الجمعة، 14 يونيو 2013

وَالثَّالِثُ: أَنْ تُرِيدَ مَا أَتَاكَ رَجُلٌ وَاحِدٌ

وَالثَّالِثُ: أَنْ تُرِيدَ مَا أَتَاكَ رَجُلٌ وَاحِدٌ وَالثَّالِثُ: أَنْ تُرِيدَ مَا أَتَاكَ رَجُلٌ وَاحِدٌ وَلَا أَكْثَرُ مِنْ ذلكفَإِنْ قُلْتَ: مَا أَتَانِي مِنْ رَجُلٍ كَانَ نَفْيًا لِذَلِكَ كُلِّهِ قَالَ هَذَا مَعْنَى كَلَامِهِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ مِنْ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ تَعُمُّ وَتَسْتَغْرِقُ. وَيَلْتَحِقُ بِالنَّفْيِ الِاسْتِفْهَامُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {هَلْ ترى من فطور} وجوز الأخفش زيادتها في الإثبات كقوله: {غفر لكم من ذنوبكم} . وَالْمُرَادُ الْجَمِيعُ بِدَلِيلِ: {إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جميعا} فَوَجَبَ حَمْلُ الْأَوَّلِ عَلَى الزِّيَادَةِ دَفْعًا لِلتَّعَارُضِ. وَقَدْ نُوزِعَ فِي ذَلِكَ بِأَنَّهُ إِنَّمَا يَقَعُ التَّعَارُضُ لَوْ كَانَتَا فِي حَقِّ قَبِيلٍ وَاحِدٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ الْآيَةَ الَّتِي فِيهَا مِنْ قوم نُوحٍ وَالْأُخْرَى لِهَذِهِ الْأُمَّةِ. فَإِنْ قِيلَ: فَإِذَا غُفِرَ لِلْبَعْضِ كَانَ الْبَعْضُ الْآخَرُ مُعَاقَبًا عَلَيْهِ فَلَا يَحْصُلُ كَمَالُ التَّرْغِيبِ فِي الْإِيمَانِ إِلَّا بِغُفْرَانِ الْجَمِيعِ. وَأَيْضًا: فَكَيْفَ يَحْسُنُ التَّبْعِيضُ فِيهَا مَعَ أَنَّ الْإِسْلَامَ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ فَيَصِحُّ قَوْلُ الْأَخْفَشِ فَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ الْمُرَادَ بِغُفْرَانِ بَعْضِ الذُّنُوبِ فِي الدُّنْيَا لِأَنَّ إِغْرَاقَ قَوْمِ نُوحٍ عَذَابٌ لَهُمْ وَذَلِكَ إِنَّمَا كَانَ فِي الدُّنْيَا مُضَافًا إِلَى عَذَابِ الْآخِرَةِ فَلَوْ آمَنُوا لَغُفِرَ لَهُمْ مِنَ الذُّنُوبِ مَا اسْتَحَقُّوا بِهِ الْإِغْرَاقَ فِي الدُّنْيَا وَأَمَّا غُفْرَانُ الذَّنْبِ بِالْإِيمَانِ فِي الْآخِرَةِ فَمَعْلُومٌ. وَالثَّانِي: أَنَّ الْكَافِرَ إِذَا آمَنَ فَقَدْ بَقِيَ عَلَيْهِ ذُنُوبٌ وَهِيَ مَظَالِمُ الْعِبَادِ فَثَبَتَ التَّبْعِيضُ بِالنِّسْبَةِ لِلْكَافِرِ الثَّالِثُ: أَنَّ قَوْلَهُ: {ذُنُوبِكُمْ} يَشْمَلُ الْمَاضِيَةَ وَالْمُسْتَقْبَلَةَ فَإِنَّ الْإِضَافَةَ تُفِيدُ الْعُمُومَ فَقِيلَ مِنْ لِتُفِيدَ أَنَّ الْمَغْفُورَ الْمَاضِي وَعَدَمَ إِطْمَاعِهِمْ فِي غُفْرَانِ الْمُسْتَقْبَلِ بِمُجَرَّدِ الْإِسْلَامِ حَتَّى يَجْتَنِبُوا الْمَنْهِيَّاتِ. وَقِيلَ: إِنَّهَا لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ وَهُوَ حَسَنٌ لِقَوْلِهِ: {يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سلف} . وَسِيبَوَيْهِ يُقَدِّرُ فِي نَحْوِ ذَلِكَ مَفْعُولًا مَحْذُوفًا أَيْ يَغْفِرُ لَكُمْ بَعْضًا مِنْ ذُنُوبِكُمْ مُحَافَظَةً عَلَى مَعْنَى التَّبْعِيضِ. وَقِيلَ: بَلِ الْحَذْفُ لِلتَّفْخِيمِ وَالتَّقْدِيرُ يَغْفِرُ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ مَا لَوْ كَشَفَ لَكُمْ عَنْ كُنْهِهِ لَاسْتَعْظَمْتُمْ ذَلِكَ وَالشَّيْءُ إِذَا أَرَادُوا تَفْخِيمَهُ أَبْهَمُوهُ كَقَوْلِهِ: {فَغَشِيَهُمْ مِنَ اليم ما غشيهم} . أَيْ أَمْرٌ عَظِيمٌ وَقَالَ الصَّفَّارُ: مِنْ لِلتَّبْعِيضِ عَلَى بَابِهَا وَذَلِكَ أَنَّ غَفَرَ تَتَعَدَّى لِمَفْعُولَيْنِ أَحَدُهُمَا بِاللَّامِ فَالْأَخْفَشُ يَجْعَلُ الْمَفْعُولَ الْمُصَرَّحَ الذُّنُوبَ وَهُوَ الْمَفْعُولُ الثَّانِي فَتَكُونُ مِنْ زَائِدَةً وَنَحْنُ نَجْعَلُ الْمَفْعُولَ مَحْذُوفًا وَقَامَتْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ مَقَامَهُ أَيْ جُمْلَةً مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَذَلِكَ أَنَّ الْمَغْفُورَ لَهُمْ بِالْإِسْلَامِ مَا اكْتَسَبُوهُ فِي حَالِ الْكُفْرِ لا حَالِ الْإِسْلَامِ وَالَّذِي اكْتَسَبُوهُ فِي حَالِ الْكُفْرِ بَعْضُ ذُنُوبِهِمْ لَا جَمِيعُهَا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق