الخميس، 6 يونيو 2013

أَمَّا إِذَا كَانَتِ السُّنَّةُ بِمَعْنَى الشَّرِيعَةِ وَالطَّرِيقَةِ فَهِيَ..

أَمَّا إِذَا كَانَتِ السُّنَّةُ بِمَعْنَى الشَّرِيعَةِ وَالطَّرِيقَةِ فَهِيَ مَلَكُوتِيَّةٌ بِمَعْنَى الِاسْمِ تُقْبَضُ تَاؤُهَا كَمَا فِي الْأَحْزَابِ {سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا من قبل} أي حكم الله وشرعه وفي الإسراء: {سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا} ومنه: {بقيت الله} فَرْدٌ مُدَّتْ تَاؤُهُ لِأَنَّهُ بِمَعْنَى مَا يَبْقَى فِي أَمْوَالِهِمْ مِنَ الرِّبْحِ الْمَحْسُوسِ لِأَنَّ الْخِطَابَ إِنَّمَا هُوَ فِيهَا مِنْ جِهَةِ الْمِلْكِومنه {فطرت الله} فرد وصفها بِأَنَّهَا فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا فَهِيَ فَصْلُ خِطَابٍ فِي الْوُجُودِ كَمَا جَاءَ "كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ" الْحَدِيثَ وَمِنْهُ: {قُرَّتُ عَيْنٍ لِي ولك} فَرْدٌ مُدَّتْ تَاؤُهُ لِأَنَّهُ بِمَعْنَى الْفِعْلِ إِذْ هُوَ خَبَرٌ عَنْ مُوسَى وَهُوَ مَوْجُودٌ حَاضِرٌ في الملك وهذا بخلاف: {قرة أعين} فَإِنَّهُ هُنَا بِمَعْنَى الِاسْمِ وَهُوَ مَلَكُوتِيٌّ إِذْ هو غير حاضر ومنه: {ومعصيت الرسول} مُدَّتْ فِي مَوْضِعَيْنِ فِي سُورَةِ الْمُجَادِلَةِ لِأَنَّ مَعْنَاهَا الْفِعْلُ وَالتَّقْدِيرُ وَلَا تَتَنَاجَوْا بِأَنْ تَعْصُوا الرَّسُولَ وَنَفْسُ هَذَا النَّجْوِ الْوَاقِعِ مِنْهُمْ فِي الْوُجُودِ هُوَ فِعْلُ مَعْصِيَةٍ لِوُقُوعِ النَّهْيِ عَنْهُ وَمِنْهُ اللَّعْنَةُ مُدَّتْ فِي مَوْضِعَيْنِ فِي آيَةِ الْمُبَاهَلَةِ وَفَى آيَةِ اللِّعَانِ وَكَوْنُهُمَا بِمَعْنَى الْفِعْلِ ظَاهِرٌ وَمِنْهُ الشَّجَرَةُ فِي مَوْضِعِ: {إِنَّ شَجَرَتَ الزقوم} لِأَنَّهَا بِمَعْنَى الْفِعْلِ اللَّازِمِ وَهُوَ تَزَقُّمُهَا بِالْأَكْلِ بدليل قوله تعالى: {في البطون} فَهَذِهِ صِفَةُ فِعْلٍ كَمَا فِي الْوَاقِعَةِ: {لَآكِلُونَ من شجر من زقوم} وَهَذَا بِخِلَافِ قَوْلِهِ: {أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أم شجرة الزقوم} فإن هذه وصفها بأنها: {فتنة للظالمين} وأنها {إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم} فَهُوَ حِلْيَةٌ لِلِاسْمِ فَلِذَلِكَ قُبِضَتْ تَاؤُهَا وَمِنْهُ الْجَنَّةُ مُدَّتْ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ فِي الْوَاقِعَةِ: {وجنت نعيم} لِكَوْنِهَا بِمَعْنَى فِعْلِ التَّنَعُّمِ بِالنَّعِيمِ بِدَلِيلِ اقْتِرَانِهَا بِالرَّوْحِ وَالرَّيْحَانِ وَتَأَخُّرِهَا عَنْهُمَا وَهُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَهَذِهِ جَنَّةٌ خَاصَّةٌ بِالْمُنَعَّمِ بِهَا وَأَمَّا: {مِنْ ورثة جنة النعيم} و: {أن يدخل جنة نعيم} فَإِنَّ هَذَا بِمَعْنَى الِاسْمِ الْكُلِّيِّ وَلَمْ تُمَدَّ: {وتصلية جحيم} لِأَنَّهَا اسْمُ مَا يُفْعَلُ بِالْمُكَذِّبِ فِي الْآخِرَةِ أَخْبَرَنَا اللَّهُ بِذَلِكَ فَالْمُؤْمِنُ يَعْلَمُهُ تَصْدِيقًا وَلَا يُحْذَفُ لِفِعْلٍ أَبَدًا وَالضَّابِطُ لِذَلِكَ أَنَّ مَا كَانَ بِمَعْنَى الِاسْمِ لَمْ تُمَدَّ تَاؤُهُ مِثْلِ: {زهرة الحياة الدنيا} و {صبغة الله} و {زلزلة الساعة} و {تحلة أيمانكم} و {رحلة الشتاء والصيف} و {حمالة الحطب} ومنه: {ومريم ابنت عمران} مُدَّتِ التَّاءُ تَنْبِيهًا عَلَى مَعْنَى الْوِلَادَةِ وَالْحُدُوثِ مِنَ النُّطْفَةِ الْمَهِينَةِ وَلَمْ يُضَفْ فِي الْقُرْآنِ وَلَدٌ إِلَى وَالِدٍ وَوُصِفَ بِهِ اسْمُ الْوَلَدِ إِلَّا عِيسَى وَأُمَّهُ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ لَمَّا اعْتَقَدَ النَّصَارَى فِيهِمَا أَنَّهُمَا إِلَهَانِ فَنَبَّهَ سُبْحَانَهُ بِإِضَافَتِهِمَا الْوِلَادِيَّةَ عَلَى جِهَةِ حُدُوثِهِمَا بَعْدَ عَدَمِهِمَا حَتَّى أَخْبَرَ تَعَالَى فِي مَوْطِنٍ بِصِفَةِ الْإِضَافَةِ دُونَ الْمَوْصُوفِ وَقَالَ: {وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وأمه آية} لَمَّا غَلَوْا فِي إِلَاهِيَّتِهِ أَكْثَرَ مِنْ أُمِّهِ كَمَا نَبَّهَ تَعَالَى عَلَى حَاجَتِهِمَا وَتَغَيُّرِ أَحْوَالِهِمَا في الوجود بلحقهما مَا يَلْحَقُ الْبَشَرَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {كَانَا يأكلان الطعام} وَمِنْهُ امْرَأَةٌ هِيَ فِي سَبْعَةِ مَوَاضِعَ وَهَى خمس من النساء امرأت عمران وامرأت فرعون وامرأت نوح وامرأت لوط وامرأت العزيز كُلُّهَا مَمْدُودَةٌ تَنْبِيهًا عَلَى فِعْلِ التَّبَعُّلِ وَالصُّحْبَةِ وَشِدَّةِ الْمُوَاصَلَةِ وَالْمُخَالَطَةِ وَالِائْتِلَافِ فِي الْمَوْجُودِ وَالْمَحْسُوسِ وَأَرْبَعٌ مِنْهُنَّ مُنْفَصِلَاتٌ فِي بَوَاطِنِ أَمْرِهِنَّ عَنْ بُعُولَتِهِنَّ بِأَعْمَالِهِنَّ وَوَاحِدَةٌ خَاصَّةٌ وَاصَلَتْ بَعْلَهَا بَاطِنًا وظاهرا وهي امرأت عِمْرَانَ فَجَعَلَ اللَّهُ لَهَا ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً وَأَكْرَمَهَا بِذَلِكَ وَفَضَّلَهَا عَلَى الْعَالَمِينَ وَوَاحِدَةٌ مِنَ الْأَرْبَعِ انْفَصَلَتْ بِبَاطِنِهَا عَنْ بَعْلِهَا طَاعَةً لِلَّهِ وَتَوَكُّلًا عليه وخوفا منه فنجاها وأكرمها وهي امرأت فِرْعَوْنَ وَاثْنَتَانِ مِنْهُنَّ انْفَصَلَتَا عَنْ أَزْوَاجِهِمَا كُفْرًا بِاللَّهِ فَأَهْلَكَهُمَا اللَّهُ وَدَمَّرَهُمَا وَلَمْ يَنْتَفِعَا بِالْوَصْلَةِ الظَّاهِرَةِ مَعَ أَنَّهَا أَقْرَبُ وَصْلَةٍ بِأَفْضَلِ أَحْبَابِ الله كما لم تضر امرأت فِرْعَوْنَ وَصْلَتُهَا الظَّاهِرَةُ بِأَخْبَثِ عَبِيدِ اللَّهِ وَوَاحِدَةٌ انْفَصَلَتْ عَنْ بَعْلِهَا بِالْبَاطِنِ اتِّبَاعًا لِلْهَوَى وَشَهْوَةِ نَفْسِهَا فَلَمْ تَبْلُغْ مِنْ ذَلِكَ مُرَادَهَا مَعَ تَمَكُّنِهَا مِنَ الدُّنْيَا وَاسْتِيلَائِهَا عَلَى مَا مَالَتْ إِلَيْهِ بِحُبِّهَا وَهُوَ فِي بَيْتِهَا وَقَبْضَتِهَا فَلَمْ يُغْنِ ذَلِكَ عَنْهَا شَيْئًا وَقُوَّتُهَا وَعِزَّتُهَا إِنَّمَا كَانَا لَهَا مِنْ بَعْلِهَا الْعَزِيزِ وَلَمْ يَنْفَعْهَا ذَلِكَ فِي الْوُصُولِ إِلَى إِرَادَتِهَا مَعَ عَظِيمِ كَيْدِهَا كَمَا لَمْ يَضُرَّ يُوسُفَ مَا امْتُحِنَ بِهِ مِنْهَا وَنَجَّاهُ اللَّهُ مِنَ السِّجْنِ وَمَكَّنَ لَهُ فِي الْأَرْضِ وَذَلِكَ بِطَاعَتِهِ لِرَبِّهِ وَلَا سَعَادَةَ إِلَّا بِطَاعَةِ اللَّهِ وَلَا شَقَاوَةَ إِلَّا بِمَعْصِيَتِهِ فَهَذِهِ كُلُّهَا عِبَرٌ وَقَعَتْ بِالْفِعْلِ فِي الْوُجُودِ فِي شَأْنِ كُلِّ امْرَأَةٍ مِنْهُنَّ فَلِذَلِكَ مدت تاءاتهن

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق