وَسَمَّاهُ أَرْبَعَةَ أَسَامِي فِي آيَةٍ وَاحِدَةٍ فَقَالَ: {في صحف مكرمة مرفوعة مطهرة} ، انْتَهَى
تَفْسِيرُ هَذِهِ الْأَسَامِي
فَأَمَّا الْكِتَابُ فَهُوَ مصدر كتب يكتب كتابة وَأَصْلُهَا الْجَمْعُ وَسُمِّيَتِ الْكِتَابَةُ لِجَمْعِهَا الْحُرُوفَ فَاشْتُقَّ الْكِتَابُ لِذَلِكَ لِأَنَّهُ يَجْمَعُ أَنْوَاعًا مِنَ الْقِصَصِ وَالْآيَاتِ وَالْأَحْكَامِ وَالْأَخْبَارِ عَلَى أَوْجُهٍ مَخْصُوصَةٍ وَيُسَمَّى الْمَكْتُوبُ كِتَابًا مَجَازًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فِي كتاب
مكنون} أَيِ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ وَالْكِتَابَةُ حَرَكَاتٌ تَقُومُ بِمَحَلِّ قُدْرَةِ الْكَاتِبِ خُطُوطٌ مَوْضُوعَةٌ مُجْتَمِعَةٌ تَدُلُّ عَلَى الْمَعْنَى الْمَقْصُودِ وَقَدْ يَغْلَطُ الْكَاتِبُ فَلَا تَدُلُّ عَلَى شَيْءٍ
وَأَمَّا الْقُرْآنُ فَقَدِ اخْتَلَفُوا فِيهِ فَقِيلَ هُوَ اسْمٌ غَيْرُ مُشْتَقٍّ مِنْ شَيْءٍ بَلْ هُوَ اسْمٌ خَاصٌّ بِكَلَامِ اللَّهِ وَقِيلَ مُشْتَقٌّ مِنَ الْقَرْيِ وَهُوَ الْجَمْعُ وَمِنْهُ قَرَيْتُ الْمَاءَ فِي الْحَوْضِ أَيْ جَمَعْتُهُ قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ
وَقَالَ الرَّاغِبُ لَا يُقَالُ لِكُلِّ جَمْعٍ قُرْآنٌ وَلَا لِجَمْعِ كَلِّ كَلَامٍ قُرْآنٌ وَلَعَلَّ مُرَادَهُ بِذَلِكَ فِي الْعُرْفِ وَالِاسْتِعْمَالِ لَا أَصْلِ اللُّغَةِ
وَقَالَ الْهَرَوِيُّ كُلُّ شَيْءٍ جَمَعْتَهُ فَقَدْ قَرَأْتَهُ
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ سُمِّيَ الْقُرْآنُ قُرْآنًا لِأَنَّهُ جَمَعَ السُّوَرَ بَعْضَهَا إِلَى بَعْضٍ
وَقَالَ الرَّاغِبُ سُمِّيَ قُرْآنًا لِكَوْنِهِ جَمَعَ ثَمَرَاتِ الْكُتُبِ الْمُنَزَّلَةِ السَّابِقَةِ
وَقِيلَ: لِأَنَّهُ جَمَعَ أَنْوَاعَ الْعُلُومِ كُلِّهَا بِمَعَانٍ كَمَا قَالَ تَعَالَى مَا فَرَّطْنَا في الكتاب من شيء
وقال بعض المتأخرين: لا يكون القرآن وقرأ مَادَّتُهُ بِمَعْنَى جَمَعَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ عَلَيْنَا جمعه وقرآنه} فَغَايَرَ بَيْنَهُمَا وَإِنَّمَا مَادَّتُهُ قَرَأَ بِمَعْنَى أَظْهَرَ وَبَيَّنَ وَالْقَارِئُ يُظْهِرُ الْقُرْآنَ وَيُخْرِجُهُ وَالْقُرْءُ الدَّمُ لِظُهُورِهِ وَخُرُوجِهِ وَالْقُرْءُ الْوَقْتُ فَإِنَّ التَّوْقِيتَ لَا يَكُونُ إِلَّا بِمَا يَظْهَرُ
وَقِيلَ: سُمِّيَ قُرْآنًا لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ عَنْهُ وَالتِّلَاوَةَ مِنْهُ وَقَدْ قُرِئَتْ بَعْضُهَا عَنْ بَعْضٍ


وَفِي تَارِيخِ بَغْدَادَ لِلْخَطِيبِ فِي تَرْجَمَةِ الشَّافِعِيِّ قَالَ وَقَرَأْتُ الْقُرْآنَ عَلَى إِسْمَاعِيلَ بْنِ قُسْطَنْطِينَ وَكَانَ يَقُولُ الْقُرْآنُ اسْمٌ وَلَيْسَ مَهْمُوزًا وَلَمْ يُؤْخَذْ مِنْ قَرَأْتُ وَلَوْ أُخِذَ مِنْ قَرَأْتُ لَكَانَ كُلُّ مَا قُرِئَ قُرْآنًا وَلَكِنَّهُ اسْمٌ لِلْقُرْآنِ مِثْلَ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يُهْمَزُ قَرَأْتُ وَلَا يُهْمَزُ الْقُرَانُ
وَقَالَ الْوَاحِدِيُّ كَانَ ابْنُ كَثِيرٍ يَقْرَأُ بِغَيْرِ هَمْزٍ وَهِيَ قِرَاءَةُ الشَّافِعِيِّ أَيْضًا
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ كَانَ الشَّافِعِيُّ يَهْمِزُ قَرَأْتُ وَلَا يَهْمِزُ الْقُرْانَ وَيَقُولُ هُوَ اسْمٌ لِكِتَابِ اللَّهِ غَيْرُ مَهْمُوزٍ