الجمعة، 14 يونيو 2013
سلسلة قراءات فى تاريخ الاسلام والمسلمين- ترجمة البلاذري
سلسلة قراءات فى تاريخ الاسلام والمسلمين- ترجمة البلاذري
ترجمة البلاذري:
1 – اسمه وكنيته
هو: أحمد بن يحيى بن جابر بن داود البلاذري البغدادي([1]).يكنى أبا الحسن([2])، ويقال: أبو جعفر([3])، ويقال: أبو بكر([4]). فاتفقت المصادر في اسمه واختلفت في كنيته، وليس في هذه المصادر ما يساعد على ترجيح إحداها؛ لأنها لم تذكر شيئًا عن حياة البلاذري الخاصة.
2 – نِسْبَتُه:
ذكر السمعانى في الأنساب([5])، وابن الأثير في اللباب([6])، وابن حجر في لسان الميزان([7]) أن البلاذري سُمِّيَ بذلك نسبة إلى حبّ البلاذر([8])، لكثرة تناوله إياه، وإفراطه في ذلك. وذكر الذهبي "أنه وسوس بآخر عمره؛ لأنه شرب البلاذر للحفظ"([9])، وذكر ابن النديم أنه "وسوس في آخر أيامه فشدّ في البيمارستان، ومات فيه، وسبب وسوسته" أنه شرب ثمر البلاذر على غير معرفة فلحقه ما لحقه"([10]).
ولقد شكَّكَ ياقوت الحموي في ذلك مستنداً إلى عبارة للجهشيارى الذي نعت جدّ أحمد ابن يحيى، والذي كان كاتبًا للخصيب أمير مصر بالبلاذري، قال ياقوت: "وقال الجهشيارى في كتاب الوزراء([11]): جابر بن داود البلاذري كان يكتب للخصيب بمصر هكذا ذكر"([12])، ثم يعقّب ياقوت فيقول: ولا أدرى أيهما شرب البلاذر: أحمد بن يحيى أو جابر بن داود، إلا أن ما ذكره الجهشيارى يدلّ على أن الذي شرب البلاذر هو جدّه؛ لأنه قال: جابر بن داود، ولعلّ ابن ابنه لم يكن حينئذ موجودًا والله أعلم"([13]).
والذهبي يذكر أن البلاذري كان يشرب البلاذر للحفظ مع أنّه نقل عن الحاكم قوله في البلاذري: "كان واحد عصره في الحفظ والوعظ"([14]).
وقد لفت انتباهي عند البحث في تراجم البلاذري أن الذهبي قال عن أحمد بن يحيى بن جابر بن داود " البلاذري الكبير، وأما الصغير فهو أحمد بن إبراهيم الطوسي البلاذري المتوفى سنة 339هـ" ([15])، وذكر الذهبي الكلام نفسه في تذكرة الحفّاظ([16])، وفي العبر في خبر
من غبر([17])، وذكره ابن العماد الحنبلي في شذرات الذهب([18])، ووجدت في طبقات الشافعية للإسنوى أن هناك بلاذري ثالث هو: "أبو جعفر محمد بن على البلاذري"([19])، وذكر ترجمة مخالفة للرجلين السابقين([20])، وقال: ومات في نيسابور في نصف المحرم سنة 395، نقله ابن الصلاح عن الحاكم"([21]). والمراجع الحديثة([22]) ترجمت للثلاثة، ولم تذكر سبب تسمية أحد بالبلاذري إلا البلاذري صاحبنا أحمد بن يحيى بن جابر كما ورد في المصادر القديمة. فهل شرب الثلاثة ثمر البلاذر، فأطلق عليهم اللقب نفسه؟، وإذا لقّب البلاذري الكبير بهذا؛ لأنه شرب ثمر البلاذر، فلماذا لُقّب به غيره؟، وهل كان البلاذري لقبا له أم لجدّه؟([23])، كل هذا ما لا أستطيع الجزم به؛ لأن مادته في المصادر غير كافية للفصل فيه. وإن لمحت في إشارة ابن عساكر وياقوت الحموي وابن العديم إلى أن البلاذري "وسوس في آخر عمره" ولم يشيروا إلى شربه البلاذر أو غيره، ولكن المصادر المتأخرة عن هذه المصادر ربطت بين وسوسة البلاذري في آخر عمره، وبين اسمه، فجعلت أن السبب في ذلك هو شربه البلاذر، في محاولة لتعليل وسوسته([24]).
ج – وفاة البلاذري:
لم تحدد المصادر تاريخًا محددًا لوفاة البلاذري غير أن ابن عساكر وياقوت الحموي ذكرا أنه "توفي في أيام المعتمد"([25])، والمعتمد كما تذكر كتب التاريخ امتدت خلافته من سنة 256 وحتى سنة 279هـ([26]). كما نفي ياقوت الحموي([27]) والكتبي([28]) أن يكون البلاذري قد أدرك المعتضد (279 – 289 هـ). فقال ياقوت: "مات في أيام المعتمد على الله في أواخرها، وما أبعد أن يكون أدرك أول أيام المعتضد"([29])، وهذا يعني أنه توفي عام 279هـ([30]).
([1]) ابن عساكر: تاريخ دمشق ج6 ص 74؛ ابن العديم: بُغية الطلب في تاريخ حلب ج3 ص 1219؛ الذهبي: سير أعلام النبلاء ج13 ص162؛ حاجي خليفة: كشف الظنون عن أسامى الكتب والفنون ج 1 ص 171؛ عمر رضا كحالة: معجم المؤلفين ص 201.
([2]) المسعودي: مروج الذهب ج2 ص 54؛ ابن العديم: بغية الطلب ج 3 ص 1219؛ ابن عساكر: ج 6 ص 74؛ ابن النديم: الفهرست ص 164؛ حاجي خليفة: كشف الظنون ج 1 ص 179، ج 2 ص 1402؛ الكتبي: فوات الوفيات ج 1 ص 155.
([3]) انظر: ابن عساكر: تاريخ دمشق ج6 ص74؛ وقارن ابن تغرى بردي: النجوم الزاهرة ج 3 ص 83؛ جورجى زيدان: تاريخ آداب اللغة العربية ج 2 ص 196.
([4]) ابن عساكر: تاريخ دمشق ج 6 ص 74؛ حاجي خليفة: كشف الظنون ج 1 ص 179.
([5]) السمعانى: الأنساب ج2 ص 378.
([6]) ابن الأثير: اللباب ج1 ص 193.
([7]) ابن حجر العسقلانى: لسان الميزان ج 1 ص 322 – 323. وذكر أن هذا الكلام عند ابن عساكر، وبالرجوع إلى ترجمة البلاذري عند ابن عساكر لم أجد العبارة التي ذكرها ابن حجر، وإنما وجدت قوله "فوسوس في آخر عمره" دون أي إشارة إلى شرب البلاذر أو غيره. انظر ابن عساكر: تاريخ دمشق ج 6 ص 75.
([8]) البلاذر: شجرة تنبت في الهند، ويستخرج منها حبّ البلاذر أو عصيره ويستخدم في تقوية الذاكرة، والأعصاب. انظر الجاحظ: الحيوان ج 3 ص 359؛ ج 5 ص 573؛ وقارن داود الأنطاكى قال: هو حبّ الفهم وثمرته … وهو شجر هندي يعلو كالجوز ورقه عريض أغبر سبط، حاد الرائحة، إذا نام تحته شخص سَكِرَ …" انظر: تذكرة أولى الألباب والجامع للعجب العجاب ج 1 ص 83.
([9]) الذهبي: سير أعلام النبلاء ج 13 ص 162.
([10]) ابن النديم: الفهرست ص 164؛ وقارن بيكر: دائرة المعارف الإسلامية ج 6 ص4 182؛ جورجى زيدان: تاريخ آداب اللغة العربية ج 2 ص 196.
([11]) ولقد رجعت إلى كتاب الوزراء والكتاب للجهشيارى فوجدت تحت عنوان: كَتَبَ البلاذري للخصيب. قال: وكان يكتب للخصيب: أبو عبد الحميد بن داود البلاذري، المؤلف لكتاب البلدان وغيره من الكتب، وله أشعار حِسَان. انظر ص 256. وهى عبارة يبدو فيها الخلط الظاهر بين الجدّ والحفيد.
([12]) ياقوت الحموي: معجم الأدباء ج 2 ص 531. وقد ذكر د. شاكر مصطفي في هامش ترجمته للبلاذري قال: قالوا: يُنْسب إلى البلاذر، وهو ثمر شربه جدّه فوسوس. انظر: التاريخ العربي والمؤرخون ج 1 ص 243؛ وقارن: مارجليوس قال: ويقال إنه منسوب إلى البلاذر، وهو ثمر شربه جدّه، فسبّب له الوسوسة. انظر دراسات عن المؤرخين العرب، ترجمة حسين نصار ص 130.
([13]) ياقوت الحموي: معجم البلدان ج2 ص531.
([14]) الذهبي: العبر ج 2 ص 249. وقد أكد أحد الباحثين الشّك في أمر شرب البلاذري لثمر البلاذر فقال: "ويذكر الذهبي في سير أعلام النبلاء أن شربه البلاذر كان للحفظ، وهذا ما يؤكد الشك في الرواية، فماذا يريد أن يحفظ من بلغ الثمانين أو تجاوزها، وألحت عليه الحاجة، ولجأ إلى الناس؟، وإنما يبغى الحفظ من كان ناشئاً في بداءة الشباب، يطلب العلم ويجمعه، ويذكر صاحب الفهرست أنّه "شدَّ" في المارستان، وعبارة الذهبي "رُبط"، والعادة أن يربط أو يشد من يخشى قوته وبطشه من المجانين، فهل عند من جاوز الثمانين مثل ذلك"؟.انظر د. صلاح الدين المنجد: مقدمة تحقيق كتاب فتوح البلدان ص 12.
([15]) الذهبي: سير أعلام ج 16 ص 36.
([16]) الذهبي: تذكرة الحفاظ ج 2 ص 892.
([17]) الذهبي: العبر ج 2 ص 249.
([18]) ابن العماد الحنبلي: شذرات الذهب ج 1 ص 34.
([19]) الإسنوى: طبقات الشافعية ج 1 ص 108، (ترجمة رقم 192).
([20]) قال الإسنوى: أبو جعفر محمد بن على البلاذري: أخذ الفقه عن أبي إسحاق المروزى ببغداد، وسمع من مشيخة البصرة …" انظر طبقات الشافعية ج 1 ص 108.
([21]) المصدر السابق. وقد رجعت إلى طبقات ابن الصلاح فوجدت الكلام نفسه الذي ذكره الإسنوى. راجع: ابن الصلاح ص 20.
([22]) انظر أ.د شعبان عبد العزيز خليفة: مداخل الأسماء العربية القديمة ج 1 ص 297؛ وقارن: عمر رضا كحالة: معجم المؤلفين أو تراجم مصنفي الكتب العربية ج 2 ص 61، ص 201 – 202.
([23]) ذكر بيكر في دائرة المعارف الإسلامية أن البلاذري اختلط عقله عقب شربه عصير البلاذر دون أن يعرف مفعوله، ولهذا لقّب بالبلاذري، ولعلّ هذه القصة ترمى إلى تعليل هذا الأمر، ولكن ليس لدينا من جهة أخرى ما يقطع بأنه لم يقصد بها جده. انظر: ج 6 ص 1824.
([24]) قال د. سهيل زكار: وطالما أن كلمة البلاذري كانت ملصقة بالجدّ في وقت يحتمل فيه أن أحمد بن يحيى حفيده لم يكن قد ولد بعد، فمن غير المعقول تصوّر انتقال الكنية من الحفيد إلى الجد، لكن هذا لا ينفي إصابة البلاذري بالوسوسة في آخر أيامه، فلعل ذلك مما عاناه من ضيق ذات اليد، ومن الوحدة، وجفوة الأصدقاء، وانحراف الأصحاب، العوامل التي كان لها أثر في إصابته بهذا العارض. راجع مقدمة تحقيق كتاب جمل من أنساب الأشراف ص (ظ).
([25]) ابن عساكر: تاريخ دمشق ج 6 ص 75؛ وقارن ياقوت: معجم الأدباء ج 2 ص 530.
([26]) الطبري: تاريخ ج 10 ص29.
([27]) ياقوت: معجم الأدباء ج 2 ص 530.
([28]) الكتبي: فوات ج 1 ص 155.
([29]) ياقوت الحموي: معجم الأدباء ج 2 ص 530.
([30]) السابق؛ وقارن بيكر: دائرة المعارف الإسلامية ج 6 ص 1824؛ وقارن جورجى زيدان: قال إنه توفي عام 279 هـ، وقال أيضًا: ومات على الأغلب سنة 279 أول أيام المعتضد. انظر تاريخ آداب ج 2 ص 196.
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق