الجمعة، 14 يونيو 2013

سلسلة قراءات فى تاريخ الاسلام والمسلمين- سيطرة قراقوش على طرابلس للمرة الأولى

سلسلة قراءات فى تاريخ الاسلام والمسلمين- سيطرة قراقوش على طرابلس للمرة الأولى سيطرة قراقوش على طرابلس للمرة الأولى: تركنا قراقوش سائرًا يفتح مناطق متعددة من إقليم برقة ويجيى أموالها لنفسه، ويجعل من اسم صلاح الدين وتقى الدين ستارًا شرعيًا لأعماله حتى وصل إلى نواحى زويلة وودان وسويقة بن مثكود وزليطن ولبدة ومسلاته([1])، واجتمع بدباب وهم عرب من بنى سليم، فأقاموا وإياه فى سويقة بنى مثكود عشرة أيام حشد فيها أكبر عدد من الأتباع، فكان جملة من انضم إليه من دباب خمسة آلاف. ونهض قراقوش بمن التف حوله إلى جبل نفوسة من ضواحى طرابلس الغرب، فاستولى عليه، واستخلص منه أموالاً عظيمة أرضى بها العرب([2])، استجلابًا لإخلاصهم له، وباستيلائه على الجبل حفظ خط الرجعة لنفسه، ولم يبق وراءه من يخافه من الشرق والجنوب ودخل قلعة أم العز ووادى محسن([3])، وخلص لقراقوش من تلك الغنائم ألفان وثلاثمائة جمل له خاصة، ولرجاله لكل واحد منهم ما بين أربعين وثلاثين جملا أو أكثر([4]). وذكر أبو شامة أن تقى الدين أخبر أن قلعة أزبرى([5]) وهى فم درب المغرب، وكانت خرابًا فأشير عليه بعمارتها، وقيل له متى عُمرت وسكنها أجناد أقوياء شجعان مُلكت برقة، وإذا ملكت برقة ملك ما وراءها، فأنفذ مملوكه بهاء الدين قراقوش([6])، وقدّمه على جماعة من أجناده ومماليكه، فصاروا إلى القلعة المذكورة، وشرعوا فى عمارتها([7]). وكثيرا ما كانت تحدث الاختلافات بين قراقوش وقراتكين على مناطق السيطرة حيث تم تقسيم جبل نفوسة بين الأميرين، لقراقوش شرق الجبل ولقراتكين غربه([8])، كما وقع بين الفرقتين حروب كثيرة على مناطق النفوذ كان منها وقعة واد محسن والتى كانت الدائرة فيها على قراقوش، ولم ينج من رجاله إلا مائة وأربعون فارسًا فحسب، ثم أطلق له قراتكين بقية رجاله، فنزل بهم قراقوش على تاجوراء ففتحها ونهب منها أموالا عظيمة([9]). ثم دخل قراقوش طرابلس، وانفردت رواية أبى شامة أن قراقوش دخل طرابلس وفيها ابن مطروح وأنه طلب منه أن يفرض على طرابلس مبلغا من المال يحملونه إليه فى كل سنة، ويرجع عن طرابلس، فأجابه قراقوش إلى ذلك ورحل عنهم([10]). وانضم إلى قراقوش شيخ الدواودة مسعود بن زمام من بنى هلال أمير الرياحيين المعروف بمسعود البلاط([11])، وكان خارجًا عن طاعة عبدالمؤمن بن على، ولم يدخل فى طاعته هو وقومه لما فتح عبدالمؤمن إفريقية، ولما دخلت قبيلة رياح فى طاعة الموحدين، فر مسعود بقومه إلى نواحى طرابلس([12]) مع الأعراب الممتنعين عن البيعة للموحدين فتارة يكون مع بنى دباب وتارة يكون مع إخوانهم زغب، فلما سمع بوصول قراقوش ومن معه من رماة الغز، انضم إليهم بمن معه من الرياحيين([13]). واستعان قراقوش بمن التف حوله من العربان من هلال وسليم ومن أطلق عليهم ابن خلدون ذؤبان العرب، فحاصر بهم طرابلس وكانت إذ ذاك خالية من الأقوات والأجناد؛ لأنهم بعد بيعتهم لعبد المؤمن، واستقرار بلدهم فى ملك الموحدين، لم يتوقعوا ثائرًا ولا مخالفًا([14])، إشارة إلى ما كانت تتمتع به طرابلس من الأمان في عهد الموحدين، فلما دخلها قراقوش ضيق على أهلها حتى افتتحها، واستولى عليها، ونزل بأهله وعياله فى قصرها([15])، واجتمع إليه العرب من هلال وسليم، وفرض لهم العطاء، واستبد بملك طرابلس، وما وراءها([16]). وأصبح يملك ما بين طرابلس وفزان، ومن جبل نفوسة إلى حدود برقة الشرقية، وأقام دعوة مواليه بنى أيوب([17]). ثم أخذ زوارة وزواغة ولماية وصبرة، وملك كثيرًا من بلاد إفريقية ما خلا المهدية وصفاقس وقفصة وتونس، و ما والاها من القرى والمواضع، وتوقع من بتونس وغيرها شره([18]). وأضاف ابن شاهنشاه أن العرب من بنى دباب كانت تسرق من تستطيع سرقته من الغز الأتراك من أصحاب قراقوش، ومَنْ لقوه منفردًا قتلوه([19]). وتنتهى المرحلة الأولى من أعمال قراقوش برجوعه إلى مصر لما رغب أصحابه فى الرجوع إليها، وخشيته أن يقيم وحده، فاستناب بأوجلة، وقال لأهلها: أنا أمضى إلى مصر لتجديد رجال، وأعود إليكم([20])، فلما رجع إلى مصر طاب له المقام، وثقلت عليه العودة، وزوجه تقى الدين بإحدى جواريه([21])، ولما أراد شرف الدين قراقوش العودة إلى بلاد المغرب لاستكمال انتصاراته وفتوحاته، أخذ جماعة من جنده، وخرج إلى المغرب، فأمر العادل الأمير خلطبا بن موسى والى القاهرة، بالقبض عليه، فسار إلى الفيوم وأخذه محمولاً إلى القاهرة([22])، وكان ذلك فى سنة اثنين وسبعون وخمسمائة للهجرة. ويبدو أن انتصارات قراقوش في حملته الأولى على برقة وطرابلس قد أغرته بمواصلة نضاله حتى يفوز بأكبر قدر من الغنائم، ولا نستبعد أن نفسه قد أطمعته بالفوز بتأسيس دولة، وأن فكرة محاولة إقامة المماليك دولة لهم قد بدأت في المغرب الإسلامي قبل محاولة المشرق، ولكنها نجحت قي المشرق وفشلت في المغرب. ففى سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة أُطلق شرف الدين قراقوش التقوى، وسار إلى أوجلة وغيرها من بلاد المغرب([23])، وانفرد المقريزى بقوله إن قراقوش وإبراهيم السلاح دار سارا إلى مدينة الرّوحان وهى من نواحى برقة([24])، فنازلاها أربعين يومًا حتى فتحت، وقتل حاكمها، وقررا عليها أربعة عشر ألف دينار، وملكا مدينة غُدامس، بغير قتال، وقررا على أهلها اثنا عشر ألف دينار([25]). ويبدو أن إبراهيم بن قراتكين انضم إلى قراقوش فى هذه الفترة، واشترك معه فى بعض فتوحاته، فلقد ذكر أبو شامة أنهما فتحا معًا بلادًا فى سنة 576 هـ/1180م، وذكرمن بينها طرابلس الغرب مما قد يعنى أنه كان يستكمل فتح جميع مناطق الإقليم، كما ذكر أنه اتجه إلى قابس فى سنة 577 هـ/1181م، وفتحها وفتح جملة من القلاع([26]). ومن الملاحظ من خلال روايات أبى شامة أن قراقوش عندما عاد إلى بلاد المغرب مرة ثانية كان يدخل البلاد التى فتحها قبل ذلك، وكأنها انتقضت عليه. ثم حدثت مصالحة بين قراقوش وقراتكين تم الاتفاق بموجبها استخلاف قراتكين على البلاد التى فتحها لنفسه وفتحها قراقوش على أن يتجه قراقوش إلى ما بعدها من بلاد قابس، فإن فتحها قراقوش ترك جميع ما كان فى يده لقراتكين بشرط أن يحفظ قراتكين أهل قراقوش وماله عند غيابه([27]). وبعد عام من خروج قراقوش من طرابلس وصل إلى أسماع قراتكين إشاعة موت قراقوش، فسارع إلى النزول على قلعة أم العز وحاصرها، وأخرج منها أهل قراقوش وحسام البقش أحد ثقاته ومعه نفر قليل، وأخذ جميع ما كان فيها من أموال، فلما علم قراقوش عاد إلى طرابلس وحاصر قراتكين، فطلب الأمان ورحل إلى بلاد المغرب الأقصى فى خدمة يوسف بن عبد المؤمن ثالث خلفاء الموحدين(ت580هـ/1184م) وملك قراقوش ما كان بيد قراتكين([28]). وصار قراقوش من جبل نفوسة إلى قابس فى سنة (579هـ/1183م)، فغنم منها أموالا عظيمة فرقها على أصحابه، وكان بنفوسة غلاء فى هذا العام فأعطى جنوده ما أقام بهم بقية سنتهم وعاد إلى نفوسة([29]). وصار مع قراقوش عسكر كثير فحكم على تلك البلاد بمساعدة العرب، وبما جبلت عليه من التخريب والنهب والفساد بقطع الأشجار والثمار وغير ذلك، وجمع أموالاً عظيمة وجعلها بمدينة قابس، وقويت نفسه، وحدثته بالاستيلاء على جميع إفريقية لبعد أبى يعقوب يوسف بن عبدالمؤمن صاحبها عنه([30]). ومما يؤكد أن قرقوش دخل طرابلس فى سنة 568 هـ/1172م، ما ذكره التيجانى فى رحلته أنه رأى ظهيرًا([31]) بتوقيع قراقوش حول توسيع أو تسويغ أملاك لبعض أهل طرابلس، وتاريخ الظهير عام تسع وسبعين([32])- أي سنة (579 هـ/1183م)، مما يدل على أن وصول قراقوش إلى طرابلس فى المرة الأولى لم يتأخر حتى سنة 586 هـ/1190م، كما ذكر التيجانى فى قوله: " وقد قدمنا فيما سلف من كتابنا هذا الخبر عن وصول قراقوش من المشرق فى سنة ست وثمانين وخمسمائة، وأنه حصر طرابلس بمن التف عليه من العربان حتى استولى عليها"([33])، وأكبر الظن أن هذا سهو من التيجانى، وأن الصواب هو سنة 568هـ/1172م، وهو ما ذكره فى روايته الأولى التى يشير إليها، (ولعل تاريخ 586 هـ/1190م) يشير إلى سيطرة قراقوش على طرابلس للمرة الثانية). وإن صح ما رجحته يكون خروج ابن مطروح من طرابلس متجهًا إلى المشرق سنة 568 هـ/1172م، هو تاريخ استيلاء قراقوش عليها، وبعدها خرج ابن مطروح من طرابلس، ولم يكن فى مقدور الموحدين أن يخفوا لنجدة طرابلس، خصوصًا، وأن قراقوش وحلفاءه شغلوهم بسرعة تجاوز طرابلس والهجوم على منطقة قابس وغيرها من بلاد الموحدين. ([1]) انظر الملحق (11) يوضح خط سير حملة قراقوش على برقة وطرابلس. ([2]) ابن شاهنشاه: مضمار ص60، التيجانى: الرحلة ص 113؛ ابن الأثير: الكامل ج 10 ص 47، ابن خلدون: العبر ج 6 ص 227، النائب الأنصارى: المنهل ج 1 ص 132. ([3]) يعرف هذا الوادى اليوم بوادى الهيرة: بفتح الهاء وسكون الياء، ويعنى الأرض السهلة، وهو بهذه الصفة وأرضه خصبة. انظر الزاوى: تاريخ الفتح، وزاد فى تحقيقه لكتاب التذكار بقوله: وهو من أراضى ورشفانه غربى العزيزية وشمالها. ([4]) ابن شاهنشاه: مضمار ص63. ([5]) قلعة أزبرى: قلعة بجبل نفوسة. انظر ابن شاهنشاه: مضمار ص61. ([6]) هكذا ذكره أبو شامة وهو خطأ والصواب شرف الدين، ويبدو أن فى الأمر خلطًا مع بهاء الدين قراقوش. ([7]) أبو شامة: الروضتين ج 2 ص 274. ([8]) ابن شاهنشاه: مضمار ص61؛ وقارن أبو شامة: الروضتين ج3ص36. ([9]) ابن شاهنشاه: مضمار ص63. ([10]) أبو شامة: الروضتين ج3ص94. ([11]) انظر ابن الأثير: الكامل ج 10 ص 47، ابن واصل: مفرج الكروب ج 1 ص 236؛، وقارن التيجانى: الرحلة ص 113 حيث ذكره (مسعود بن رمان أمير الرياحيين)؛ ابن خلدون: العبر ج 6 ص 227؛ ابن غلبون: التذكار ص 66؛ النائب الأنصارى: المنهل ج 1 ص 132 – 133. ([12]) نزل ببلاد الهبط ما بين قصر كتامة المعروف بالقصر الكبير إلى ساحل البحر. المنهل ص 133. ([13]) التيجانى: الرحلة ص 113، ابن الأثير: الكامل ج 1 ص47، النويرى: نهاية ج24ص325، ابن خلدون: العبرج6 ص 277، النائب: المنهل ج 1 ص 133، وذكر أن قراقوش دعاه إلى إظهار دعوة مواليه بنى أيوب فأجابه. ([14]) التيجانى: الرحلة ص 243؛ وقال فى موضع آخر: وصادف بلادًا لم تتوقع ثائرًا ولا مخالفًا، فهى خالية من الأجناد ومن العدد والأقوات، فاستولى عليها فعظم إذ ذاك أمره. انظر الرحلة: ص 113. ([15]) ذكر الطاهر الزاوى أن قراقوش هو الذى بنى هذا القصر الذى ما زالت بقاياه بقرية قرقارش وهى محرفة عن اسم قراقش. انظر تاريخ الفتح العربى فى ليبيا ص 15، وقال فى تحقيقه لكتاب التذكار فيمن ملك طرابلس وما كان بها من الأخبار: توجد بلدة قريبة من مدينة طرابلس ومن ضواحيها على نحو ثلاثة أميال إلى الجهة الغريبة منها تسمى قرقارش، وهى محرفة عن اسم قراقش وبها أطلال قصر قديم. انظر هامش رقم (1) ص 67 من كتاب التذكار. ([16]) ابن خلدون: العبر ج 5 ص 341، ج 6 ص 227، التيجانى: الرحلة ص 113. ([17]) ابن الأثير: الكامل ج 10 ص 47، أبو شامة: الروضتين ج 2 ص 175؛ النائب: المنهل ج 1 ص 133. ([18]) ابن شاهنشاه: مضمار ص63، ابن الأثير: المصدر السابق؛ ابن غلبون: التذكار ص 67، النائب: المصدرالسابق. ([19]) المضمار: ص64. ([20]) أبوشامة: الروضتين ج 2 ص 275؛ وقارن المقريزى: السلوك ج 1 ق 1 ص 60. ([21]) أبوشامة: المصدرالسابق. ([22]) المقريزى: السلوك ج 1 ق 1 ص 64. ([23]) المقريزى المصدر السابق ص 65. ([24]) المقريزى: المصدر السابق ص 64 ([25]) المقريزى: السلوك ج 1 ق 1 ص 66. ([26]) ابن شاهنشاه: مضمار ص60، أبوشامة: الروضتين ج 3ص 93 – 94. ([27]) المضمار: ص79. ([28]) ابن شاهنشاه: المضمار ص95-98، أبوشامة: الروضتين ج3ص66. ([29]) ابن شاهنشاه: المضمار ص 192، أبوشامة: الروضتين ج3ص 95. ([30]) التيجانى: الرجلة ص 114. ([31]) ذكر القلقشندى تحت عنوان " فيما كان يكتب عن مدّعى الخلافة ببلاد المغرب والأندلس:الظهائر: جمع ظهير، وهو المُعين، سمى مرسوم الخليفة أو السلطان ظهيرًا لما يقع به من المعاونة لمن كُتب له. انظر: القلقشندى: صبح الأعشى ج 10 ص 229. ([32]) الرحلة ص 243. ([33]) التيجانى: المصدر السابق ؛ وقارن النويرى: نهاية ج24ص325.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق