الخميس، 6 يونيو 2013
النَّاسُ فِي تِلَاوَةِ الْقُرْآنِ ثَلَاثَةُ مَقَامَاتٍ:
وَقَالَ بَعْضُهُمْ النَّاسُ فِي تِلَاوَةِ الْقُرْآنِ ثَلَاثَةُ مَقَامَاتٍ:
الْأَوَّلُ: مَنْ يَشْهَدُ أَوْصَافَ الْمُتَكَلِّمِ فِي كَلَامِهِ وَمَعْرِفَةِ مَعَانِي خِطَابِهِ فَيَنْظُرُ إِلَيْهِ مِنْ كَلَامِهِ وَتَكَلُّمِهِ بِخِطَابِهِ وَتَمَلِّيهِ بِمُنَاجَاتِهِ وَتَعَرُّفِهِ مِنْ صِفَاتِهِ فَإِنَّ كُلَّ كَلِمَةٍ تُنْبِئُ عَنْ مَعْنَى اسْمٍ أَوْ وَصْفٍ أَوْ حُكْمٍ أَوْ إِرَادَةٍ أَوْ فِعْلٍ لِأَنَّ الْكَلَامَ يُنْبِئُ عَنْ مَعَانِي الْأَوْصَافِ وَيَدُلُّ عَلَى الْمَوْصُوفِ وَهَذَا مَقَامُ الْعَارِفِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لِأَنَّهُ لَا يَنْظُرُ إِلَى نَفْسِهِ وَلَا إِلَى قِرَاءَتِهِ وَلَا إِلَى تَعَلُّقِ الْإِنْعَامِ بِهِ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ مُنْعِمٌ عَلَيْهِ بَلْ هُوَ مَقْصُورُ الْفَهْمِ عَنِ الْمُتَكَلِّمِ مَوْقُوفُ الْفِكْرِ عَلَيْهِ مُسْتَغْرِقٌ بِمُشَاهَدَةِ الْمُتَكَلِّمِ وَلِهَذَا قَالَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّادِقُ لَقَدْ تَجَلَّى اللَّهُ لِخَلْقِهِ بِكَلَامِهِ وَلَكِنْ لَا يُبْصِرُونَ
وَمِنْ كَلَامِ الشَّيْخِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْقُرَشِيِّ لَوْ طَهُرَتِ الْقُلُوبُ لَمْ تَشْبَعْ مِنَ التِّلَاوَةِ لِلْقُرْآنِ
الثَّانِي: مَنْ يَشْهَدُ بِقَلْبِهِ كَأَنَّهُ تَعَالَى يُخَاطِبُهُ وَيُنَاجِيهِ بِأَلْطَافِهِ وَيَتَمَلَّقُهُ بإنعامهوَإِحْسَانِهِ فَمَقَامُ هَذَا الْحَيَاءُ وَالتَّعْظِيمُ وَحَالُهُ الْإِصْغَاءُ وَالْفَهْمُ وَهَذَا لِعُمُومِ الْمُقَرَّبِينَ
الثَّالِثُ: مَنْ يَرَى أَنَّهُ يُنَاجِي رَبَّهُ سُبْحَانَهُ فَمَقَامُ هَذَا السُّؤَالُ وَالتَّمَكُّنُ وَحَالُهُ الطَّلَبُ وَهَذَا الْمَقَامُ لِخُصُوصِ أَصْحَابِ الْيَمِينِ فَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ يَلْقَى السَّمْعَ مِنْ بَيْنِ يَدَيْ سَمِيعِهِ مُصْغِيًا إِلَى سِرِّ كَلَامِهِ شَهِيدَ الْقَلْبِ لِمَعَانِي صِفَاتِهِ نَاظِرًا إِلَى قُدْرَتِهِ تَارِكًا لِمَعْقُولِهِ وَمَعْهُودِ عِلْمِهِ مُتَبَرِّئًا مِنْ حَوْلِهِ وَقُوَّتِهِ مُعَظِّمًا لِلْمُتَكَلِّمِ مُتَفَرِّغًا إِلَى الْفَهْمِ بِحَالٍ مُسْتَقِيمٍ وَقَلْبٍ سَلِيمٍ وَصَفَاءِ يَقِينٍ وَقُوَّةِ عِلْمٍ وَتَمْكِينٍ سَمِعَ فَصْلَ الْخِطَابِ وَشَهِدَ غَيْبَ الْجَوَابِ لِأَنَّ التَّرْتِيلَ فِي الْقُرْآنِ وَالتَّدَبُّرَ لِمَعَانِي الْكَلَامِ وَحُسْنَ الِاقْتِصَادِ إِلَى الْمُتَكَلِّمِ فِي الْإِفْهَامِ وَالْإِيقَافَ عَلَى الْمُرَادِ وَصِدْقَ الرَّغْبَةِ فِي الطَّلَبِ سَبَبٌ للاطلاع على المطلع من المسر الْمَكْنُونِ الْمُسْتَوْدَعِ وَكُلُّ كَلِمَةٍ مِنَ الْخِطَابِ تَتَوَجَّهُ عَشْرَ جِهَاتٍ لِلْعَارِفِ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ مَقَامٌ وَمُشَاهَدَاتٌ أَوَّلُهَا الْإِيمَانُ بِهَا وَالتَّسْلِيمُ لَهَا وَالتَّوْبَةُ إِلَيْهَا وَالصَّبْرُ عَلَيْهَا وَالرِّضَا بِهَا وَالْخَوْفُ مِنْهَا وَالرَّجَاءُ إِلَيْهَا وَالشُّكْرُ عَلَيْهَا وَالْمَحَبَّةُ لَهَا وَالتَّوَكُّلُ فِيهَا فَهَذِهِ الْمَقَامَاتُ الْعَشْرُ هِيَ مَقَامَاتُ الْمُتَّقِينَ وَهَى مُنْطَوِيَةٌ فِي كُلِّ كَلِمَةٍ يَشْهَدُهَا أَهْلُ التَّمْكِينِ وَالْمُنَاجَاةِ وَيَعْرِفُهَا أَهْلُ الْعِلْمِ وَالْحَيَاةِ لِأَنَّ كَلَامَ الْمَحْبُوبِ حَيَاةٌ لِلْقُلُوبِ لَا يُنْذَرُ بِهِ إِلَّا حَيٌّ وَلَا يَحْيَا بِهِ إِلَّا مُسْتَجِيبٌ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا} وقال تعالى: {إذا دعاكم لما يحييكم} وَلَا يَشْهَدُ هَذِهِ الْعَشْرَ مُشَاهَدَاتٍ إِلَّا مَنْ يَتَنَقَّلُ فِي الْعَشْرِ الْمَقَامَاتِ الْمَذْكُورَةِ فِي سُورَةِ الأحزاب أَوَّلُهَا مَقَامُ الْمُسْلِمِينَ وَآخِرُهَا مَقَامُ الذَّاكِرِينَ وَبَعْدَ مقام
الذِّكْرِ هَذِهِ الْمُشَاهَدَاتُ الْعَشْرِ فَعِنْدَهَا لَا تُمَلُّ الْمُنَاجَاةُ لِوُجُودِ الْمُصَافَاةِ وَعَلِمَ كَيْفَ تُجَلَّى لَهُ تِلْكَ الصِّفَاتُ الْإِلَهِيَّةُ فِي طَيِّ هَذِهِ الْأَدَوَاتِ وَلَوْلَا اسْتِتَارُ كُنْهِ جَمَالِ كَلَامِهِ بِكِسْوَةِ الْحُرُوفِ لما ثبت لسماع الكلام عرش ولا ترى وَلَا تَمَكَّنَ لِفَهْمِ عَظِيمِ الْكَلَامِ إِلَّا عَلَى حَدِّ فَهْمِ الْخَلْقِ فَكُلُّ أَحَدٍ يَفْهَمُ عَنْهُ بِفَهْمِهِ الَّذِي قُسِمَ لَهُ حِكْمَةً مِنْهُ
قَالَ بعض العلماء: في القرآن ميادين وبساتين وَعَرَائِسُ وَدَيَابِيجُ وَرِيَاضٌ فَالْمِيمَاتُ مَيَادِينُ الْقُرْآنِ وَالرَّاءَاتُ بَسَاتِينُ الْقُرْآنِ وَالْحَاءَاتُ مَقَاصِيرُ الْقُرْآنِ وَالْمُسَبِّحَاتُ عَرَائِسُ الْقُرْآنِ وَالْحَوَامِيمُ دَيَابِيجُ الْقُرْآنِ وَالْمُفَصَّلُ رِيَاضُهُ وَمَا سِوَى ذَلِكَ فَإِذَا دَخَلَ الْمُرِيدُ فِي الْمَيَادِينِ وَقَطَفَ مِنَ الْبَسَاتِينِ وَدَخَلَ الْمَقَاصِيرَ وَشَهِدَ الْعَرَائِسَ وَلَبِسَ الدَّيَابِيجَ وَتَنَزَّهَ فِي الرِّيَاضِ وَسَكَنَ غُرُفَاتِ الْمَقَامَاتِ اقْتَطَعَهُ عَمَّا سِوَاهُ وَأَوْقَفَهُ مَا يَرَاهُ وشغله المشاهد لَهُ عَمَّا عَدَاهُ وَلِذَلِكَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عليه وسلم اعرفوا الْقُرْآنَ وَالْتَمِسُوا غَرَائِبَهُ وَغَرَائِبُهُ فُرُوضُهُ وَحُدُودُهُ فَإِنَّ القرآن عَلَى خَمْسَةٍ حَلَالٍ وَحَرَامٍ وَمُحْكَمٍ وَأَمْثَالٍ وَمُتَشَابِهٍ فَخُذُوا الْحَلَالَ وَدَعُوا الْحَرَامَ وَاعْمَلُوا بِالْمُحْكَمِ وَآمِنُوا بالتمشابه وَاعْتَبِرُوا بِالْأَمْثَالِ
وَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَا يَفْقَهُ الرَّجُلُ حَتَّى يَجْعَلَ لِلْقُرْآنِ وُجُوهًا
وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: من أراد علم الأولين والآخرين فليثور القرآن
قَالَ ابْنُ سَبْعٍ فِي كِتَابِ شِفَاءِ الصَّدْرِ: هَذَا الَّذِي قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ وَابْنُ مَسْعُودٍ لَا يَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ تَفْسِيرِهِ الظَّاهِرِ وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ لِكُلِّ آيَةٍ سِتُّونَ أَلْفَ فَهْمٍ وَمَا بَقِيَ مِنْ فَهْمِهِ أَكْثَرُ وَقَالَ آخَرُونَ الْقُرْآنُ يَحْتَوِي عَلَى سَبْعَةٍ وَسَبْعِينَ أَلْفَ عِلْمٍ إِذْ لِكُلِّ كَلِمَةٍ عِلْمٌ ثُمَّ يَتَضَاعَفُ ذَلِكَ أَرْبَعًا إِذْ لِكُلِّ كَلِمَةٍ ظَاهِرٌ وَبَاطِنٌ وَحَدٌّ وَمَطْلَعٌ
وَبِالْجُمْلَةِ فَالْعُلُومُ كُلُّهَا دَاخِلَةٌ فِي أَفْعَالِ اللَّهِ وَصِفَاتِهِ وَفَى الْقُرْآنِ شَرْحُ ذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ وأفعاله
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق