الجمعة، 14 يونيو 2013

طريقة عرض المادة الأخبارية:

طريقة عرض المادة الأخبارية: أ – البلاذري يهتم بإيراد عناوين للقضايا التاريخية التي يتحدث عنها، وكان يبدأ أغلبها بقوله "أمر" ومن ذلك قوله أمر السقيفة([1])، أو أمر عثمان بن عفان([2])، وغيرها([3])، كما كان يصنع الأمر نفسه في كتاب البلدان، فيذكر عناوين مناسبة للمواضيع التي يناقشها فيقول مثلاً: أمر الأسود العنسي([4]) أو أمر البطائح([5]) وغيرها([6]). كما كان يذكر عناوين أخرى فيقول فتوح الشام ([7])، ذكر شخوص خالد بن الوليد إلى الشام([8]) أو فتح مدينة دمشق وأرضها([9]) وغيرها من العناوين. ب – كان البلاذري يكرر بعض الأخبار إذا ناسبت بعض الموضوعات، كأن يكون الخبر يتعلق بأكثر من شخص، فيذكره في هذه التراجم كلها مثل حديثه في أمر السقيفة أو موقف عبد الله بن مسعود من خلافة عثمان وغيرها. ج – كان البلاذري يحيل القارئ عند معالجته للخبر الذي يطول ذكره نحو قوله عن معاوية: "خبر محاربته عليًّا حين طلب قتلة عثمان وصلحه الحسن"([10]) أو وقد كتبنا هذه القصة في نسب بنى مخزوم([11]) أو وقد كتبنا قول رسول الله r في أبي بكر وأمره إياه بالصلاة وخبر بيعته فيما تقدم من كتابنا([12]) أو قوله "وله أخبار مع عثمان ومعاوية وقد ذكرناها في مواضعها من هذا الكتاب"([13]). د – وكان في الوقت نفسه حينما يذكر خبرًا عرضيًّا في غير موضعه ينبه القارئ إلى أنه سيذكره فيما بعد، ومن ذلك قوله عن معاوية: "كتب إلى الحسن كتابه الذي نذكره إن شاء الله في خبر صلح الحسن ومعاوية"([14]) فيما يسمى بالإحالة على ما سيأتي. هـ- وكان البلاذري في أحيان قليلة يوضّح سبب تسمية بعض الأشخاص أو الأماكن بهذا الاسم ومن ذلك إيراده لسبب تسمية قريش([15]) بهذا الاسم، وقصي([16])، وهاشم([17]) وشيبة([18])، وسيل نهشل([19])، والنجرانية([20])، واليمامة([21])، وحديقة الموت([22]) والأنبار([23])، والأسود العنسي([24]) وغيرها. و – اهتمام البلاذري بوصف من يترجم له من الصحابة([25])، كما كان يعدد شمائله وخصاله وسنّه عند وفاته([26]) ومكان وفاته، ومَنْ صلى عليه، ومبلغ ولايته أو خلافته إن تولى، ونسله أو عقبه إن كان له، وإن لم يكن ذكر ذلك([27])، وهذه الأمور من ميزات كتاب أنساب الأشراف، كما أنها ميزة للبلاذري من بين من دونوا أحداث التاريخ. ز - تتسم روايات البلاذري بتسجيل الكثير من الرسائل والكتب والوصايا بين الخلفاء والولاة([28]). ح – كان البلاذري يحاول أن يصل إلى أقرب الألفاظ من اللفظ المروي، فلقد روى في خبر آخر كلام للنبي r في المسجد أنه قال: انظروا هذه الأبواب الشاخصة أو الشارعة أو كلمة نحوها فسدوها([29]). ط – لقد عني البلاذري بأخبار الخوارج عناية كبرى منذ نشأتهم، حتى أنه لم يترك خليفة أمويًّا يترجم له إلا ويعنون "أمر الخوارج في عهد …فلان"([30]). وفي الحقيقة إن اهتمام البلاذري بأخبار الخوارج لفت انتباه الكثير من قراء كتابه قديمًا وحديثًا، فقال الزبيدي في تاج العروس: "النواصب والناصبة وأهل النصب، وهم المتدينون ببغضة سيدنا أمير المؤمنين ويعسوب المسلمين أبي الحسن علي بن أبي طالب رضى الله تعالى عنه، وكرم وجهه؛ لأنهم نصبوا له أي عادوه، وأظهروا الخلاف وهم طائفة الخوارج، وأخبارهم مستوفاة في كتاب المعالم للبلاذري"([31]). وذكر جوتين محقق القسم الثاني من الجزء الرابع من كتاب أنساب الأشراف طبعة مكتبة دار المثنى قال: "ويظهر أن البلاذري رجع فيما يتعلق بحركة الخوارج إلى مصدر تاريخي لم يصل إلينا، ومن المحتمل أن يكون البلاذري – كما يظن الدكتور ش.د. غويتاين – قصد في بادئ الأمر وضع كتاب منفرد يبحث عن حركة الخوارج ثم استعمل المواد التي جمعها في كتاب الأنساب"([32]) وقال بيكر في ذلك: "وعلى هذا فإن الأنساب من أهم المراجع في تاريخ الخوارج"([33]). ي – وإذا ذكرت أن البلاذري كان يتجنب تكرار الأخبار داخل الكتاب الواحد فيذكر عند معالجته لحدث ما بأنه ذكر هذا الخبر تحت عنوان سابق، إذا كان ذكره قبل ذلك، بل إنه كان يتجنب تكرار الخبر – قدر استطاعته – في أكثر من كتاب، فكان يحيل إلى كتاب البلدان إذا ساقه الحديث إلى خبر ذكره في كتاب البلدان وهو يُسرد مادة كتاب الأنساب، وهذا يعني أيضًا أن البلاذري ألف كتاب البلدان قبل كتاب الأنساب، والأول كما ذكرت يهتم بالبلدان وفتوحها وأحكامها، والكتاب الثاني يهتم بتراجم الأشخاص، فكان البلاذري إذا ترجم لشخص ما، لم يذكر الأحداث التي ذكرها له في كتاب البلدان، وكان يكتفي في الغالب بالإشارة إلى أنه ذكر ذلك في كتاب البلدان، ومن ذلك قوله في ترجمة أبي عبيدة بن الجراح: "وفتح بالشام فتوحًا قد ذكرتها في الكتاب الذي ألفته في أمور البلدان"([34]) أو يقول في موضع آخر: وقد ذكرت خبره في كتاب البلدان([35]) أو وقد ذكرنا ذلك في كتاب البلدان([36]). ولو أشار إلى بعض هذه الأعمال في كتاب الأنساب كان يقول: "وقد ذكرنا خبره في كتابي الذي ألفته في أمر البلدان وفي هذا الكتاب أيضًا"([37])، وربما هذا الذي كان يضطره في بعض الأحيان إلى اختصار الأحداث بالروايات الشائعة في الباب الذي يتحدث عنه، وكانت هذه الجمل والعبارات التي يذكرها البلاذري تَدُلّ على ما اختاره البلاذري من أخبار. أو بالأحرى ما يميل إليه. ك – ويمكن من خلال دراسة روايات البلاذري في كتابيه البلدان والأنساب أن يتضح بعض غوامض الأسانيد؛ لأنه قد يفصّل الإسناد في كتاب وفي كتاب آخر يكون غامضًا، أو مختصرًا([38])، بل إنه قد يسند الخبر في كتاب، ولا يجعل له سندًا في كتابه الآخر وهو نفس الخبر([39]). ل – انعكس أثر استقرار آراء المؤرخين الأوائل (كأبي مخنف والواقدي، والكلبى والمدائني) وأسانيدهم في القرن الثالث الهجري على كتابات البلاذري فكان يختصر أسانيد الروايات المنسوبة إلى مشاهير المؤرخين (كالواقدي وأبي مخنف والمدائني والكلبي) فيقول مثلاً قال الواقدي أو قال الواقدي في إسناده([40]) دون أن يذكر السند، ولم يكن يصنع ذلك إلا مع أعلام المؤرخين، وهذه الطريقة بالرغم من أنها تحول دون معرفة شهود الرواية الحقيقيين الذين لا يحكم على صحة الرواية إلا بمعرفتهم إلا أنهم كانوا يذكرون ذلك ثقة في مصادرهم، فقد روى أبو قلابة قال: "حدثت أبا عاصم النبيل بحديث، فقال عمّن فإنه حسن، فقلت ليس له إسناد، ولكن حدثنيه أبو الحسن المدائني، فقال: سبحان الله أبو الحسن إسناد"([41]). وهذا المنهج اعتقد أنه لا يصلح أن يطبق على كل الأخبار التي يرويها مشاهير المؤرخين أو غيرهم. م – كما أن البلاذري كان يفسّر بعض الكلمات الغامضة في متن الروايات ومن ذلك قوله: "وأقاموا على الأرنط "قال: يريد الأرند"، ثم يقول: وهو النهر الذي يأتي أنطاكية ثم يصبّ في البحر بساحلها([42])، أو قوله: العقال صدقة السنة ([43])أو كان ينقل التفسير من رواية أخرى ومن ذلك في روايته أن أبا بكر وعمر ماتا ولم يجمعا القرآن، قال: "قال إسماعيل: يعنى لم يحفظاه"([44]). ن – أن البلاذري كان يختصر بعض رواياته كقوله: "حدثني على بن الحسن بن عرفة عن أبيه عن الحارث بن أبي الزبير المديني عن عبد الله بن زمعة العامرى حديثاً طويلاً اختصرته". ([1]) المصدر السابق: ج 2 ص 207. ([2]) البلاذري: أنساب ج 6 ص 99. ([3]) مثل: أمر الشورى، وأمر الوليد بن عقبة، وأمر الحمى وأمر عمار بن ياسر وأمر أبي ذر، وأمر عمرو بن العاص وغيرها. ([4]) البلاذري: البلدان ص 122. ([5])المصدر السابق: ص 338. (19) مثل: أمر الأردن، أمر حمص، أمر فلسطين، أمر قبرص. ([7]) البلاذري: البلدان ص 126. ([8]) البلاذري: البلدن ص 128. ([9]) المصدر السابق: 141. ([10]) البلاذري: أنساب ج 5 ص 21. ([11]) المصدر السابق: ج 10 ص 484. ([12]) المصدر السابق: ج 10 ص 57. ([13]) المصدر السابق: ج 10 ص 278. ([14])المصدر السابق: ج 2 ص 402. ([15]) البلاذري: أنساب ج11ص80؛ وقارن ابن هشام: السيرة النبوية ج 1 ص 109. ([16]) البلاذري: أنساب ج 1 ص 55. ([17]) المصدر السابق: ج 1 ص 65. ([18]) المصدر السابق: ج 1 ص 72. ([19]) البلاذري: البلدان ص 61. ([20]) المصدر السابق: ص 78. ([21]) المصدر السابق: ص 103. ([22]) المصدر السابق: ص 109. ([23]) المصدر السابق: ص 187. ([24])المصدر السابق: ص 123. ([25]) ومن ذلك وصف بلال بن رباح (انظر: أنساب ج 1 ص 210)، وعبد الله بن مسعود (ج 6 ص 149، ج 7 ص 224، 233)، والمقداد بن الأسود (ج 1 ص 234)، وقدامة بن مظعون (ج 1 ص 244)، وأبو بكر الصديق (ج 10 ص 57)، وعمر بن الخطاب (ح 10 ص 76)، وعثمان بن عفان (ج 6 ص 102 – 103)، وعلي بن أبي طالب (ج 2 ص 360)، ومسيلمة الكذاب (انظر البلدان: ص 106؛ وقارن الطبري: تاريخ ج 3 ص 295)؛ وطلحة بن عبيد الله أنساب (ج 10 ص 122)، والزبير بن العوام (أنساب ج 9 ص 241) وغيرهم كثير. ([26]) البلاذري: أنساب ج 1 ص 234. ([27])المصدر السابق: ج 10 ص 185. ([28]) انظر البلاذري: أنساب ج 10 ص 88، ص 226. ([29]) البلاذري: أنساب ج 2 ص 218؛ وقارن ابن هشام: السيرة النبوية ج 2 ص 1063. ([30]) مثل قوله: الخوارج أيام عبد الملك (ج7ص407)، الخوارج زمن الوليد (ج8ص95)، الخوارج زمن سليمان (ج8ص119)، الخوارج زمن عمر بن عبد العزيز (ج8ص209)، الخوارج زمن يزيد بن عبد الملك (ج8ص353). ([31]) محمد مرتضى الزبيدي: تاج العروس من جواهر القاموس ج 1 ص 487، ويقصد بكتاب المعالم هو كتاب أنساب الأشراف. ([32]) جوتين: مقدمة القسم الثاني من الجزء الرابع من كتاب أنساب الأشراف ط بغداد. ([33]) بيكر: دائرة المعارف الإسلامية ج 6 ص 1825؛ وقارن جورجى زيدان: تاريخ آداب ج 2 ص 197. ([34]) البلاذري: أنساب ج 11 ص 68. ([35]) السابق: ج 10 ص 208. ([36]) السابق: ج 10 ص 58. ([37]) السابق: ج 12 ص 183، وانظر ج 11 ص 132. ([38]) انظر البلاذري: البلدان ص 393؛ وقارن أنساب ج 10 ص 324. ([39]) انظر البلاذري: البلدان ص 507؛ وقارن أنساب ج 1 ص 365. ([40]) البلاذري: أنساب ج 2 ص 116. ([41]) انظر: الخطيب البغدادى: تاريخ ج 12 ص 155؛ وقارن ياقوت: معجم الأدباء ج 5 ص 309(ولعله يقصد أن المدائني ثقة فيما يرويه)؛ وقارن ابن حجر العسقلانى: لسان الميزان ج 4 ص 253. وقال ابن حجر أيضًا: "فكم من سند موصول برواية كذاب أو متروك أو فاحش الغلط، وكم من خبر يذكر بغير سند، وينبه على أنه من تصنيف فلان مثلاً بسند قوي، أفيرتاب من له معرفة أن الاعتماد على الثاني هو الذي يتعين قبوله ؟ أو يشك عالم أن الاعتماد على الأول هو الذي يتعين اجتنابه؟".العجاب ج1ص200. ([42]) البلاذري: البلدان ص 152. (وهو نهر العاص). (1) قال: قالوا: لما استخلف أبو بكر – رحمه الله – ارتدت طوائف من العرب ومنعت الصدقة، وقال قوم منهم: نقيم الصلاة ولانؤدي الزكاة، فقال أبو بكر t: لو منعونى عقالا لقاتلتهم، وبعض الرواة يقول: لو منعونى عناقا "والعقال " صدقة السنة.البلدان ص111. ([44]) البلاذري: أنساب ج 10 ص 97.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق