وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الضَّرْبَ يَنْقَسِمُ إِلَى ..
وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الضَّرْبَ يَنْقَسِمُ إِلَى مَا يَحْرُمُ الْعَمَلُ بِهِ وَلَا يَمْتَنِعُ كَقَوْلِهِ: {إِنْ يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين} ثُمَّ نَسْخِ الْوُجُوبِ. وَمِنْهُ قَوْلُهُ: {وَلَا تَعْتَدُوا إن الله لا يحب المعتدين} قِيلَ: مَنْسُوخٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فاعتدوا عليه} .وَقَوْلِهِ: {وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ} نَسَخَتْهَا آيَاتُ الْقِيَامَةِ وَالْكِتَابِ وَالْحِسَابِ.
وَهُنَا سُؤَالٌ وَهُوَ أَنْ يُسْأَلَ: مَا الْحِكْمَةُ فِي رَفْعِ الْحُكْمِ وَبَقَاءِ التِّلَاوَةِ؟ وَالْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ الْقُرْآنَ كَمَا يُتْلَى لِيُعْرَفَ الْحُكْمُ مِنْهُ وَالْعَمَلُ بِهِ فَيُتْلَى لِكَوْنِهِ كَلَامَ اللَّهِ تَعَالَى فَيُثَابُ عَلَيْهِ فَتُرِكَتِ التِّلَاوَةُ لِهَذِهِ الْحِكْمَةِ
وَثَانِيهُمَا: أَنَّ النَّسْخَ غَالِبًا يَكُونُ لِلتَّخْفِيفِ فَأُبْقِيَتِ التِّلَاوَةُ تَذْكِيرًا بِالنِّعْمَةِ وَرَفْعِ الْمَشَقَّةِ وَأَمَّا حِكْمَةُ النَّسْخِ قَبْلَ الْعَمَلِ كَالصَّدَقَةِ عِنْدَ النَّجْوَى فَيُثَابُ عَلَى الْإِيمَانِ بِهِ وَعَلَى نِيَّةِ طَاعَةِ الْأَمْرِ
الثَّالِثُ: نَسْخُهُمَا جَمِيعًا فَلَا تَجُوزُ قِرَاءَتُهُ وَلَا الْعَمَلُ بِهِ كَآيَةِ التَّحْرِيمِ بِعَشْرِ رَضَعَاتٍ فَنُسِخْنَ بِخَمْسٍ قَالَتْ عَائِشَةُ: " كَانَ مِمَّا أُنْزِلَ عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ فَنُسِخْنَ بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ مِمَّا يُقْرَأُ مِنَ الْقُرْآنِ" رَوَاهُ مُسْلِمٌ
وَقَدْ تَكَلَّمُوا فِي قَوْلِهَا وَهِيَ "مِمَّا يُقْرَأُ" فَإِنَّ ظَاهِرَهُ بَقَاءُ التِّلَاوَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَمِنْهُمْ مَنْ أَجَابَ بِأَنَّ الْمُرَادَ قَارَبَ الْوَفَاةَ وَالْأَظْهَرُ أَنَّ التِّلَاوَةَ نُسِخَتْ أَيْضًا وَلَمْ يَبْلُغْ ذَلِكَ كُلَّ النَّاسِ إِلَّا بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتُوُفِّيَ وَبَعْضُ النَّاسِ يَقْرَؤُهَا
وَقَالَ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ: نَزَلَتْ ثُمَّ رُفِعَتْ.
وَجَعَلَ الْوَاحِدِيُّ مِنْ هَذَا مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كُنَّا نَقْرَأُ لَا تَرْغَبُوا عَنْ آبَائِكُمْ فَإِنَّهُ كُفْرٌ وَفِيهِ نَظَرٌ
وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ فِي الِانْتِصَارِ عَنْ قَوْمٍ إِنْكَارَ هَذَا الْقِسْمِ لِأَنَّ
الْأَخْبَارَ فِيهِ أَخْبَارُ آحَادٍ وَلَا يَجُوزُ الْقَطْعُ عَلَى إِنْزَالِ قُرْآنٍ وَنَسْخِهِ بِأَخْبَارِ آحَادٍ لَا حُجَّةَ فِيهَا
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيُّ نَسْخُ الرَّسْمِ وَالتِّلَاوَةِ إِنَّمَا يَكُونُ بِأَنْ يُنْسِيَهُمُ اللَّهُ إِيَّاهُ وَيَرْفَعَهُ مِنْ أَوْهَامِهِمْ وَيَأْمُرَهُمْ بِالْإِعْرَاضِ عَنْ تِلَاوَتِهِ وَكَتْبِهِ فِي الْمُصْحَفِ فَيَنْدَرِسَ عَلَى الْأَيَّامِ كَسَائِرِ كُتُبِ اللَّهِ الْقَدِيمَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا فِي كِتَابِهِ فِي قَوْلِهِ: {إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الأولى. صحف إبراهيم وموسى} وَلَا يُعْرَفُ الْيَوْمَ مِنْهَا شَيْءٌ ثُمَّ لَا يَخْلُو ذَلِكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى إِذَا تُوُفِّيَ لَا يَكُونُ مَتْلُوًّا فِي الْقُرْآنِ أَوْ يَمُوتُ وَهُوَ مَتْلُوٌّ مَوْجُودٌ فِي الرَّسْمِ ثُمَّ يُنْسِيهِ اللَّهُ وَيَرْفَعُهُ مِنْ أَذْهَانِهِمْ وَغَيْرُ جَائِزٍ نَسْخُ شَيْءٍ مِنَ الْقُرْآنِ بَعْدَ وَفَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق