وَأَمَّا تَسْمِيَتُهُ مَثَانِيَ فَلِأَنَّ فِيهِ بَيَانُ قَصَصِ الْكُتُبِ الْمَاضِيَةِ فَيَكُونُ الْبَيَانُ ثَانِيًا لِلْأَوَّلِ الَّذِي تَقَدَّمَهُ فَيُبَيِّنُ الْأَوَّلُ الثَّانِيَ
وَقِيلَ سُمِّيَ مَثَانِيَ لِتَكْرَارِ الْحِكَمِ وَالْقَصَصِ وَالْمَوَاعِظِ فِيهِ وَقِيلَ إِنَّهُ اسْمُ الْفَاتِحَةِ وَحْدَهَا
وَأَمَّا تَسْمِيَتُهُ وَحْيًا وَمَعْنَاهُ تعريف الشيء خفية سَوَاءٌ كَانَ بِالْكَلَامِ كَالْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ أَوْ بِإِلْهَامٍ كَالنَّحْلِ وَإِشَارَةِ النَّمْلِ فَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنَ الْوَحْيِ وَالْعَجَلَةِ لِأَنَّ فِيهِ إِلْهَامًا بِسُرْعَةٍ وَخِفْيَةٍ
وَأَمَّا تَسْمِيَتُهُ حَكِيمًا فَلِأَنَّ آيَاتِهِ أُحْكِمَتْ بِذِكْرِ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ فَأُحْكِمَتْ عَنِ الْإِتْيَانِ بِمِثْلِهَا وَمِنْ حِكْمَتِهِ أَنَّ عَلَامَتَهُ مَنْ عَلِمَهُ وَعَمِلَ بِهِ ارْتَدَعَ عَنِ الْفَوَاحِشِ
وَأَمَّا تَسْمِيَتُهُ مُصَدِّقًا فَإِنَّهُ صَدَّقَ الْأَنْبِيَاءَ الْمَاضِينَ أَوْ كُتُبَهُمْ قَبْلَ أَنْ تُغَيَّرَ وَتُبَدَّلَ
وَأَمَّا تَسْمِيَتُهُ مُهَيْمِنًا فَلِأَنَّهُ الشَّاهِدُ لِلْكُتُبِ الْمُتَقَدِّمَةِ بِأَنَّهَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَأَمَّا تَسْمِيَتُهُ بَلَاغًا فَلِأَنَّهُ كَانَ فِي الْإِعْلَامِ وَالْإِبْلَاغِ وَأَدَاءِ الرِّسَالَةِ
وَأَمَّا تَسْمِيَتُهُ شِفَاءً فَلِأَنَّهُ مَنْ آمَنَ بِهِ كَانَ لَهُ شِفَاءً مِنْ سَقَمِ الْكُفْرِ وَمَنْ عَلِمَهُ وَعَمِلَ بِهِ كَانَ لَهُ شِفَاءً مِنْ سَقَمِ الْجَهْلِ
وَأَمَّا تَسْمِيَتُهُ رَحْمَةً فَإِنَّ مَنْ فَهِمَهُ وَعَقِلَهُ كَانَ رَحْمَةً لَهُ
وَأَمَّا تَسْمِيَتُهُ قَصَصًا فَلِأَنَّ فِيهِ قَصَصَ الْأُمَمِ الْمَاضِينَ وَأَخْبَارَهُمْ
وَأَمَّا تَسْمِيَتُهُ مَجِيدًا وَالْمُجِيدُ الشَّرِيفُ فَمِنْ شَرَفِهِ أَنَّهُ حُفِظَ عَنِ التَّغْيِيرِ وَالتَّبْدِيلِ
وَالزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ وَجَعَلَهُ مُعْجِزًا فِي نَفْسِهِ عَنْ أَنْ يُؤْتَى بِمِثْلِهِ
وَأَمَّا تَسْمِيَتُهُ تَنْزِيلًا فَلِأَنَّهُ مَصْدَرُ نَزَّلْتُهُ لِأَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ عَلَى لِسَانِ جِبْرِيلَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَسْمَعَ جِبْرِيلَ كَلَامَهُ وَفَهَّمَهُ إِيَّاهُ كَمَا شَاءَ مِنْ غَيْرِ وَصْفٍ وَلَا كَيْفِيَّةٍ نَزَلَ بِهِ عَلَى نَبِيِّهِ فَأَدَّاهُ هُوَ كَمَا فَهَّمَهُ وَعَلَّمَهُ
وَأَمَّا تَسْمِيَتُهُ بَصَائِرَ فَلِأَنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنَ الْبَصَرِ وَالْبَصِيرَةِ وَهُوَ جَامِعٌ لِمَعَانِي أَغْرَاضِ الْمُؤْمِنِينَ كَمَا قَالَ تعالى:
{ولا رطب ولا يابس}
وَأَمَّا تَسْمِيَتُهُ ذِكْرَى فَلِأَنَّهُ ذَكَرَ لِلْمُؤْمِنِينَ مَا فَطَرَهُمُ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنَ التَّوْحِيدِ وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى:
: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ} فَالْمُرَادُ بِالزَّبُورِ هُنَا جَمِيعُ الْكُتُبِ الْمُنَزَّلَةِ مِنَ السَّمَاءِ لَا يَخْتَصُّ بِزَبُورِ دَاوُدَ وَالذِّكْرُ أُمُّ الْكِتَابِ الَّذِي مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَعَالَى
وَذَكَرَ الشيخ شهيب الدِّينِ أَبُو شَامَةَ فِي الْمُرْشِدِ الْوَجِيزِ فِي قوله تعالى: {ورزق ربك خير وأبقى}
قَالَ: يَعْنِي الْقُرْآنَ وَقَالَ السَّخَاوِيُّ يَعْنِي مَا رَزَقَكَ اللَّهُ مِنَ الْقُرْآنِ خَيْرٌ مِمَّا رَزَقَهُمْ مِنَ الدُّنْيَا