ماذا يلزم الجيش من طاعة الإمام؟ وما حكم إحداث أمر بلا إذنه؟ تكلم عن المبارزة بوضوح، واذكر ما تستحضره من الأدلة.
ج: يلزم الجيش طاعة الأمير في غير معصية، ويلزمهم النصح والصبر معه؛ لقوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ } ؛ ولحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن يطع الأمير فقد أطاعني، ومن يعص الأمير فقد عصاني» متفق عليه.
وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره، إلا أن يؤمر بمعصية، فلا سمع ولا طاعة» متفق عليه. وعنه قال: كنا إذا بايعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على السمع والطاعة، يقول لنا: «فيم استطعتم» متفق عليه.
وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «من كره من أميره شيئًا فليصبر، فإنه من خرج من السلطان شبرًا مات ميتة جاهلية» متفق عليه. وعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبد حبشي، كأن رأسه زبيبة» رواه البخاري.
وأما الدليل على النصح، فعن أبي رقية تميم الداري - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «الدين النصيحة»، قلنا: لِمَن؟ قال: «لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم» رواه مسلم. وعن جرير بن عبد الله - رضي الله عنه - ، قال: بايعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والنصح لكل مسلم، متفق عليه. فلو أمرهم الأمير بالصلاة جماعة، وقت لقاء العدو فأبوا، عصوا للمخالفة.
وأما الدليل على الصبر، فقوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا } وعن عبد الله بن أبي أوفى، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بعض أيامه التي
لقى فيها العدو انتظر حتى مالت الشمس، ثم قام في الناس، فقال: «أيها النسا لا تتمنوا لقاء العدو واسألوا الله العافية، فإذا لقيتموهم، فاصبروا، واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف» الحديث متفق عليه.
ويلزمهم اتباع رأيه، والرضا بقسمته الغنيمة وبتعديله لها؛ لأن ذلك من جملة طاعته ولا يخالفونه ينشعب أمرهم، فلا خير مع الخلاف، ولا شر مع الائتلاف. قال ابن مسعود: الخلاف شر. ذكر ابن عبد البر: ولا يجوز لأحد أن يتعلف –وهو تحصيل العلف للدواب- ولا يتحطب، ولا يبارز، ولا يخرج من العسكر، ولا يحدث حدثًا إلا بإذن الأمير؛ لأنه أعرف بحال الناس وحال العدو ومكامنهم وقوتهم، فإذا خرج إنسان أو بارز بغير إذنه، لم يأمن أن يصادف كمينًا للعدو فيأخذوه، أو يرحل بالمسلمين، ويتركه فيهلك أو يكون ضعيفًا لا يقوى على المبارزة، فيظفر به العدو فتكسر قلوب المسلمين، بخلاف ما إذا أذن؛ فإنه لا يكون إلا مع انتفائه المفاسد، ويؤيد ذلك قوله تعالى: { إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ الَذِنَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَّمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ } .
ولا ينبغي أن يأذن في موضع إذا علم أنه مخوف؛ لأنه تغرير بهم؛ وأما الانغماس في الكفار، فيجوز بلا إذن لأنه يطلب الشهادة، ولا يترقب منه الظفر، وإلا بالمقاومة بخلاف المبارزة، فتتعلق به قلوب الجيش، ويرتقبون ظفره، فلو طلب البراز كافر، سن لمن يعلم من نفسه القوة والشجاعة مبارزته بإذن الأمير، لمبارزة الصحابة - رضي الله عنهم - .
عن علي - رضي الله عنه - قال: تقدم عتبة بن ربيعة، ومعه ابنه وأخوه، فنادى: من يبارز؟ فانتدب شاب من الأنصار، فقال: من أنتم؟ فأخبروه. فقال: لا حاجة لنا فيكم، إنا أردنا بني عمان، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «قم يا حمزة، قم يا علي، قم يا عبيدة بن الحارث» فأقبل حمزة إلى عتبه، وأقبلت إلى شيبة، واختلفت ابن عبيدة والوليد ضربتان، فأثخن كل واحد منا صاحبه، ثم ملنا إلى الوليد، فقتلناه واحتملنا عبيدة، رواه أحمد وأبو داود.
وعن قيس بن عبادة، عن علي قال: أنا أول من يجثو للخصومة بين يدي الرحمن يوم القيامة، قال قيس: فيهم نزلت هيه الآية: { هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ } قال: هم الذين تبارزوا يوم بدر علي وحمزة وعبيدة بن الحارث وشيبة وربيعة والوليد بن عتبة. وفي رواية أن عليًا قال: فينا نزلت هذه الآية، وفي مبارزتنا يوم بدر { هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ } . رواهما البخاري، وعن سلمة بن الأكوع قال: بارز عمي يوم خيبر مرحب اليهودي، رواه أحمد في قصة طويلة ومعناه لمسلم، وبارز البراء بن مالك مرزبان الدارة، فقتله وأخذ سلبه، فبلغ ثلاثين ألفًا؛ ولأن في الإجابة إليها إظهارًا لقوة المسلمين، وجلدهم على الحرب، فإن لم يعلم من نفسه المكافأة لطلب البراز، كرهت إجابته لئلا يقتل، فيكسر قلوب المسلمين، وكان الأمير لا رأي له فعلت المبارزة بغير إذنه.
فإن شرط الكافر المبارز أن لا يقتله غير الخارج إليه، أو كان هو العادة لزم لقوله تعالى: { أَوْفُوا بِالْعُقُودِ } ؛ ولقوله - صلى الله عليه وسلم - : «المسلمون على شروطهم»، ويجوز رميه وقتله قبل المبارزة؛ لأن لا عهد له ولا أمان.
ويباح للرجل المسلم الشجاع طلبها ابتداء، ولا يستجب له ذلك؛ لأنه لا يأمن أن يقتل فتنكسر قلوب المسلمين، فإن انهزم المسلم المجيب لطالب البراز، والداعي إليه أو أثخن بجراح، فلكل مسلم الدفع عنه، والرمي للكافر المبارز لانقضاء قتال المسلم معه، والأمان إنما كان حال البراز، وقد زال وأعان حمزة وعلي وعبيدة بن الحارث على قتل شيبة بن ربيعة، حين أثخن عبيدة.
وإن أعان الكفار صاحبهم، فعلى المسلمين عون صاحبهم، وقتال من أعان عليه دون المبارزة؛ لأنه ليس بسبب من جهته؛ فإن استنجدهم أو علم منه الرضا بفعلهم انتقض أمانه وجاز قتله.
منقول من :
http://vb.mediu.edu.my/showthread.php?t=31998
منقول من :
http://vb.mediu.edu.my/showthread.php?t=31998
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق