الجمعة، 14 يونيو 2013
دور مماليك الدولة الأيوبية فى السيطرة على برقة وطرابلس وغيرهما من بلاد المغرب:
دور مماليك الدولة الأيوبية فى السيطرة على برقة وطرابلس وغيرهما من بلاد المغرب:
ذكرت قبل ذلك جانبًا كبيرًا من دور قراقوش وإبراهيم بن قراتكين السلاح دار للسيطرة على برقة، وبقى الآن أن أشير إلى محاولة المماليك إقامة ملك ودولة فى بلاد المغرب وأدوار أخرى لهم فى السيطرة على برقة وطرابلس. وقد أُطلق على هؤلاء المماليك لفظ الغز (Oghuz): وهى التسمية العربية لفرع من القبائل التركية التى كانت تقطن قبيل ظهور الإسلام رقعة واسعة من أواسط آسيا تمتد من تخوم الصين شرقاً إلى البحر الأسود غربًا، يقول ابن خلدون:"وكان الظهور فيهم (الأتراك) لقبيلة الغز من شعوبهم وهم الخوز، إلا أن استعمال العرب لها عَرّب خاءها المعجمة غينًا، وقد أدغمت واوها فى الزاى الثانية فصارت زايًا واحدة مشددة، وقتالهم مناضلة بالسهام"([1]).
وكان اعتناق الغز للإسلام فى النصف الثانى من القرن الرابع الهجرى/العاشر الميلادى، وقد عرفوا لدى المؤرخين العرب باسم (التركمان)، ولدى الروم البيزنطيين باسم (Ouzoi) ولدى المغاربة فى مصنفاتهم باسم (الغز-الأغزاز-الغزيون-الغزية) للدلالة على الجنود المرتزقة من التركمان([2])، الذين وفدوا إلى شمال إفريقية عن طريق مصر منذ منتصف القرن السادس الهجرى/الثانى عشر الميلادى.
وكان على رأس أول هذه الفرق من الأغزاز فى هذه الفترة المغامر الأرمنى شرف الدين قراقوش الملقب بالغزى، والذى تمكن كما ذكرت سلفًا بفضل التحالف مع بنى غانية الميورقيين المحاولين استعادة ملك المرابطين فى بلاد المغرب من انتزاع معظم بلاد المغرب الأدنى والأوسط ومن بينها برقة وطرابلس من أيدى الموحدين والحفصيين من بعدهم، وكان لقدومهم وأعمالهم الحربية آثار سيئة على المنطقة أولا وعلى علاقات الموحدين بالدولة الأيوبية ثانيا، فقد كانت أعمال الأغزاز ببلاد المغرب أحد الأسباب الرئيسة التى حالت دون تلبية المنصور لطلب صلاح الدين فى الاستعانة بالبحرية المغربية فى اعتراض سبيل المدد الصليبى الوافد بحرًا إلى بلاد الشام لمساندة الحملة الصليبية الثالثة فى حصارها المضروب على عكا([3]).
والحقيقة أن محاولة قراقوش لإقامة ملك ودولة للمماليك على أرض برقة وطرابلس لم تكن أول محاولة لمماليك مصـر فى تاريخ الإقليم، فقد سبقـه إلى ذلك شاهملك الغزى مملوك الأمير الأفضل بن أمير الجيوش، ولكن بلغ الأفضل عنه ما اضطره إلى إبعاده عن مصر، فهرب هو وأصحابه وتوجهوا إلى المغرب، فلما وصل طرابلس تقبله أهلها أميراً تخلصاً من أميرهم(محمد بن خزرون)، فلما سمع تميم بن المعز (454-501هـ/1062-1107م) بخبره، أرسل العساكر إلى طرابلس، فاستولت عليها، وقبضت على شاهملك، وأُخذ ومن معه إلى تميم بالمهدية([4]) وذلك فى سنة 488هـ/1095م.
وقد ذكر أبو شامة فى سبب خروج إبراهيم السلاح دار إلى بلاد المغرب أن نفسه أطمعته أن يفعل فعل قراقوش فى تملك البلاد([5]).
([1]) التعريف بابن خلدون ورحلته غربًا وشرقًا، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان،الطبعة الأولى، 1992م، ص358.
([2]) أمين الطيبى: الأغزاز وقدومهم إلى بلاد المغرب، مجلة البحوث التاريخية، مركز جهاد الليبيين،العدد الثانى،1983م ص288.
([3]) أبو شامة: الروضتين ج3ص165، ابن خلدون: العبر ج6ص246،القلقشندى: صبح الأعشى ج6ص530.
([4]) ابن الأثير: الكامل ج10 ص164؛ النويرى: نهاية ج24ص231.
([5]) الروضتين: ج3ص63.
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق