه. ك – ويمكن من خلال دراسة روايات البلاذري في كتابيه البلدان والأنساب أن يتضح بعض غوامض الأسانيد؛ لأنه قد يفصّل الإسناد في كتاب وفي كتاب آخر يكون غامضًا، أو مختصرًا([38])، بل إنه قد يسند الخبر في كتاب، ولا يجعل له سندًا في كتابه الآخر وهو نفس الخبر([39]). ل – انعكس أثر استقرار آراء المؤرخين الأوائل (كأبي مخنف والواقدي، والكلبى والمدائني) وأسانيدهم في القرن الثالث الهجري على كتابات البلاذري فكان يختصر أسانيد الروايات المنسوبة إلى مشاهير المؤرخين (كالواقدي وأبي مخنف والمدائني والكلبي) فيقول مثلاً قال الواقدي أو قال الواقدي في إسناده([40]) دون أن يذكر السند، ولم يكن يصنع ذلك إلا مع أعلام المؤرخين، وهذه الطريقة بالرغم من أنها تحول دون معرفة شهود الرواية الحقيقيين الذين لا يحكم على صحة الرواية إلا بمعرفتهم إلا أنهم كانوا يذكرون ذلك ثقة في مصادرهم، فقد روى أبو قلابة قال: "حدثت أبا عاصم النبيل بحديث، فقال عمّن فإنه حسن، فقلت ليس له إسناد، ولكن حدثنيه أبو الحسن المدائني، فقال: سبحان الله أبو الحسن إسناد"([41]). وهذا المنهج اعتقد أنه لا يصلح أن يطبق على كل الأخبار التي يرويها مشاهير المؤرخين أو غيرهم. م – كما أن البلاذري كان يفسّر بعض الكلمات الغامضة في متن الروايات ومن ذلك قوله: "وأقاموا على الأرنط "قال: يريد الأرند"، ثم يقول: وهو النهر الذي يأتي أنطاكية ثم يصبّ في البحر بساحلها([42])، أو قوله: العقال صدقة السنة ([43])أو كان ينقل التفسير من رواية أخرى ومن ذلك في روايته أن أبا بكر وعمر ماتا ولم يجمعا القرآن، قال: "قال إسماعيل: يعنى لم يحفظاه"([44]). ن – أن البلاذري كان يختصر بعض رواياته كقوله: "حدثني على بن الحسن بن عرفة عن أبيه عن الحارث بن أبي الزبير المديني عن عبد الله بن زمعة العامرى حديثاً طويلاً اختصرته". ([1]) المصدر السابق: ج 2 ص 207. ([2]) البلاذري: أنساب ج 6 ص 99. ([3]) مثل: أمر الشورى، وأمر الوليد بن عقبة، وأمر الحمى وأمر عمار بن ياسر وأمر أبي ذر، وأمر عمرو بن العاص وغيرها. ([4]) البلاذري: البلدان ص 122. ([5])المصدر السابق: ص 338. (19) مثل: أمر الأردن، أمر حمص، أمر فلسطين، أمر قبرص. ([7]) البلاذري: البلدان ص 126. ([8]) البلاذري: البلدن ص 128. ([9]) المصدر السابق: 141. ([10]) البلاذري: أنساب ج 5 ص 21. ([11]) المصدر السابق: ج 10 ص 484. ([12]) المصدر السابق: ج 10 ص 57. ([13]) المصدر السابق: ج 10 ص 278. ([14])المصدر السابق: ج 2 ص 402. ([15]) البلاذري: أنساب ج11ص80؛ وقارن ابن هشام: السيرة النبوية ج 1 ص 109. ([16]) البلاذري: أنساب ج 1 ص 55. ([17]) المصدر السابق: ج 1 ص 65. ([18]) المصدر السابق: ج 1 ص 72. ([19]) البلاذري: البلدان ص 61. ([20]) المصدر السابق: ص 78. ([21]) المصدر السابق: ص 103. ([22]) المصدر السابق: ص 109. ([23]) المصدر السابق: ص 187. ([24])المصدر السابق: ص 123. ([25]) ومن ذلك وصف بلال بن رباح (انظر: أنساب ج 1 ص 210)، وعبد الله بن مسعود (ج 6 ص 149، ج 7 ص 224، 233)، والمقداد بن الأسود (ج 1 ص 234)، وقدامة بن مظعون (ج 1 ص 244)، وأبو بكر الصديق (ج 10 ص 57)، وعمر بن الخطاب (ح 10 ص 76)، وعثمان بن عفان (ج 6 ص 102 – 103)، وعلي بن أبي طالب (ج 2 ص 360)، ومسيلمة الكذاب (انظر البلدان: ص 106؛ وقارن الطبري: تاريخ ج 3 ص 295)؛ وطلحة بن عبيد الله أنساب (ج 10 ص 122)، والزبير بن العوام (أنساب ج 9 ص 241) وغيرهم كثير. ([26]) البلاذري: أنساب ج 1 ص 234. ([27])المصدر السابق: ج 10 ص 185. ([28]) انظر البلاذري: أنساب ج 10 ص 88، ص 226. ([29]) البلاذري: أنساب ج 2 ص 218؛ وقارن ابن هشام: السيرة النبوية ج 2 ص 1063. ([30]) مثل قوله: الخوارج أيام عبد الملك (ج7ص407)، الخوارج زمن الوليد (ج8ص95)، الخوارج زمن سليمان (ج8ص119)، الخوارج زمن عمر بن عبد العزيز (ج8ص209)، الخوارج زمن يزيد بن عبد الملك (ج8ص353). ([31]) محمد مرتضى الزبيدي: تاج العروس من جواهر القاموس ج 1 ص 487، ويقصد بكتاب المعالم هو كتاب أنساب الأشراف. ([32]) جوتين: مقدمة القسم الثاني من الجزء الرابع من كتاب أنساب الأشراف ط بغداد. ([33]) بيكر: دائرة المعارف الإسلامية ج 6 ص 1825؛ وقارن جورجى زيدان: تاريخ آداب ج 2 ص 197. ([34]) البلاذري: أنساب ج 11 ص 68. ([35]) السابق: ج 10 ص 208. ([36]) السابق: ج 10 ص 58. ([37]) السابق: ج 12 ص 183، وانظر ج 11 ص 132. ([38]) انظر البلاذري: البلدان ص 393؛ وقارن أنساب ج 10 ص 324. ([39]) انظر البلاذري: البلدان ص 507؛ وقارن أنساب ج 1 ص 365. ([40]) البلاذري: أنساب ج 2 ص 116. ([41]) انظر: الخطيب البغدادى: تاريخ ج 12 ص 155؛ وقارن ياقوت: معجم الأدباء ج 5 ص 309(ولعله يقصد أن المدائني ثقة فيما يرويه)؛ وقارن ابن حجر العسقلانى: لسان الميزان ج 4 ص 253. وقال ابن حجر أيضًا: "فكم من سند موصول برواية كذاب أو متروك أو فاحش الغلط، وكم من خبر يذكر بغير سند، وينبه على أنه من تصنيف فلان مثلاً بسند قوي، أفيرتاب من له معرفة أن الاعتماد على الثاني هو الذي يتعين قبوله ؟ أو يشك عالم أن الاعتماد على الأول هو الذي يتعين اجتنابه؟".العجاب ج1ص200. ([42]) البلاذري: البلدان ص 152. (وهو نهر العاص). (1) قال: قالوا: لما استخلف أبو بكر – رحمه الله – ارتدت طوائف من العرب ومنعت الصدقة، وقال قوم منهم: نقيم الصلاة ولانؤدي الزكاة، فقال أبو بكر t: لو منعونى عقالا لقاتلتهم، وبعض الرواة يقول: لو منعونى عناقا "والعقال " صدقة السنة.البلدان ص111. ([44]) البلاذري: أنساب ج 10 ص 97.

حياة البلاذري العلمية:

حياة البلاذري العلمية: تدلّ مصادر البلاذري في رواياته أنه تتلمذ على كبار المحدّثين والمؤرخين والنسّابة والأدباء في عصره. وأن ذلك كان منذ فترة مبكرة من حياة البلاذري؛ لأنه روى عن وكيع بن الجرّاح الكوفي ت 197 هـ، فقال: "حدثنا وكيع" وروى عن الواقدي ت 207هـ، فقال: "حدثني الواقدي" وغيرهم. وهذا يعنىأن البلاذري اتجه إلى طلب العلم منذ فترة مبكرة من حياته في بغداد. وتدل أخبار البلاذري أنه كان كثير الرحلات([1]) لطلب العلم، فلقد ذكر ابن عساكر([2]) أن البلاذري سمع بدمشق وحمص وأنطاكية، وذكر بعض الذين سمع منهم البلاذري في هذه البلاد، وهذا يعنى أن البلاذري سافر إليها وتلقى العلم على أيدي مشايخها، وهذا هو الواضح مما ذكره ابن عساكر، وأنه زار هذه المراكز العلمية طلباً للعلم، كما كان طابع عصره، مثله في ذلك مثل غيره من المؤرخين والعلماء. وتدل مصادر رواياته أنه زار مدينة الربذة، وزار مدن العراق (الكوفة – البصرة – واسط)، كما أخذ عن شيوخ حجازيين، وبسبب هذه الرحلات المتعددة للبلاذري تعددت مصادره بين (عراقية – شامية – حجازية – مصرية)، ولم يكن الهدف من وراء هذه الرحلات على ما يبدو إلا غرض الدراسة، وجمع أكثر ما يمكن جمعه من المصادر والمعلومات لسدّ حاجة ثقافية، كما تدلّ رواياته على اطّلاعه على مواقع الأحداث ووصفها أحيانًا. أ – ثقافة البلاذري: إن تنوع مصادر البلاذري التي تجاوزت المائة لدليل على أن البلاذري كان صاحب ثقافة واسعة([3])، وعلى ضخامة ما تلقاه من الأخبارالتي تؤهّله إلى أن يحظى بهذه المنزلة، فكان كاتبًا، أديبًا، شاعرًا، راوية للأخبار، نسّابة. وهذا واضح جليٌّ في المادة العلمية التي خلّفها لنا البلاذري في كتاب البلدان وفتوحها وأحكامها، وكتاب أنساب الأشراف. 1- رواية النسب والأخبار: إن كتب البلاذري أصدق دليل على رواية الرجل للأخبار واهتمامه بها، وقد وصفه بذلك غير واحد ممن ترجم له؛ فقال ياقوت الحموي: "وكان أحمد بن يحيى بن جابر عالمًا، فاضلاً، شاعرًا، راوية، نسّابة متقناً"([4])، وقال الحافظ ابن عساكر: "كان أديبًا راوية له كتب جياد"([5])، وقال ابن العديم: كاتب شاعر مجيد راوية الأخبار والآداب"([6]).وقال الذهبي: "حافظ أخباري علاّمة،أدرك عفان بن مسلم ومن بعده من طبقة أبي داود صاحب السنن"([7]). 2- الأدب والشعر: إن المدقـق فـي المصـادر التى ترجمت للبلاذري يجد أنها اتفقـت على شاعريـة البلاذري وأدبـه([8]). بـل إن أكبـر ترجمـة للبلاذري وردت في تراجـم الأدبـاء([9]). كما أفادت أخباره أنه لم يقل الشعر في غرض واحد من أغراض الشعر، بل تعددت أغراضه، فذكرت المصادر أنه قال شعر المديح([10])، بل إنه بذّ فيه أقرانه، كما قال شعر الهجاء([11])، والزهد والتقوى([12])، والرثاء([13])، والحكمة([14])، مما يدل على ملكة شعرية جيدة([15]).وذكر الذهبي أنه "أحد البلغاء"([16])، وقال: "العلامة الأديب المصنف"([17])، وقال: "وكان بليغًا شاعرًا محسنًا"([18])، ولقد ذكر ابن النديم" أنه كان شاعرًا راوية"([19]). كما ذكر أن له خمسين ورقة شعر وأنه كان بليغًا، شاعرًا محسنًا([20]) وعرّفه حاجي خليفة بقوله: "البلاذري: الشاعر"([21]). كما ورد أنه نقل كتاب عهد أردشير من الفارسية إلى العربية شعرًا([22]). ولا شك أن تمكن البلاذري من الشعر، وإقباله على نظمه، كان له أثر واضح في اعتماده عليه كمصدر مهم لتأييد الأخبار، ولأثر الشعر في الإيهام – أحياناً – بمصداقية الخبر؛ لأن الرواة استخدموا الشعر كدليل على صحة الحدث مع أن انتحال الراوي للخبر لا يستغرب معه انتحاله للشعر أيضًا ونسبته إلى شخص ما، ولا يعني هذا أن نغفل الأدب أو مصادر الأدب من الدراسة التاريخية، ولكن لابد من النظر إليها في ضوء المصادر التاريخية والأخبار الصحيحة. والبلاذري أورد شعرًا كثيرًا في رواياته منها ما جاء في الروايات التي ينقلها عن آخرين منسوبة إلى الصحابة، أو الذي يسجّله هو للدلالة على صحة الخبر. حتى جاء عنده أشعار كثيرة في كتابيه البلدان والأنساب لشعراء مشهورين مع أنها ليست في دواوينهم المطبوعة([23]). وهذا لا يعنى الشك فيما أورده البلاذري بقدر ما أؤكد على تفرّده برواية هذه الأشعار([24]) أحيانًا. 3- الكتابة: ذكرت المصادر أن جابر بن داود جد البلاذري كان كاتبًا للخصيب أمير مصر([25])، وقد عرّف ابن عساكر([26]) وابن العديم والذهبي([27]) وغيرهم([28]) البلاذري بقولهم: "الكاتب" وإضافة لقب الكاتب إلى البلاذري يدل على اشتغاله بالكتابة، ويبدو أنه ورثها عن جده كما كان شأن هذه الأعمال، وهي تعطينا فكرة أخرى، وهى أن أسرة البلاذري كانت معروفة بالاشتغال في دواوين الدولة، وخاصة ديوان الخراج الذي كان يعمل فيه جده، فلا يستبعد أن يكون البلاذري قد عمل في ديوان الخراج فترة من الزمن([29]) وقد استشاره الخليفة العباسي المتوكل في أمر من أمورالخراج، كما أنه اهتم بأمر الخراج في كتابه البلدان، فكان يتحدث عنه في كثير من البلدان التي تعرض للحديث عنها، وعقد له فصلاً في نهاية الكتاب. كما ألف تلميذه قدامة بن جعفر ت نحو329هـ كتابًا عن الخراج. 4- معرفة اللغة الفارسية والرومية: ذكرت المصادر معرفة البلاذري باللغة الفارسية([30])، وأنه كان أحد النقلة من اللسان الفارسي إلى اللسان العربي([31])، فترجم كتاب عهد أردشير([32])، وهو بذلك من الذين أسهموا في الترجمة من اللغة الفارسية إلى اللغة العربية([33]). كما يبدو أن البلاذري أحاط بطرف من ثقافة الروم، وهذا واضح من حوار البلاذري مع الخليفة العباسي المتوكل على الله في شأن التاريخ في بلاد الروم([34]). البلاذري في لسان الميزان تجدر الإشارة إلى أن البلاذري لم يُقل فيه جرح بالرغم أن ابن حجر ذكره في لسان الميزان وهو كتاب للضعفاء، إلا أن ما أورده ابن حجر يفيد الثقة بالرجل فقال: "صاحب التصانيف، وقال: وكان عالمًا فاضلاً نسّابة متقنًا"([35])، وقد ذكرت كلام الذهبي عنه وأنه قال: "صاحب التاريخ المشهور من طبقة أبي داود السجستاني، حافظ، أخباري، علامة"([36])، وقد ذكر الذهبي في مقدمة كتابه ميزان الاعتدال في نقد الرجال، أن من أعلي العبارات في الرواة المقبولين أن يقول "حافظ"([37])، وقد ذكره الشريف المرتضى في كتابه الشافي فقال: "وقد روي أبو الحسن أحمد بن يحيى بن جابر البلاذري، وحاله في الثقة عند العامة والبعد عن مقارنة الشيعة والضبط لما يرويه معروف"([38])، وقال في موضع آخر: "وقد روى البلاذري في تاريخه، وهو معروف الثقة والضبط وبريء من ممالأة الشيعة ومقارناتها أن..."([39]). ([1]) ذكر بيكر أن البلاذري طلب العلم في دمشق، وفي حمص ردحًا من الزمن، ودرس أيضًا بالعراق على شيوخ منهم ابن سعد. انظر دائرة المعارف الإسلامية ج 6 ص 1824. ([2]) ابن عساكر: تاريخ مدينة دمشق ج 6 ص 74 – 75. ([3]) لقد فسّر أحد الباحثين المعاصرين اشتهار البلاذري بثقافة موسوعية بأن شأنه في ذلك شأن أعلام المعتزلة، وأنه أخفي ميوله المذهبية الاعتزالية تقية؛ لأن مذهب أهل السنة قد أعيد إحياؤه منذ خلافة المتوكل. انظر د. محمود إسماعيل: سوسيولوجيا الفكر الإسلامي ص288. ولا أدرى من أي مصدر تاريخي حصل على هذا القول. ([4]) الحموي: معجم الأدباء ج 2 ص 531؛ وقارن الصفدي: الوافي ج 8 ص 240. ([5]) ابن عساكر: تاريخ ج 6 ص 75. ([6]) ابن العديم: بغية الطلب ج 3 ص 1219. (5) الذهبي: سير أعلام ج16ص36؛ تذكرة الحفاظ ج2ص892. ([8]) ياقوت: معجم الأدباءج 2 ص 534؛ ابن حجر: لسان ج 1 ص 322 – 323؛ حاجي خليفة: كشف الظنون ج 2 ص 1402؛ ابن العديم: بغية الطلب ج 3 ص 1219 – 1222، الذهبي: سير أعلام ج 13 ص 162 – 163؛ العبر ج 2 ص 249؛ الكتبي: فوات الوافيات ج 1 ص 155 – 157؛ ابن عساكر: تاريخ ج 6 ص 74 – 75؛ عمر رضا كحالة: معجم المؤلفين ص 201 – 202؛ جورجى زيدان: تاريخ آداب اللغة ج 2 ص 196. ([9]) انظر ياقوت الحموي: معجم الأدباء ج 2 ص 530 – 535، وله ترجمة في معجم الشعراء للمرزبانى ولكنها لم تصلنا. ([10]) انظر ابن عساكر: تاريخ ج 6 ص 75 – 76؛ الذهبي: سير أعلام ج 13 ص 162 – 163؛ الحموي: معجم الأدباء ج 2 ص 534. ([11]) انظر ياقوت: معجم الأدباءج 2 ص530 – 535. وقال في ذلك "وكان مع ذلك كثير الهجاء بذيء اللسان آخذًا لأعراض الناس"؛ وقارن الكتبي: فوات ج 1 ص 155 – 156؛ ابن حجر: لسان ج 1 ص 323. ([12]) ابن عساكر: ج 6 ص 75؛ وقارن ياقوت: معجم الأدباء ج 2 ص 533. وقال ابن عساكر بإسناده: "قال أخبرني أحمد بن يحيى البلاذري قال: قال لي محمود الوراق قل من الشعر ما يبقى ذكره ويزول عنك إثمه فقلت000" وأورد له أبياتًا في الزهد. ([13]) ذكر أبو بكر الصولي أشعار البلاذري في رثاء الشاعر أبي تمام حبيب بن أوس الطائي ت231 هـ. انظر: أبو بكر الصولى: أخبار أبي تمام ص 276 – 277. ([14]) انظر ابن عساكر: تاريخ ج 6 ص 75؛ وقارن الحموي: معجم الأدباء ج 2 ص 534؛ ابن العديم: بغية الطلب ج 3 ص 1222. ([15]) و يمكن إدراك مواهب البلاذري الشعرية من خلال نقاشه مع شيخه ابن الأعرابي، والذي ذكره أبو أحمد العسكري في كتابه المصون في الأدب فقال ابن الأعرابي (أي للبلاذري): أنت شاعر، فقلت (أي البلاذري) شاعر كاتب منهما علمت أروه كما رويت "نقب الخف للسرى" انظر أبو أحمد العسكري: المصون في الأدب. تحقيق عبدالسلام هارون ص 10 – 11. (9 ) الذهبي: تاريخ ج2ص289. (10) الذهبي: سير أعلام ج13ص162. (11) السابق:ج 13ص163. ([19]) الحموي: معجم الأدباء ج 2 ص 351. ([20]) ابن النديم: الفهرست ص 164؛ وقارن ابن العديم: بغية الطلب ج 3 ص 1219؛ الذهبي: سير أعلام ج 13 ص 162 – 163؛ عمر رضا كحالة: معجم المؤلفين 201 – 202. ([21]) حاجي خليفة: كشف الظنون ج 2 ص 1402. ([22]) ابن النديم: الفهرست ص 164. ([23]) وهى أبيات كثيرة في كتابيّ البلاذري لشعراء مختلفين مثل الفرزدق (انظر البلدان ص 336)، وأبي الأسود الدؤلى (انظر البلدان ص 401)، وحسان بن ثابت (انظر: أنساب ج 1 ص 237). وغيرهم ([24]) لقد استدرك محقق ديوان حسان بن ثابت بيتًا من رواية البلاذري الواردة في كتاب البلدان ص 23. ([25]) ابن النديم: الفهرست ص 125؛ الحموي: معجم الأدباء ج 2 ص 531؛ الكتبي: فوات ج 1 ص 155؛ ابن حجر: لسان ج 2 ص 27؛ بيكر: دائرة المعارف الإسلامية ج 6 ص 1824. ([26]) ابن عساكر: تاريخ ج 6 ص 74. قال: "الكاتب صاحب التاريخ". (8) الذهبي: سير أعلام ج13ص162. ([28]) ابن العديم: بغية الطلب ج 3 ص 1219، قال: "الكاتب، كاتب، أديب، شاعر، مصنّف "؛ وقارن المزي: تهذيب الكمال، قال: أحمد بن يحيى البلاذري الكاتب. (ترجمة رقم 5237). ([29]) انظر إحسان العمد: البلاذري ص 168. وذكر دى جويه في ترجمته للبلاذري قال: "وقيل إنه وظف بأحد الدواوين لبعض الخلفاء، ولكنه لم يتعين نوع الوظيفة التي كان يشغلها" 0انظر: مقدمة تحقيق فتوح البلدان. ولا أدرى من أين جاء دى جويه بهذا الكلام بالرغم من ميلى إلى ذلك، ولكن أعترف بأن المصادر لم تذكر شيئا عنه. وقارن.HILL,D ,R ,The termination of Hostilities,In, EarlyArab conquests,p.26 ([30]) ابن النديم: الفهرست ص 113؛ ياقوت: معجم الأدباء ج 2 ص 534؛ الكتبي: فوات ج 1 ص 157؛ بيكر: دائرة المعارف ج 6 ص 1824؛ جورجى زيدان: تاريخ آداب ج 2 ص 196. ([31]) ابن حجر: لسان ج 1 ص 323؛ ابن النديم: الفهرست ص 113؛ عمر رضا كحالة: معجم المؤلفين ص 201 – 202. ([32]) ابن النديم: الفهرست ص 1464. ([33]) لم تشر المصادر القديمة إلى سبب معرفة البلاذري باللغة الفارسية، ولكن الباحثين المحدثين أثاروا هذه القضية، فأرجع بعضهم ذلك إلى احتمال أن يكون البلاذري من أصل فارسى ونفي البعض ذلك. انظر 0 بيكر: دائرة المعارف ج 6 ص 1824؛ أحمد الحوفي: تيارات ثقافية بين العرب والفرس ص 246؛ بروكلمان: تاريخ الأدب العربي ج 3 ص 43؛ محمد المشهدانى: موارد البلاذري عن الأسرة الأموية ج 1 ص 45. ([34]) ياقوت الحموي: معجم الأدباء ج 2 ص 532. (7) ابن حجر: لسان الميزان ج1ص322-323.وهناك من ضعّف البلاذري بسبب ورود ترجمته في لسان الميزان.انظر د.أكرم العمري: السيرة النبوية ج1ص67، وفي رأيي أن ورود ترجمة البلاذري في اللسان يرجع إلى نظرة المحدّثين له، وبالرغم أن ابن حجر أورده في تراجم الضعفاء إلا أنه أكثر الأخذ عنه في كتاب الإصابة، وهذا بلا شك يشير إلي توثيق ابن حجر لروايته في الأخبار والأنساب. (1) الذهبي: تذكرة الحفاظ ج2ص892. (2) الذهبي: ميزان ج1ص4. (3) الشريف المرتضي: الشافي ص207. (4) السابق ص246.