هِيَ عكوف الْقلب على الله عز وَجل كاعتكاف الْبدن فِي الْمَسْجِد
لَا يُفَارِقهُ وَحَقِيقَة ذَلِك عكوف الْقلب على محبّته وَذكره بالإجلال والتعظيم وعكوف الْجَوَارِح على طَاعَته بالإخلاص لَهُ والمتابعة لرَسُوله وَمن لم يعكف قلبه على الله وَحده عكف على التماثيل المتنوعة كَمَا قَالَ إِمَام الخنفاء لِقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ فاقتسم هُوَ وَقَومه حَقِيقَة العكوف فَكَانَ حَظّ قومه العكوف على التماثيل وَكَانَ حَظه العكوف على الرب الْجَلِيل والتماثيل جمع تِمْثَال وَهُوَ الصُّور الممثلة فَتعلق الْقلب بِغَيْر الله واشتغاله بِهِ والركون إِلَيْهِ عكوف مِنْهُ على التماثيل الَّتِي قَامَت بِقَلْبِه وَهُوَ نَظِير العكوف على تماثيل الْأَصْنَام وَلِهَذَا كَانَ شرك عباد الْأَصْنَام بالعكوف بقلوبهم وهممهم وإرادتهم على تماثيلهم فَإِذا كَانَ فِي الْقلب تماثيل قد ملكته واستعبدته بِحَيْثُ يكون عاكفا عَلَيْهَا فَهُوَ نَظِير عكوف الْأَصْنَام عَلَيْهَا وَلِهَذَا سمّاه النَّبِي عبدا لَهَا ودعا عَلَيْهِ بالتعس والنكس فَقَالَ تعس عبد الدِّينَار تعس عبد الدِّرْهَم تعس وانتكس وَإِذا شيك فَلَا انتقش
النَّاس فِي هَذِه الدَّار على جنَاح سفر كلهم وكل مُسَافر فَهُوَ ظاعن إِلَى مقْصده ونازل على من يسرّ بالنزول عَلَيْهِ وطالب الله وَالدَّار الْآخِرَة إِنَّمَا هُوَ ظاعن إِلَى الله فِي حَال سَفَره ونازل عَلَيْهِ عِنْد الْقدوم عَلَيْهِ فَهَذِهِ همته فِي سَفَره وَفِي
انقضائه يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي {وَقَالَت امْرَأَة فِرْعَوْن} رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ فطلبت كَون الْبَيْت عِنْده قبل طلبَهَا أَن يكون فِي الْجنَّة فَإِن الْجَار قبل الدَّار من كَلَام الشَّيْخ على
قيل لي فِي نوم كاليقظة أَو يقظة كالنوم لَا تبد فاقة إِلَى غَيْرِي فأضاعفها عَلَيْك مُكَافَأَة لخروجك عَن حدك فِي عبوديتك ابتليتك بالفقر لتصير ذَهَبا خَالِصا فَلَا تزيفن بعد السبك حكمت بالفقر ولنفسي بالغنى فَإِن وصلتها بِي وصلتك بالغنى وَإِن وصلتها بغيري حسمت عَنْك مواد معونتي طردا لَك عَن بَابي لَا تركن إِلَى شَيْء دُوننَا فانه وبال عَلَيْك وَقَاتل لَك إِن ركنت إِلَى الْعَمَل رددناه عَلَيْك وَإِن ركنت إِلَى الْمعرفَة نكرناها عَلَيْك وَإِن ركنت إِلَى الوجد استدرجناك فِيهِ وَإِن ركنت إِلَى الْعلم أَو قفناك مَعَه وَإِن ركنت إِلَى المخلوقين وكلناك إِلَيْهِم أَرْضنَا لَك رَبًّا نرضاك لنا عبدا

اسم الكتاب:الفوائد
المؤلف: محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد شمس الدين ابن قيم الجوزية 
الفن: كتب ابن القيم 
الناشر:دار الكتب العلمية - بيروت
عدد الأجزاء:1
للاطلاع على الكتاب إاليكم الرابط:http://elibrary.mediu.edu.my/books/DRM3960.pdf