الجمعة، 14 يونيو 2013

تحالف قراقوش مع بنى غانية:

أصل بنى غانية: ينتمى بنو غانية إلى قبيلة مسوفة الصنهاجية إحدى أعظم قبيلتين(مسوفة – لمتونة) قامت عليهما دولة المرابطين، وقد دخل كثير منهم فى دعوة المرابطين، فكان لهم بذلك فى تلك الدولة حظ فى الرئاسة والظهور، وكان علّي المسوفى جد بنى غانية يتمتع بشخصية قوية، ويتحلى بمواهب عدّة، وله مكانة عالية فى قومه مما جعله مقدمًا عند يوسف بن تاشفين أمير المرابطين، ثم اختلف يومًا مع أحد رجال قبيلة لمتونة فقتله وهرب إلى الصحراء، فتدخل يوسف بن تاشفين فى النزاع، ودفع من ماله الخاص دية القتيل، وأرضى أهله، ثم أرسل فى طلب علّي المسوفى من مقره فى الصحراء، وزوجه امرأة من أهل بيته تسمى غانية بعهد أبيها إليه فى ذلك، أنجبت منه ولدين هما يحيى و محمداً. وعرف يحيى و محمد وأحفادهما من بعدهما باسم بنى غانية نسبة إلى أمهم غانية([1])، وتربيا فى رعاية يوسف بن تاشفين، فلما خلف علّي بن يوسف بن تاشفين أباه فى الحكم رعى لهما هذه الحقوق، وقربهما واستعملهما على الولايات، فولى يحيى على غرب الأندلس، وأنزله قرطبة، وعقد لمحمد على الجزائر الشرقية (وهى إحدى ولايات المرابطين فى الأندلس وهي عبارة عن ثلاث جزر ميورقة ومنورقة ويابسة) ([2]) سنة 520هـ/1126م، فلم يزل يحيى بها واليًا إلى أن مات ([3]). أما محمد بن غانية، فقد استطاع أن يدير دفة الحكم فى تلك الجزر بحنكة سياسية بارعة وحزم وقوة عظيمتين. ثم أخذ يرقب بحذر شديد انتصارات الموحدين على المرابطين فى المغرب، فلما دخل الموحدون مراكش عاصمة المرابطين شدد محمد بن غانية قبضته على الجزائر الشرقية ليجعلها نواة لإمارة تحمل اسم قبيلته وتمثل تراث المرابطين، فاستقبل بها جموع المرابطين الوافدين عليه من الأندلس بالحفاوة والتكريم وأسبغ عليهم جزيل عطاياه فقوى بهم جانبه، وجعلهم قوة يعتد بها([4]). وظل محمد بن غانية على ولائه لقضية المرابطين، فاستمر يدعو فى الخطبة لأمير المسلمين وبنى العباس حتى بعد سقوط دولـة المرابطين([5])، وكان لمحمد هذا أربعـة من الأولاد هـم: عبدالله وإسحاق والزبير وطلحة، وبنات، وكان عبدالله وإسحاق ابنا محمد بن غانية فى رعاية عمهما يحيى بن غانية فلما مات عمهما، تولى عبدالله على غرناطة، وإسحاق على غرموتة([6]). ولما مات محمد بن على بن غانية فى سنة 550 هـ/1155م، تولّى ابنه إسحاق بن محمد بن غانية حكم الجزائر الشرقية([7])، فضبطها بحزم وقوة، واستمر على سياسة أبيه فى استقبال فلول لمتونه الوافدين عليه، وظل فى الحكم حتى وفاته سنة 579 هـ/1183م([8]). وكان لإسحاق من الأولاد ثمانية هم: محمد وعلّي ويحيى وعبدالله والغازى وسير والمنصور وجبارة([9]) واستقرت الإمرة من بعد إسحاق لابنه علّي، الذى أراد أن يعيد أمر لمتونة ودولة المرابطين، فظل يدعو للعباسيين، واستغل الظروف التى تمر بها دولة الموحدين، ومقتل خليفتهم (أبى يعقوب يوسف بن عبد المؤمن) سنة580هـ/1184م، وامتناع بعضهم عن البيعة للأمير الجديد (يعقوب بن يوسف 580-595هـ/1184-1199م) فاتجه إلى بجاية قاعدة الحكم فى المغرب الأوسط، واستولى عليها، وأخذ منها أموالا عظيمة([10]) فى غياب واليها السيد أبي الربيع بن عبد الله بن عبد المؤمن سليمان الذى كان فى طريقه إلى مراكش. وفى ذلك يقول المراكشى: لما توفى أبو إبراهيم إسحاق بن محمد المذكور، قام بالأمر من بعده ابنه علّي بعهد أبيه إليه، وخرج بأسطول ميورقة إلى العدوة([11])، وقصد مدينة بجاية حين أرسله جماعة من أعيانها – على ما يقال – يدعونه إلى أن يملكونه، ولولا ذلك لم يجسر على الخروج، ومما جرأه أيضًا كون الموحدين بالأندلس، وسماعه خبر موت أبى يعقوب، واشتغالهم ببيعة أبى يوسف، وظن أن الأمر سيضطرب، وأن الخلاف سينشأ، فكان هذا أيضًا مما أعانه على الخروج، ولولا هذه الأسباب التى ذكرنا لم يجسر على الخروج، فقصد ساحل بجاية، فنزل به، فقاتله أهلها قتالاً غير كثير ثم دخلها"([12]). فى شعبان من سنة 580 هـ/1184م([13]). أخرج علّي بن غانية الموحدين من بجاية، واستخرج المال والثياب والمتاع من مخازن الموحدين ببجاية وبغيرها من المدن التى استولى عليها، وأخذ يوزعها على جنده وأنصاره وعلى جموع العرب التى انحازت إليه([14]). ثم قطع علّي بن غانية الخطبة للموحدين من البلاد التى استولى عليها، وأمر بالدعاء للعباسيين وخطب فيها للخليفة العباسى الناصر لدين الله (575-626هـ/1179-1225م)([15]). ولما علم المنصور(يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن) بتلك الحوادث، جهز جيشًا وأسطولاً، استطاع استرداد بجاية فى صفر من سنة 581 هـ/ 1185 م([16])، وتمكن يحيى بن غانية والى بجاية من الهرب مع بعض رجاله، وسار إلى أخيه علّي، وهو لا يزال على حصار قسنطينة، فأخبره بوصول الجيش والأسطول الموحدى وبسقوط بجاية، فترك قسنطينة، وسار بقواته جنوبًا صوب الصحراء، وسار الموحدون خلفه، ولكنهم عجزوا عن اللحاق به بسبب أحمالهم الثقيلة فعادوا إلـى بجاية([17]). ([1]) المراكشى: المعجب فى تلخيص أخبار المغرب ص 223، وأمثال هذه التسميات من حيث نسبة الرجل إلى أمه كانت معروفة عند المرابطين، إذ نجد كثيرًا من قوادهم ينسبون إلى أمهاتهم مثل ابن عائشة، وابن فاطمة وابن الصحراوية وغيرهم. انظر أحمد مختار العبادى: دراسات فى تاريخ المغرب والأندلس، مؤسسة شباب الجامعة، الإسكندرية، (د. ت)، ص 331. ([2]) Cambridge:Op.Cit،Vol5 PP414-415. ([3]) المراكشى: المعجب ص 267، وذكر أنه ليس له بها عقب. ([4]) مراجع الغناى: سقوط دولة الموحدين، منشورات جامعة قاريونس، 1988م، ص 172. ([5]) محمد عبد الله عنان: دولة الإسلام في الأندلس، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2001م، ج 3 ق 2 ص 145. ([6]) ابن خلدون: العبر ج 6 ص 242 ([7]) ذكر ابن خلدون أن عبد الله بن محمد هو الذى قام بالأمر بعد أبيه، ثم هلك وقام بالأمر أخوه إسحاق بن محمد بن علّي، انظر العبر ج 6 ص 225؛ وفى رواية المراكشى أن محمد بن علّي بن غانية عهد فى حياته إلى ابنه عبدالله أكبر ولده فنفس ذلك عليه أخوه إسحاق، فدخل عليه فى جماعة من الجند وعبيد له فقتله، قيل في حياة أبيه وقيل بعد وفاته. انظر المعجب ص 224. ([8]) المراكشى: المعجب ص 225 وقارن ابن خلدون: العبر ج 6 ص 225 إذ يذكر سنة 580 هـ. ([9]) ابن خلدون: المصدر السابق. ([10]) ابن شاهنشاه: مضمار ص255، ابن أبى زرع: روض القرطاس ص269، النويرى: نهاية ج24ص326، مراجع الغناى: سقوط دولة الموحدين ص 176 – 177. ([11]) يقول الحميرى: ميورقة هى جزيرة فى البحر الزرقانى تسامتها من القبلة بجاية من بر العدوة بينهما ثلاث مجار. انظر الروض المعطار ص 188. ([12]) المراكشى: المعجب ص 225 – 226؛ وقارن ابن خلدون: العبر ج 6 ص 224 – 226. ([13]) المراكشى: المعجب ص 226؛ ابن أبى زرع: روض القرطاس ص 143، ص269 ؛ ابن غلبون: التذكار ص 67 وفيات الأعيان ج 6 ص 18؛ الناصرى: الاستقصا ج 2 ص 160؛ النائب: المنهل ج 1 ص 134. ([14]) ابن عذارى: البيان المغرب ج 3 ص 148، وقارن ابن خلدون قال: وعاث علّي بن محمد بن غانية فى الأموال وفرقها فى ذؤبان العرب ومن انضاف إليهم. انظر العبر ج 6 ص 226. ([15]) المراكشى: المعجب ص 226؛ النويرى: نهاية الأرب ج24ص329. ([16]) ابن الأثير: الكامل ج 10 ص 128؛ ابن عذارى: البيان (قسم الموحدين) ص175، النويرى: نهاية ج24ص329، النائب: المنهل ج 1 ص 137؛ محمد عبدالله عنان: دولة الإسلام ج 3 ق 2 ص 151؛ مراجع الغناى: سقوط دولة الموحدين ص 181 – 182. ([17]) ابن الأثير: الكامل ج 10 ص 128 – 229؛ ابن عذارى: البيان (قسم الموحدين) ص126، ابن خلدون: العبر ج 6 ص 226 – 227. مجموع رسائل موحدية من كتاب الدولة المؤمنية: ص 168 – 180؛ محمد عبدالله عنان: دولة الإسلام ج 2 ص 152 – 153؛ مراجع الغناى: سقوط دولة الموحدين ص 182؛ النائب الأنصارى: المنهل ج 1 ص 137.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق