من هو الغال؟ وحكم سهمه؟ وما الذي يجب حرقه مما معه؟ والذي لا يحرق؟ ومتى يحرق؟ وماذا يستثنى له؟ وإلى أي شيء يرجع ما أخذ مما غل من الغنيمة؟ وإذا تاب فما الحكم؟ وما أخذ من فدية أو أهدي لأمير أو أهدى لبعض الغانمين فما الحكم؟ وما هي الأدلة على ذلك؟
ج: الغلو: الخيانة في المغنم والسرقة من الغنيمة، سمي غلولًا؛ لأن صاحبه يخفيه في متاعه. ويحرم الغلول وهو كبيرة للوعيد عليه بقوله تعالى: { وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ القِيَامَةِ } ، وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى خيبر ففتح الله عز وجل علينا، فلم نغنم ذهبًا، ولا ورقًا، فاغتنمنا المتاع والطعام والثياب، ثم انطلقنا إلى الوادي، ومع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عبد له وهبه له رجل من جذام يسمى رفاعة ابن زيد من بني الضبيب، فلما نزلنا الوادي، قام عبد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحل رحله، فرمى بسهم فكان فيه حتفه، فقلنا: هنيئًا له الشهادة يا رسول الله، قال: «كلا، والذي نفس محمد بيده، إن الشملة لتلتهب عليه نارًا أخذها من الغنائم يوم خيبر لم تصبها المقاسم»، قال: ففزع الناس فجاء رجل بشراك أو شراكين، فقال: يا رسول الله، أصبت يوم خيبر، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «شراك من نار أو شراكًا من نار» متفق عليه.
وعن عمر قال: لما كان يوم خيبر أقبل نفر من صحابة النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقالوا: فلان شهيد وفلان شهيد، حتى مروا على رجل، فقالوا: فلان شهيد. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «كلا، إني رأيته في النار في بردة غلها أو عباءة» الحديث رواه أحمد ومسلم، وعن عبد الله بن عمر قال: كان على ثقل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجل يقال له كركرة فمات، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «هو في النار فذهبوا ينظرون إليه فوجدوا عباءة قد غلها» رواه أحمد والبخاري.
فمن كتم ما غنم أو بعضه يجب حرق رحله كله؛ لما روي عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وأبا بكر، وعمر حرقوا متاع الغال. رواه أبو داود. وعن صالح بن محمد بن زائدة، قال: دخلت مع مسلمة أرض الروم، فأتى برجل قد غل، فسأله سالمًا عنه، فقال: سمعت أبي يحدث عن عمر بن الخطاب، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا وجدتم الرجل قد غل، فاحرقوا متاعه، واضربوه»، قال: فوجدنا في متاعه مصحفًا، فسأل سالمًا عنه، قال: بعه وتصدق بثمنه. رواه أحمد وأبو داود.
وبهذا قال الحسن، وفقهاء الشام منهم: مكحول والأوزاعي والوليد بن هشام، ويزيد بن يزيد بن جابر، وأتى سعيد بن عبد الملك الغال، فجمع ماله وأحرقه وعمر بن عبد العزيز - رضي الله عنه - حاضر ذلك فلم يعبه.
وقال يزيد بن يزيد بن جابر: السُّنة في الذي يغل أن يحرق رحله، وقال مالك والليث والشافعي وأصحاب الرأي: لا يحرق؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحرق؛ فإن عبد الله بن عمر روى أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أصاب غنيمة أمر بلالاً فنادى في الناس، فيجيئون بغنائمهم فيخمسه ويقسمه، فجاء رجل بعد ذلك بزمام من شعر، فقال: يا رسول الله، هذا فيما كنا أصبنا من الغنيمة، فقال: «سمعت بلالًا نادى ثلاثًا»، قال: نعم، قال: «فما منعك أن تجيء به»، فاعتذر، فقال: «كنت أنت تجيء به يوم القيامة فلن أقبله منك» أخرجه أبو داود؛ ولأن إحراق المتاع إضاعة له، وقد نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن إضاعة المال.
قال أهل القول الأول: أما حديثهم أي أهل القول الثاني، فلا حجة لهم فيه؛ فإن الرجل لم يعترف أنه أخذ ما أخذه على وجه الغلول، ولا أخذه لنفسه؛ وإنما تواني في المجيء به، وليس الخلاف فيه؛ ولأن الرجل جاء به من عند نفسه تائبًا معتذرًا والتوبة تجب ما قبلها؛ وأما النهي عن إتلاف المال، فقيد بعدم المصلحة؛ فأما إذا كان فيه مصلحة، فلا بأس به، ولا يعد تضييمًا، كإلقاء المتاع في البحر إذا خيف الغرق، وقطع يد السارق، مع أن المال لا تكاد المصلحة تحصل به إلا بذهابه فأكله إتلافه وإنفاقه إذهابه، ولا يعد شيء من ذلك تضييمًا، ولا إفسادًا، ولا ينهى عنه؛ لكن قال البخاري: قد روى في غير حديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الغال ولم يأمر بحرق متاعه.
وقال الدارقطني:
حرق متاع الغال لا أصل له عن رسول الله، ولم يثبت حرمان سهمه في خير، ولا دل عليه دليل ولا قياس، فبقي بحاله، واختار الشيخ تقي الدين أن تحريق رحل الغال من باب التعزير لا الحد، فيجتهد الإمام بحسب المصلحة وصوبه في «الإنصاف» وغيره، وهذا القول هو الذي تميل إليه النفس والله سبحانه اعلم ما لم يكن باعه أو وهبه، فلا يحرق؛ لأنه عقوبة لغير الجاني، ومحل إحراق رحله إذ كان حرًا حيًا؛ فإن مات قبله لم يحرق لسقوطه بالموت كالحدود، فلا يحرق رجل رقيق؛ لأنه لسيده مكلفًا لا صغيرًا، أو مجنونًا؛ لأنهما ليسا من أهل العقوبة، ملتزمًا لأحكامنا، وإلا لم يعاقب على ما لا يعقد تحريمه إلا سلاحًا ومصحفًا، وحيوانًا بآلته ونفقته، وكتب علم وثيابه التي عليه، وما لا تأكله النار، فلا يحرق وذلك كالحديث، وهو للغال.
ويعزر الغال مع ذلك بالضرب ونحوه، ولا ينفي ويؤخذ ما غل للمغنم؛ لأنه حق للغانمين، ومن يشركهم فوجب رده إلى أهله؛ فإن تاب بعد قسم أعطى الإمام خمسه ليصرف في مصارفه، وتصدق ببقيته، روي عن معاوية وابن مسعود؛ لأنه لا يعرف أربابه أشبه المال الضائع.
وما أخذ من فدية أسرى، فغنيمة لقسمه - صلى الله عليه وسلم - فداء أسرى بدر بين الغانمين، ولحصوله بقوة الجيش، وكذا ما أهدي للأمير، أو لبعض قواده، أو أهدي لبعض الغانمين بدار حرب فغنيمته.
وقال الشيخ: ما أخذه العمال وغيرهم من مال المسلمين بغير حق فلولي الأمر العادل استخراجه منهم كالهدايا التي يأخذونها بسبب العمل. قال أبو سعيد: هدايا العمال غلول. روي مرفوعًا، ويشهد له قصة ابن اللتبية، وكذا محاباة في المعاملة، والمؤاجرة، والمضاربة والمساقاة والمزارعة ونحو ذلك، هو نوع من الهدية، ولهذا شاطرهم عمر لما خصوا به من أجل الولاية من محاباة وغيرها؛ لأنه إمام عادل يقسم بالسوية، وما أُهدي بدارنا للإمام أو غيره، فللمهدى له، لقبوله - صلى الله عليه وسلم - هدية المقوقس وغيره، وكانت له وحده.
مما يتعلق في قسمة الغنائم نظمًا
تبارك من قد خصّ أمة أحمد ... بتحليل غنم كان أكلا لموقد
وما حزته بالجيش قهرًا غنيمة ... من أموال أهل الكفر أو أرض جحد
ولو من مباحات لها ثم قيمة ... ولقطتهم أو مبهم ولنشد
كذاك ركاز بالجنود استطاعة ... ولو في الموات افهم وفدية مهتد
ولم يملكوا بالقهر أموال مسلم ... ولا ذمة في الأظهر المتأكد
فأوقفه أن يجهل لمن هو ربه ... أحق ولو بعد اقتسام مفسد
وبعد الشر منهم وإسلام آخذ ... به اخصصه مجانًا به في المعدد
فإن يلق قبل القسم يعطاه أن يشأ ... وإلا فمن مال الغنيمة فاعدد
ويقسم أن يجهل ولا حق بعد ذا ... لصاحبه كالمشتري منهم أعضد
ولا إن أتانا آخذ مسلم به ... ومستأمنًا قد جاءنا وهو في اليد
وعنه له المقصود إن شاء بقيمة ... وما منهم ابتغاه بالثمن اشهد
ولا حق في المشهور من بعد قسمة ... وبالثمن إن شا المشتري امنحه وارقد
وإن كان مأخوذًا لا عوض فخذ ... من المرء مجانًا على المتوطد
ومتهب أو مشتر إن تصرفا ... يصح ومن أقصاهم خذ بأجود
ولم يملكوا عبدًا لنا جاء آبقًا ... ولا شارد العجما وفلكا بأوكد
ولا يملكون الحر والوقف مطلقًا ... ومستولدات المسلمين بأوطد
وإن يشتري مأسورنا مسلم نوى ... رجوعًا فألزم مفتدي ما به فدى
ونملك باستيلائنا الغنم ثانيًا ... ولو أنه في دار حرب بأجود
وقسمتها فيها تجوز فإن تبع ... فمن مال مبتاع نواها بأوكد
وما للأمير الإشترا من غنيمة ... ويلزم من يبتاع رد المزيد
لمن شهد الهيجاء أهلًا لخوضها ... ولو تاجرًا أو موجرًا ذا تعدد
ومن غاب عنها في القتال لنفعنا ... بإذن الأمير إقسم له لا تردد
ولاحظ للمنوع صحبة جيشنا ... ولا لمريض عاجز ومعدد
ومن بعد إحراز الغنيمة جايخ ... كذا بين الاستيلا وحوز بأجود
ويبدأ بالأسلاب تعطي لأهلها ... كمال لذي عهد وعقد ومهتد
وجعل وأجرًا لحافظين ويقسم ... السبقة أخماسًا فخمسًا كذا اعدد
فخذ خمسة لله ثم رسوله ... وفي مصرف الفيء اصرفنه بأوكد
وسيان ذو وفر وفقر وقيل ذا ... أحق ومولاهم عن القسم أبعد
بأي بلاد الله جلوا وقيل بل ... بقطر جهاد كالشآم فقيد
وخمس لأيتام مع الفقر أسوة ... وما عم مستغن وناء بمبعد
وصنف فقير والمساكين في سوى ... الزكاة لهم خمس من الخمس أرصد
ولابن سبيل المسلم الحر خمسة ... وعدد لذي الأوصاف عند التعدد
ومن بعد هذا اتقان ذوي الغنى ... ومن قبل تخميس بوجه به جد
ولا سهم في الأولى لذي الكفر ... وارضخن له، والمميز، والنساء، واعهد
وكالقن من كاتبته ومدبر ... وفي مشكل والحر بعضا تردد
وفي غنم أهل الرضع خميس وما بقي ... لهم غنمًا أقسم وقيل بل اجهد
ولا تلزمن في بذل رضخ تساويا ... بل إن شئت ساويهم وإن شئت زيد
ولا تعطين رضخًا لذي السهم مثله ... ونقضه عن مركوبه عند ترشد
ومن صار منهم مثل أهل سهامها ... قبيل تقضي الحرب بالسهم زود
ومن كان يغزل فوق طرف لسيد ... فسهماه كالمغصوب تعطي لسيد
وللفرس أرضخ تحت ذي الرضخ مطلقًا ... سوى العبد وأسهم للغصيب بأجود
ولا شيء للأباق مثل مخذل ... وممنوع دين أو أب فليرقد
وسائرها للفارس ادفع ثلاثة ... له واحد منها كراجلهم قد
وللفرسين اقسم فقط والهجين ... والبراذين والمقرف سهيم لها طد
ولا شيء يعطي غير خيل وعنه ... للبعير المواتي الكر منهم ليفرد
وكن بشهود الحرب معتبرًا ... ولا التفاب إلى ما قبل أو بعد فاهتد
فمن شهد الهيجا على الطرف فارس ... ومن لا فلا فاحكم بغير تقيد
وقيل اعتبر حال الفتى حين جاءنا ... أهو مستحق السهم أم لا فقيد
ولم يستبح شيء بقول الإمام من ... حوى منكم شيئًا ينله بأوكد
وعنه يلي مع أمنه من مفاسد ... وحاجة تحريض كبدر فجود
وأسهم في الأولى للأجير لخدمة ... وللحرب منه سوى أهلها اصدد
وعنه له سهم وعنه إجارة ... على الغزو والغوا أجرها أردده ترشد
ووارث ميت الجيش يعطي حقوقه ... جميعًا على ما قد تقدم فاشهد
وإن سرايانا تشارك جيشنا ... وبالعكس إلا ما يخص بمفرد
ويسهم للمبعوث إن كان غائبًا ... لمصلحة الجيش الهمام المجند
وإن رغبوا عنها ففيء وبعضهم ... متى رغبوا الباقين بالكل زود
وإن يعط ذو حق بها ولولده ... فتاة فأدبه وعن حده حد
وخذ منه مهر المثل غنمًا وقيمة ... لها إن ولدت منه وألحقه وافتدت
وإن غل ذو حق له أو لولده ... ووالده من قبل قسم وسيد
فأدب بلا قطع وحرق متاعه ... الذي كان معه ثم في نص أحمد
إذا كان حرًا عالم الحظر بالغًا ... سوى مصحف أو كتب علم مرشد
وآلة حرب أو ثياب وسترة ... وآلة مركوب وذا الروح تهتد
ولا تحرقن إن غل عبد متاعه ... ولا تمنعن من غل سهمًا بأوطد
وهل سارق من مغنم كغلوله ... حكموه على وجهين فارو وأسند
ويعتق من غنم محرز غانم ... وذو رحم إن عمه حقه قد
وإلا كعتق الشخص نص عليها ... ولا عتق فيما اختاره ذو المجرد
ويختار مجد الدين كالنص إن تكن ... رقيقًا وكالقاضي متى تعدد
وإهداء كفر في الغزاة لقائد ... الجيوش اغتنامًا ليس فيئًا بأجود
وإن سيده من دار حرب لدارنا ... فذاك لمن أهدى له بتفرد
منقول من :
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق