الخميس، 6 يونيو 2013

النَّوْعُ الثَّالِثُ وَالثَّلَاثُونَ: فِي مَعْرِفَةِ جَدَلِهِ

النَّوْعُ الثَّالِثُ وَالثَّلَاثُونَ: فِي مَعْرِفَةِ جَدَلِهِ
وَقَدْ أَفْرَدَهُ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ بِالتَّصْنِيفِ الْعَلَّامَةُ نَجْمُ الدِّينِ الطُّوفِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
اعْلَمْ أَنَّ الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ قَدِ اشْتَمَلَ عَلَى جَمِيعِ أَنْوَاعِ الْبَرَاهِينِ وَالْأَدِلَّةِ وَمَا مِنْ بُرْهَانٍ وَدَلَالَةٍ وَتَقْسِيمٍ وَتَحْدِيدِ شَيْءٍ مِنْ كُلِّيَّاتِ الْمَعْلُومَاتِ الْعَقْلِيَّةِ وَالسَّمْعِيَّةِ إِلَّا وَكِتَابُ اللَّهِ تَعَالَى قَدْ نَطَقَ بِهِ لَكِنْ أَوْرَدَهُ تَعَالَى عَلَى عَادَةِ الْعَرَبِ دُونَ دَقَائِقِ طُرُقِ أَحْكَامِ الْمُتَكَلِّمِينَ لِأَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: بِسَبَبِ مَا قاله: {وما وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ ليبين لهم} . الْآيَةَ
وَالثَّانِي: أَنَّ الْمَائِلَ إِلَى دَقِيقِ الْمُحَاجَّةِ هُوَ الْعَاجِزُ عَنْ إِقَامَةِ الْحُجَّةِ بِالْجَلِيلِ مِنَ الْكَلَامِ فَإِنَّ مَنِ اسْتَطَاعَ أَنْ يُفْهِمَ بِالْأَوْضَحِ الَّذِي يَفْهَمُهُ الْأَكْثَرُونَ لَمْ يَتَخَطَّ إِلَى الْأَغْمَضِ الَّذِي لَا يَعْرِفُهُ إِلَّا الْأَقَلُّونَ وَلَمْ يَكُنْ مُلْغِزًا فَأَخْرَجَ تَعَالَى مُخَاطَبَاتِهِ فِي مُحَاجَّةِ خَلْقِهِ فِي أَجَلِّ صُورَةٍ تَشْتَمِلُ عَلَى أَدَقِّ دَقِيقٍ لِتَفْهَمَ الْعَامَّةُ مِنْ جَلِيلِهَا مَا يُقْنِعُهُمْ وَيُلْزِمِهُمُ الْحُجَّةَ وَتَفْهَمُ الْخَوَاصُّ مِنْ أَثْنَائِهَا مَا يُوفَّى على ما أدركه فهم الخطباء

وَعَلَى هَذَا حُمِلَ الْحَدِيثُ الْمَرْوِيُّ: "إِنَّ لِكُلِّ آيَةٍ ظَهْرًا وَبَطْنًا وَلِكُلِّ حَرْفٍ حَدًّا وَمَطْلَعًا" لَا عَلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْبَاطِنِيَّةُ وَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ كُلُّ مَنْ كَانَ حَظُّهُ فِي الْعُلُومِ أَوْفَرَ كَانَ نَصِيبُهُ مِنْ عِلْمِ الْقُرْآنِ أَكْثَرَ وَلِذَلِكَ إِذَا ذَكَرَ تَعَالَى حُجَّةً عَلَى رُبُوبِيَّتِهِ وَوَحْدَانِيَّتِهِ أَتْبَعَهَا مَرَّةً بِإِضَافَتِهِ إِلَى أُولِي الْعَقْلِ وَمَرَّةً إِلَى السَّامِعِينَ وَمَرَّةً إِلَى الْمُفَكِّرِينَ وَمَرَّةً إِلَى الْمُتَذَكِّرِينَ تَنْبِيهًا أَنَّ بِكُلِّ قُوَّةٍ مِنْ هَذِهِ الْقُوَى يُمْكِنُ إِدْرَاكُ حَقِيقَتِهِ مِنْهَا وَذَلِكَ نَحْوُ قَوْلِهِ: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لقوم يعقلون} وَغَيْرِهَا مِنَ الْآيَاتِ.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ يَظْهَرُ مِنْهُ بِدَقِيقِ الْفِكْرِ اسْتِنْبَاطُ الْبَرَاهِينِ الْعَقْلِيَّةِ عَلَى طُرُقِ الْمُتَكَلِّمِينَ فَمِنْ ذَلِكَ الِاسْتِدْلَالُ عَلَى حُدُوثِ الْعَالَمِ بِتَغَيُّرِ الصِّفَاتِ عَلَيْهِ وَانْتِقَالِهِ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ وَهُوَ آيَةُ الْحُدُوثِ وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى فِي احْتِجَاجِ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ عَلَيْهِ السلام استدلاله بحدوث الأقل عَلَى وُجُودِ الْمُحْدِثِ وَالْحُكْمِ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بِحُكْمِ النَّيِّرَاتِ الثَّلَاثِ وَهُوَ الْحُدُوثُ طَرْدًا لِلدَّلِيلِ فِي كُلِّ مَا هُوَ مَدْلُولُهُ لِتَسَاوِيهَا فِي عِلَّةِ الْحُدُوثِ وَهِيَ الْجُسْمَانِيَّةُ
وَمِنْ ذَلِكَ الِاسْتِدْلَالُ عَلَى أَنَّ صَانِعَ الْعَالَمِ وَاحِدٌ بِدَلَالَةِ التَّمَانُعِ الْمُشَارِ إِلَيْهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَوْ كَانَ فيهما آلهة إلا الله لفسدتا} لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لِلْعَالَمِ صَانِعَانِ لَكَانَ لَا يَجْرِي تَدْبِيرُهُمَا عَلَى نِظَامٍ وَلَا يَتَّسِقُ عَلَى إِحْكَامٍ وَلَكَانَ الْعَجْزُ يَلْحَقُهُمَا أَوْ أَحَدَهُمَا وَذَلِكَ لَوْ أَرَادَ أَحَدُهُمَا إِحْيَاءَ جِسْمٍ وَأَرَادَ الْآخَرُ إِمَاتَتَهُ فَإِمَّا أَنْ تُنَفَّذَ إِرَادَتُهُمَا فَتَتَنَاقَضَ لِاسْتِحَالَةِ تجزؤ الْفِعْلُ إِنْ فُرِضَ الِاتِّفَاقُ أَوْ لِامْتِنَاعِ اجْتِمَاعِ الضِّدَّيْنِ إِنْ فُرِضَ الِاخْتِلَافُ

وَإِمَّا لَا تُنَفَّذُ إِرَادَتُهُمَا فَيُؤَدِّيَ إِلَى عَجْزِهِمَا أَوْ لَا تُنَفَّذُ إِرَادَةُ أَحَدِهِمَا فَيُؤَدِّيَ إِلَى عَجْزِهِ وَالْإِلَهُ لَا يَكُونُ عَاجِزًا
http://vb.mediu.edu.my/showthread.php?t=43286

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق