بين أحكام بعض ما يلي:
عفر الدابة، إتلاف شجر أو زرع، قتل صبي، وأنثى، وخنثى، وشيخ فان، وزمن، وأعمى، ونحوهم.
ج: لا يجوز عقر دوابهم ولو شاة، لنهيه - صلى الله عليه وسلم - عن قتل الحيوان صبرًا، وقول الصديق ليزيد بن أبي سفيان في وصيته، ولا تعقرن شجرًا مثمرًا، ولا دابة عجماء، ولا شاة إلا لمأكلة.
ويجوز قتل ما يقاتلون عليه من دوابهم؛ لأن قتلها وسيلة إلى الظفر بهم؛ ولما روى حنظلة بن الراهب، عقر بأبي سفيان فرسه فسقط عنه، فجلس على صدره فجاء ابن شعوب، فقال:
لأْحمِينَّ صاحبِي ونفسي ... بطعنةٍ مِثْلَ شُعَاعِ الشمسِ
فقتل حنظلة واستنفذ أبا سفيان، ولم ينكر النبي - صلى الله عليه وسلم - فعل حنظلة، ويجوز حرق شجرهم وزرعهم، وقطعة إذا دعت الحاجة إلى إتلافه؛ لقوله: { مَا قَطَعْتُم مِّن لِّينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الفَاسِقِينَ } .
وروى ابن عمر - رضي الله عنهما - «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حرق نخل بني النضير وقطعه، وهي البويرة، فأنزل الله تعالى: { مَا قَطَعْتُم مِّن لِّينَةٍ } » متفق عليه. ولها يقول حسان:
وهمان على سراة بني لؤي ... حريق بالبويرة مستطير
وعن أسامة بن زيد قال: بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى قرية يقال لها أبنى، فقال: «ائتها صباحًا ثم حرق الشجر والزرع، إذا كانوا يفعلون ذلك بنا لينتهوا وينزجروا»، وما تضرر المسلمون بقطعه من الشجر والزرع، لكونهم ينتفعون به في الاستظلال أو يأكلون من ثمره، أو ينتفعون ببقائه لعلوفتهم، أو تكون العادة لم تجر بيننا وبين عدونا بقطعه، حرم قطعه لما فيه من الإضرار بنا.
ولا يجوز قتل نسائهم وصبيانهم؛ لما روى ابن عمر - رضي الله عنهما - إن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن قتل النساء والصبيان، متفق عليه. ولأنهما يصيرن رقيقين ومالا للمسلمين فقتلهما إتلاف لمال المسلمين؛ فإن قاتلوا جاز قتلهم بغير خلاف.
ولا يجوز قتل شيخ فان؛ لما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «لا تقتلوا شيخًا فانيًا، ولا طفلاً، ولا امرأة» رواه أبو داود؛ ولأنه لا نكاية له في الحرب.
ولا يجوز قتل خنثى مشكل؛ لأنه يحتمل أن يكون امرأة، فلا يجوز قتله مع الشك، ولا يجوز قتل زمن، وأعمى وراهب؛ لما روي عن أبي بكر
الصديق، أنه أوصى يزيد بن أبي سفيان حين بعثه إلى الشام، فقال: «لا تقتلوا الولدان، ولا النساء، ولا الشيوخ، وستجدون قومًا حبسوا أنفسهم في الصوامع، فدعوهم وما حبسوا له أنفسهم».
ولا يقتل عبد؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : «أدركوا خالدًا فمروه أن لا يقتل ذرية ولا عسيفًا –وهم العبيد-» ولأنهم يصيرون رقيقًا للمسلمين بنفس السبي، أشبهوا النساء والصبيان.
ومن قاتل ممن ذكر جاز قتله؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قتل يوم قريظة امرأة ألقت رحى على محمود بن سلمة، وروي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: مر النبي - صلى الله عليه وسلم - بامرأة مقتولة يوم الخندق، فقال: «من قتل هذه؟» قال رجل: أنا يا رسول الله، قال: «ولِمَ؟» قال: نازعتني قائم سيفي، قال: فسكت؛ ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقف على امرأة مقتولة، فقال: «يا لها قتلت، وهي لا تقاتل؟» ففيه دليل على أنه إنما نهى عن قتل المرأة، إذا لم تقاتل.
وكذلك من كان ذا رأي يعين به في الحرب، يجوز قتله لأن دريد بن الصمة كان شيخًا كبيرًا وكان له رأي؛ فإنه أشار على هوازن يوم حنين ألا يخرجوا معهم الذراري، فخالفه مالك بن عوف فخرج بهم فهزموا، فقال دريد في ذلك:
أمرتهم أمري بمنعرج اللوى ... فلم يستبينوا الرشد إلا ضحى غد
وقتل، ولم ينكر النبي - صلى الله عليه وسلم - قتله، ولأن الرأي في الحرب أبلغ من القتال؛ لأنه هو الأصل، وعنه يصدر القتال؛ ولهذا قال المتنبي:
الرأي قبل شجاعة الشجعان ... هو أول وهي المحل الثاني
فإذا هما اجتمعا لنفس مرة ... بلغت من العلياء كل مكان
ولربما طعن الفتى أقرانه ... بالرأي قبل تطاعن الفرسان
وقد جاء عن معاوية رضي الله عنه أنه قال لمروان والأسود: أمددتما عليًا بقيس بن سعد وبرأيه ومكايدته، فوالله لو أنكما أمددتماه بثمانية آلاف
مقاتل ما كان بأغيظ لي من ذلك، ويقتل المريض إذا كان ممن لو كان صحيحًا قاتل؛ كالإجهاز على الجريح؛ لأن في تركه حيًا ضررًا على المسلمين وتقوية للكفار، وإن كان مأيوسًا من برئه، فكزمن لعدم النكاية.
وأما الفلاح الذي لا يقاتل فينبغي أن لا يقتل؛ لما روي عن عمر - رضي الله عنه - أنه قال: اتقوا الله في الفلاحين الذين لا ينصبون لكم الحرب.
وقال الأوزاعي: لا يقتل الحراث إذا علم أنه ليس من المقاتلة.
وقال الشافعي: يقتل إلا أن يؤدي الجزية لدخوله في عموم المشركين، ومن أدلة القول الأول: أن الصحابة - رضي الله عنهم - لم يقتلوهم حين فتحوا البلاد، ولأنهم لا يقاتلون أشبهوا الشيوخ والرهبان، قاله في الشرح، وإن تترس بمن لا يقتل جاز رميهم، ويقصد المقاتلة؛ لأن المنع من رميهم يفضي إلى تعطيل الجهاد، ووسيلة إلى الظفر بالمسلمين.
وإن تترسوا بمسلمين لم يجز رميهم؛ لأنه يؤول إلى قتل المسلمين، مع أن لهم مندوحة عنه، إلا أن خيف علينا بترك رميهم فيرمون للضرورة، ويقصد الكفار بالرمي دون المسلمين؛ لأنهم المقصودون بالذات، فلو لم يخف على المسلمين، لكن لا يقدر عليهم إلا لرمي، لم يجز رميهم؛ لقوله تعالى: { وَلَوْلا رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُّؤْمِنَاتٌ } الآية، قال الليث: ترك فتح حصن يقدر على فتحه، أفضل من قتل مسلم بغير حق.
في تبييت الكفار من النظم
وتبييتهم مع رميهم بمجانق ... وقطع المياه افعل وهدم المشيد
ويحرم تغريق لنحل وحرة ... وخذ عسلاً للأكل وافهم بأبعد
وعقرك عجماء القتال أجزه في ... القتال كمعي جوزه في المجود
وعقرك ذي احظر لا اضطرار لأكلها ... وكالطير أنعام فكله بأجود
وما حل من ذبح لأكل فجلده ... حلال وفي مال الغنيمة فاردد
وتغريقهم والرمي بالنار جائز ... إذا امتنعوا إلا به أو بنا ابتد
وفيه بلا الشرطين قولان هكذا ... لإتلاف أشجار وزرعهم اشهد
ويحرم إما ضرنا بتلافة ... وإن ضرنا بالمكث فاتلفه ترشد
وحضر بلا خلف ولو جاز حرقهم ... بكره وقد حزناهم لم أبعد
ولا تقتلن صبيانهم ونسائهم ... وزمنًا وعميانًا وراهب معبد
وشيخهم الفاني إذا لم يقاتلوا ... ولم يك ذا رأي كخنثى مؤصد
ولا العبد المأيوس سقمًا وحادثًا ... ومسعدهم حتى بشتم ليقدد
وما قتل فلاحيهم وعبيدهم ... لنجدتهم والخوف منهم بمبعد
وإن جعلوهم جنة فارم ناويًا ... مقاتلة منهم بقلبك واقصد
وإن ترسوا بالمسلمين وخفتهم ... علينا ارمهم قصدًا وإلا بمبعد
منقول من :
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق