قَاعِدَةٌ: فِي الْإِطْلَاقِ وَالتَّقْيِيدِ
قَاعِدَةٌ: فِي الْإِطْلَاقِ وَالتَّقْيِيدِ
إِنْ وُجِدَ دَلِيلٌ عَلَى تَقْيِيدِ الْمُطْلَقِ صُيِّرَ إِلَيْهِ، وَإِلَّا فَلَا، وَالْمُطْلَقُ عَلَى إِطْلَاقِهِ، وَالْمُقَيَّدُ عَلَى تَقْيِيدِهِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَاطَبَنَا بِلُغَةِ الْعَرَبِ.
وَالضَّابِطُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِذَا حَكَمَ فِي شَيْءٍ بِصِفَةٍ أَوْ شَرْطٍ ثُمَّ وَرَدَ حُكْمٌ آخَرُ مُطْلَقًا نُظِرَ؛ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَصْلٌ يُرَدُّ إِلَيْهِ إِلَّا ذَلِكَ الْحُكْمَ الْمُقَيَّدَ وَجَبَ تَقْيِيدُهُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ لَهُ أَصْلٌ غَيْرُهُ لَمْ يَكُنْ رَدُّهُ إِلَى أَحَدِهِمَا بِأَوْلَى مِنَ الْآخَرِ.
فَالْأَوَّلُ مِثْلُ اشْتِرَاطِ اللَّهِ الْعَدَالَةَ فِي الشُّهُودِ عَلَى الرَّجْعَةِ وَالْفِرَاقِ وَالْوَصِيَّةِ، وَإِطْلَاقِهِ الشَّهَادَةَ فِي الْبُيُوعِ وَغَيْرِهَا، وَالْعَدَالَةُ شَرْطٌ فِي الْجَمِيعِ.
وَمِنْهُ تَقْيِيدُ مِيرَاثِ الزَّوْجَيْنِ بِقَوْلِهِ: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يوصين بها أو دين} وَإِطْلَاقُهُ الْمِيرَاثَ فِيمَا أَطْلَقَ فِيهِ، وَكَانَ مَا أَطْلَقَ مِنَ الْمَوَارِيثِ كُلِّهَا بَعْدَ الْوَصِيَّةِ وَالدَّيْنِ.
وَكَذَلِكَ مَا اشْتَرَطَ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ مِنَ الرَّقَبَةِ الْمُؤْمِنَةِ، وَأَطْلَقَهَا فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَالْيَمِينِ، وَالْمُطْلَقُ كَالْمُقَيَّدِ فِي وَصْفِ الرَّقَبَةِ.
وَكَذَلِكَ تَقْيِيدُ الْأَيْدِي إِلَى الْمَرَافِقِ فِي الْوُضُوءِ، وَإِطْلَاقُهُ فِي التَّيَمُّمِ.
وَكَذَلِكَ: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عمله} فَأَطْلَقَ الْإِحْبَاطَ عَلَيْهِ وَعَلَّقَهُ بِنَفْسِ الرِّدَّةِ، وَلَمْ يَشْتَرِطِ الْمُوَافَاةَ عَلَيْهِ.
وَقَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: {ومن يرتدد
مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حبطت أعمالهم} وقيد الرِّدَّةَ بِالْمَوْتِ عَلَيْهَا وَالْمُوَافَاةِ عَلَى الْكُفْرِ، فَوَجَبَ رَدُّ الْآيَةِ الْمُطْلَقَةِ إِلَيْهَا وَأَلَّا يُقْضَى بِإِحْبَاطِ الْأَعْمَالِ إِلَّا بِشَرْطِ الْمُوَافَاةِ عَلَيْهَا؛ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَإِنْ كَانَ قَدْ تَوَرَّعَ فِي هَذَا التَّقْرِيرِ.
وَمِنْ هَذَا الْإِطْلَاقِ تَحْرِيمُ الدَّمِ وَتَقْيِيدُهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ بِالْمَسْفُوحِ.
وقوله: {فامسحوا بوجوهكم وأيديكم} وقال في موضع آخر: {منه} .
وَقَوْلُهُ: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدنيا نؤته منها} فَإِنَّهُ لَوْ قِيلَ: نَحْنُ نَرَى مَنْ يَطْلُبُ الدُّنْيَا طَلَبًا حَثِيثًا وَلَا يَحْصُلُ لَهُ مِنْهَا شَيْءٌ! قُلْنَا: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ} فَعَلَّقَ مَا يُرِيدُ بِالْمَشِيئَةِ وَالْإِرَادَةِ.
وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ تعالى: {أجيب دعوة الداع إذا دعان} وقوله: {ادعوني أستجب لكم} ، فَإِنَّهُ مُعَلَّقٌ.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق