الجمعة، 14 يونيو 2013

سلسلة قراءات فى تاريخ الاسلام والمسلمين

سلسلة قراءات فى تاريخ الاسلام والمسلمين- الأوضاع السياسية فى طرابلس بين طاعة الموحدين الأوضاع السياسية فى طرابلس بين طاعة الموحدين وسيطرة قراقوش وابن غانية: بعد طرد الصقليين من طرابلس اتفقت كلمة الطرابلسيين على تولية قائد ثورتهم رافع بن مطروح حاكمًا على طرابلس، وبقى رافع يصرّف شئون طرابلس الداخلية والخارجية بالشورى وبمصانعة العرب المجاورين له؛ لأن هؤلاء البدو المحيطين بطرابلس قد يجدون فى ذهاب الحامية الصقلية فرصة للانقضاض على خيرات البلد أو السيطرة عليها، ولكنه نجح بمصانعته لهم حتى استقام له الأمر([1])، وهو التصرف الأمثل فى حالة ضعف الدولة وتقلص ظلها عن الأطراف، واحتياج أهل تلك الأمصار إلى القيام على أمرهم والنظر فى حماية بلدهم ([2])، وبذلك استطاع رافع أن يضمن الاستقرار فى المدينة حتى دخلت جيوش عبد المؤمن المهدية، وفتحها بكرة عاشوراء من المحرم من سنة 555 هـ/1160م([3]). والتى سماها عبد المؤمن سنة الأخماس. دخول طرابلس تحت طاعة الموحدين: لم تذكر لنا المصادر شيئا عن تبعية طرابلس لدولة بعينها في الفترة ما بين خروجها من التبعية الصقلية وبين دخولها فى طاعة الموحدين، إلا أن عدم خضوع رافع بن مطروح لجهة بعينها قد يعنى استقلاله بحكم طرابلس في هذه الفترة. وبعد فتح المهدية على يد عبد المؤمن بن على (524-558هـ/1129-1162م) أتته وفود البلاد، فكان من جملتهم وفد جبل نفوسة([4])، ووفد يضم وجوه أهل طرابلس، قدم بهم رافع بن مطروح التميمى، فبايعوا عبد المؤمن، فأقره عليهم، وأوسعهم برًا وإكرامًا، وردّهم إلى بلدهم([5]). وبذلك وفّر رافع بن مطروح على بلده الدخول فى حروب مع الموحدين، وضمن بموالاتهم صونها من أطماع البدو. ويفهم من رواية ابن الأثير والنويرى أن الحكم في جبل نفوسة لم يكن يتبع طرابلس؛ لأنهم أرسلوا من بينهم وفدًا بخلاف وفد طرابلس، وأن الأباضية كانوا يدبرون أمرهم بأنفسهم، ولكن أغلب المصادر لم تذكر شيئا عن أمرائهم في تلك الفترة. وإذا وجد ابن مطروح وغيره أن فى خضوع بلادهم للموحدين صونًا لها من أطماع العربان، فإن الموحدين لم يكونوا غافلين عما يشكله هؤلاء الأعراب من قوة يجب الاستفادة منها، وأدركوا خطورة البدو على الأمن والاستقرار، فأقروا النظام الذى أسسه الصقليون، فولوا طرابلس لابن مطروح، وسعوا لتأليف البدو مستفيدين من طاقاتهم مستثمرين لها، وهذا ما حدا بعبد المؤمن وابنه أبي يعقوب (558-580هـ/1162-1184م) من بعده إلى اتباع سياسة حكيمة تهدف الإفادة من طاقة هؤلاء الأعراب، وشغلهم عن الخراب، وإثارة القلاقل والفتن، وتسريب الحيوية الفائضة عندهم، وذلك بدعوتهم للمشاركة فى الجهاد، والدخول فى الدعوة الموحدية، واعتمد كل منهما على إثارة روح الجهاد عند هذه القبائل، وعلى تذكيرها بأنها هى التى رفعت راية الإسلام منذ فجره، فلا شيء يحول دون استجابتها لدعوة الجهاد الدينى يومئذ، وهذا ما تصوره رسالة موحدية كتبت فى شـوال من عام 576 هـ/1181م، عن دعوة أبى يعقوب لأشياخ العرب وأعيانهم " ونبهوا إلى ما كان لسلفهم من العرب من كريم السوابق فى أول الإسلام،.... وحرّضوا على أن يكون لهم فى نصر هذا الدين ما كان لسلفهم القديم من الآثار الكرام، وعرفوا أن الغرض فيهم إنما هو غزو الروم الذين هم بجزيرة الأندلس"([6]). وتنبئنا هذه الوثيقة المهمة أن العرب قد سارعوا جميعًا إلى الرحيل مغربين، ولم يبق منهم إلا المستقرون تحت زعامة مسعود بن زمام ([7]) بجهات طرابلس وما وراءها مشرقًا ومصحرًا إلى برقة والإسكندرية([8]). وبذلك نجح الموحدون فى السيطرة على قوة الأعراب، ما داموا فى كنف الخلافة، وتحت سمعها وبصرها، ولكن هؤلاء الأعراب، كانوا مصدر قلق وشغل لدولة الموحدين سواء فى اشتراكهم في الجيوش الغازية أو فى هجرتهم إلى المغرب للاستيطان، وذلك فى عهد يعقوب المنصور حيث اختلف الأمر وتبدل الحال، فكثرت فتن العرب، وغدا تغريبهم عقابًا، حتى إن ابن أبى زرع يقول إن يعقوب ندم عند وفاته على استجلابهم للمغرب لأنهم" أصل فساد"([9]). ويبدو أن هذا التبدل طرأ نتيجة عوامل جديدة، هى ظهور الغز المصريين فى منطقة برقة وطرابلس وإفريقية، ثم دخول الميورقيين إلى المنطقة، وتحالف العرب مع كليهما، " ولهذا شهد عصر المنصور الموحدى فتنًا متعددة وثورات كثيرة، ونزاعًا متشعبًا"([10]). ولم تتجاوز سيطرة الموحدين حدود طرابلس شرقا حيث لم تدخل برقة ضمن حدود دولتهم([11]). وقد بقى ابن مطروح واليًا على طرابلس محمود السيرة فيهم إلى أن هرم وعجز عن الحركة فى أيام أبى يعقوب بن عبد المؤمن، فطلب التوجه إلى الحج، فسرحه السيد أبو زيد بن السيد أبى حفص محمد بن عبد المؤمن عامل تونس، فارتحل بجميع أهله فى البحر واستقر بالإسكندرية، إلى أن مات بها([12]). وجاء عند التيجانى أن القاضى الفاضل البيسانى ذكر فى مياومه(لعله يقصد يومياته) أن ابن مطروح وصل إلى الإسكندرية فى رجب سنة ست وثمانين وخمسمائة([13]) فى أيام يوسف بن عبد المؤمن، والحقيقة إن هذا الكلام غير دقيق؛ لأن يوسف بن عبد المؤمن كانت مدة حكمه من (558 –580 هـ/1163-1184م)([14])، ورواية البيسانى تذكر أن رافعًا خرج من طرابلس متجهًا إلى الإسكندرية فى سنة 586 هـ/1190م.وربما نتج ذلك عن تصحيف في النقل. والصحيح أن يقال فى سنة 568 هـ/1172م كما جاء فى رواية النائب الأنصاري قال: ثم إن أبا يحيى بن مطروح، لم يزل واليًا على طرابلس إلى أن هرم وعجز وطلب الحج فسرحه يوسف بن عبد المؤمن فارتحل فى البحر سنة ثمان وستين وخمسمائة، واستقر بالإسكندرية([15]). ([1]) التيجانى: الرحلة ص 242. ([2]) ابن خلدون: المقدمة ص 259. ([3]) ابن الأثير: الكامل ج 9 ص 431، التيجانى: الرحلة ص 349،أبو الفدا: المختصر ج3 ص34، ابن عذارى: البيان (قسم الموحدين) ص64؛ ابن أبى زرع: روض القرطاس ص198، ص264؛ النويرى: نهاية ج24ص314، ابن خلدون: العبر ج 5 ص 243، ج 6 ص 198؛ الزركشى: تاريخ الدولتين ص12، ابن أبى دينار: المؤنس ص116، النائب الأنصارى: المنهل العذب ج 1 ص 128، الطاهر الزاوى: تاريخ الفتح ص 210 وذكر ابن الأثير أن فتح المهدية كان بكرة عاشوراء من المحرم كغيره من المصادر، ولكنه ذكر أن دخول طرابلس وجبال نفوسة فى طاعة عبد المؤمن كانت قبل فتح المهدية. انظر ج 9 ص 429. ([4]) ابن الأثير: الكامل ج 9 ص 429؛ النويرى: نهاية ج24ص313. ([5]) التيجانى: الرحلة ص 242 – 243؛ ابن خلدون: العبر ج 5 ص 242، ج 6 ص 198؛ الزركشى: تاريخ الدولتين ص 12؛ النائب الأنصارى: المنهل ج 1 ص 128؛ ابن غلبون: التذكار ص 58، إتورى روسى: ليبيا ص 105؛ الطاهر الزاوى: تاريخ الفتح العربى ص 210، 242. Setton: Op.Cit، P32. ([6]) بروفنسال: رسائل موحدية ص 152. ([7]) النويرى: نهاية ج24ص317. وقد ذكر النويرى أن صاحب صقلية أرسل إليهم يعرض عليهم أن يرسل إليهم خمسة آلاف فارس من الفرنج يقاتلون معهم على أن يرسلوا إليه رهائن، فشكروه، وقالوا: لا حاجة بنا إلى نجدته ولا نستعين على المسلمين بغيرهم. ص306. ([8]) بروفنسال: رسائل موحدية ص 155. ([9]) ابن أبى زرع: الأنيس المطرب بروض القرطاس ص 152. ([10]) د. عزالدين عمر موسى: دراسات فى تاريخ المغرب الإسلامي، دار الشروق، بيروت، الطبعة الأولى، 1983م، ص 19. ([11]) مجهول: الاستبصار ص111. ([12]) التيجانى: الرحلة ص 243؛ ابن خلدون: العبر ج 6 ص 198؛ إتورى روسى: ليبيا ص 105. ([13]) المصدر السابق. والتيجانى توفى سنة 717هـ/1317م، وذكر التيجاني أن ذرية ابن مطروح بقيت بالإسكندرية إلى زمنه ومنهم رؤساء وأدباء. الرحلة ص243. ([14]) يوسف بن عبد المؤمن: كنيته أبو يعقوب، بويع له عقب وفاة أبيه سنة 558 هـ، وتوفى يوم السبت 18 من ربيع الآخر سنة 580 هـ، ومدة ولايته 21 سنة و 10 أشهر و 8 أيام. انظر المراكشى: المعجب فى تلخيص أخبار المغرب: ص 198 – 218؛ وقارن ابن شاهنشاه: مضمار ص227. ([15]) المنهل ج 1 ص 131.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق